شكرا لمن مدحَنا ولمن سبَّنا

د. عائض القرني

TT

أقول وأنا صائم في رمضان غفر الله لي ولإخواني المسلمين والمسلمات، سامح الله من أحبنا وأبغضنا، ورحم الله مَنْ مدحنا وشتمنا، وغفر الله لمن شجعنا ومن نقدنا، فنحن بشر عرضة للخطأ، وأشهد الله أني لا أريد لأحد من المسلمين أن يتضرر ولو بحرارة شمس أو بنـزلة زكام، وإنه لا يسعدني أبدا أن أرى مسلما في مكروه، أو في أزمة كائنا مَن كان، وربما كان انتفاعي بمن نقدني أكثر من انتفاعي بمن مدحني، لأن من نقدني أخبرني بعيوبي ودلّني على خطئي وذكّرني بعجزي فأعدت التقويم في نفسي والملاحظة بعملي، أما من مدحني فإنه قد يكون خدّرني بالمديح وسكت عن الغلط فاستمر على وضعي معجبا بنفسي وعملي، وليس بيني وبين أحد من المؤمنين موقف مسبق يترصدني وأترصده، ويتربص بي وأتربص به، بل قد يحصل مني التعليقة والمزحة في نفس الموقف على البديهة وعلى الهواء مباشرة دون سابق إنذار فأعلّق على نفسي وإخواني وأصدقائي وبقية العاملين في الساحة حتى إني أجد عند الكثير منهم رحابة صدر وروحا رياضية وتسامحا وعفوا، وأجد عند البعض ردا مؤدبا فأتفهمه واستوعبه، ولست معاذ الله إقصائيا في أفكاري، بل أدعو إلى التسامح والتواصل ومد الجسور والتعارف والتحاور والتعانق والتلاقي وتطبيع العلاقات، واقرأوا إن شئتم عشرات المقالات لي في هذه الجريدة الرائدة، وكثيرا من الدروس والمحاضرات، بل إن تعاوني مع الأستاذ محمد عبده من باب فتح الآفاق والنوافذ والأبواب على أطياف المجتمع وشرائح الوطن تحت مظلة الإسلام، فأنا والحمد لله أتشرف بزيارة الصحافيين ورجال الإعلام والرياضيين والعسكر والعمال وسائر طبقات المجتمع لأنني واحد منهم حتى وجدت اللوم من بعض الناس في بعض خطوات هذا التواصل والانفتاح، لكنني أدركتُ بعد أعوام مديدة وتجارب طويلة واطلاع وقراءة وسفر للخارج أن الواجب علينا أن تكون عقولنا كبيرة وقلوبنا واسعة وأن الإنسان لا يبني لنفسه دكانا ويتصور أن العالم في دكانه، ولا أن يحشر عقله في زنزانة ثم يحاكم الناس من زنزانته، وصرت كلما رأيت أي إنسان ولو كان مقصرا أقول في نفسي: من يدري؟ قد يكون أفضل عند الله مني ويمكن أن يُختم له بخير وربما بينه وبين الله عمل صالح، وقد تجاوز الإنسان سن المراهقة العقلية التي كان فيها يطرب لكلمة مدح ويهش بقصيدة ثناء ويثور ويغضب من مقالة هجاء أو مقطوعة سب، ورأيت أن العمل المثمر والناجح أفصح جواب وأفضل رد، لأن الكلمات والمقالات والقصائد التي مُدحنا بها لن ترفعنا إلى المجد (سنتمترا واحدا)، وأيضا المقالات والقصائد والكلمات التي هُجينا بها لن تنقص من قدرنا (سنتمترا واحدا)، والمقصود إن كان لك عمل جميل وخُلُق نبيل وهدف سامٍ وهمة عالية وطموح وثّاب فسوف تفرض نفسك حتى على حمورابي وبختنصر والنمرود بن كنعان، وإذا كنت صفرا وكسولا وخاملا وفاشلا واتكاليا فوالله لو نحتوا اسمك على الأهرامات ونحتوا لك ألف تمثال لما صدّق الناس ذلك وعادوا إلى سيرتك وعملك فحسب، لقد استفدت من مشايخي وأساتذتي والكتب التي طالعتها وتجاربي أنني إذا حقدت على إنسان فإنني أنا الخسران والنادم والضحية لأنني سوف أدفع ضريبة هذا الحقد من دمي وأعصابي ونومي وراحتي وحسناتي، أما إذا عفوت عن خصومي ونقّادي وحسّادي فسوف أكسب عفو الله وسروري واستقرار نفسي وهدوء بالي وتكفير سيئاتي. أوصاني أحد العلماء الكبار في الرياض قديما فقال: إذا أويت إلى فراشك فسامح كل من أخطأ في حقك وادعُ له وأطلب العفو والسماح ممن أخطأت في حقه. فصرتُ بعدها مسرورا بهيجا، وقد اتصل بي بعض الإخوة يقرأ عليّ بعض مقالات السب فأضحك والله وأقول: غفر الله للكاتب وسامحه الله، وكم بقي من العمر أصلا حتى نتخاصم ونتحاسد ونتقاتل، اللهم أغفر لكل المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم سامحنا وسامح من أسأنا إليه أو أساء إلينا، وأغسل قلوبنا من الحقد والحسد والبغضاء والشحناء.