سوق الناش في فيينا يزدهر بمناسبة رمضان واقتراب عيد الفطر 

يعتبر من أكثر الأسواق تميزاً في العاصمة النمساوية

مسلمات يشترون حاجاتهم في أحد ايام رمضان في فيينا («الشرق الأوسط»)
TT

 توصي دلائل الإرشاد السياحي زائر فيينا، العاصمة النمساوية، بزيارة سوقها الأكثر تميزا سوق الناش، تماما كما توصيه بزيارة دار الأوبرا وقصر الشونبرون ومتحف موتزارت.

أما بالنسبة لساكن المدينة فانه وان اكتفى بزيارة أو اثنتين لتلك المواقع السياحية، فإنه دون شك سيعمل على زيارة الناش ماركت مرات ومرات للتسوق، هذا إذا لم يحرص على تحديد موعد زيارة أسبوعية لأشهر أسواق المدينة وأوفرها خيرات لمختلف أنواع المواد الغذائية الطازجة، سواء اللحوم بأنواعها أو خضراوات أو فواكه أو حلويات ومخللات واجبان وبهارات، وذلك ليس من منتجات نمساوية فحسب، بل من مختلف دول العالم، حيث تسمع الباعة يتصايحون «أناناس من كركاس»، أما إن طلبت زيتونا على سبيل المثال فلا بد أن تكون أكثر تحديدا، هل تريده ايطاليا أم إغريقيا أم تركيا أم تونسيا أم كرواتيا، وحتى الكرواتي هل من هذه المنطقة أم تلك، وهكذا هو الحال لمعظم البضائع التي ترده من أكثر من دولة بما في ذلك البامية مثلا، التي تتوفر جافة من سورية، حيث تباع منضومة في هيئة عقود، كما تتوفر طازجة من كينيا وجمايكا وعدة دول لاتينية.  لهذه الأسباب وغيرها وبمناسبة شهر رمضان واقتراب موعد عيد الفطر، أضفت لقائمتي للتسوق بالناش ماركت بضعة أسئلة طرحتها على عدد من التجار العرب والمسلمين، ممن يعملون بالناش ماركت لسؤالهم عن احتياجات المسلمين من سكان المدينة . يمتد الناش ماركت في مساحة شاسعة تصل إلى 1,5 كيلومتر تتوسط فيينا، وتجاور منطقتها الأولى أو قلبها القديم. يعود تاريخ إنشائه للقرن السادس عشر، ورغم ذلك لا تزال مسيرته تشهد تطورات وتغيرات لدرجة انه من مجرد أكشاك كانت مخصصة لبيع الألبان أصبح اليوم لا يقتصر على مجرد بيع مختلف أنواع الأطعمة، بل لحق ببعض متاجره مطاعم ذات نمط فني وأسلوب شبابي خاص، ما جعل المنطقة مشغولة ليلا ونهارا مع التزام المتاجر بقانون صارم لا يسمح بالبيع بعد السابعة مساء. وكانت تلك نقطة حديثي الأولى مع عدد من أفراد أسرة لاشين أبناء مدينة المحلة الكبرى في مصر، الذين أشاروا لوفرة مختلف احتياجات الصيام من تين وزيتون وفول، وزبيب ومكسرات وقمر الدين وملوخية وفاصولياء وكنافة وبقلاوة، وكل ما يشتهيه الصائم. وبلهجة مصرية محببة يقول أصغرهم،«إننا نبيع حتى عجين الطعمية. نبيعه طازجا جاهزا، ما يوفر على ربات البيوت الكثير من المشاق، بما في ذلك تتبيله. نوفره مبهرا لا يتطلب غير التحمير».

وبمناسبة الطعمية أو الفلافل، فان الناش ماركت تتوسطه محلات ملاكها إسرائيليون تحمل لافتاتها اسم «الدكتور فلافل»، ويمثل الازدهار الذي تشهده هذه المحلات بادرة «حرب أطعمة» بين الدول العربية وإسرائيل، التي تنشط في الاتجار بعدد من أطباق الطعام التي عرفت بها منطقة الشرق الأوسط، خاصة دول مثل لبنان وسورية وفلسطين ومصر والأردن حتى السنوات الأخيرة، حيث عمل اليهود بشطارتهم ومهارتهم في التجارة لتسويقها في أوروبا كأطعمة إسرائيلية.

مع الحاج أبو طالب وهو تاجر تركي من منطقة غازي أنتب المجاورة إلى سورية، الذي أصر على مخاطبتي بمختلف الكلمات العربية التي يعرفها، أشار إلى أن خيرات رمضان كثيرة ومتوفرة وبأسعار زهيدة، إذ إنهم لا يعمدون إلى رفع الأسعار كما يحدث في البلاد المسلمة (باعتبار أن رمضان موسم) مشيرا إلى أن أكثر مشتروات زبائنهم من المسلمين العرب في هذه الأيام تتمثل في التمور، والفول المعلب، والبقلاوة، والتين، وورق العنب. أما الأتراك فيشترون أكثر المكسرات، والتمور، والباذنجان، والعدس، واللكوم راحات «نوع من الحلوى».

داخل متجر شركة أكاد، وهو متجر يعود اسمه للحضارة الأكادية لم يقتصر الحديث مع «الشرق الأوسط» عن الناش ماركت ورمضان والعيد في فيينا، بل تشعب مع عدد من الحضور، ومنهم العربي المسلم والمسيحي والعلماني إلى اهتمامات الإعلام العربي وما اتهموه به من قصور لتركيزه وفق منظورهم على قضايا يعتبرونها شخصية كالصوم والعبادات، بدلا عن التركيز على قضايا أهم كاضطهاد الأقليات، وتعدي الحكومات على حريات وحقوق مواطنيها، ما اضطر الكثيرون لمغادرة أوطانهم لدول يسودها التسامح والديمقراطية.

في موقع آخر كتبت لافتته بالعربية والألمانية والفارسية «ذبحت شريعت إسلامي» تابعنا حديثنا مع الجزار الفلسطيني المولد نمساوي الجنسية رسلان، الذي رد على سؤالنا إن كان شقيقا لداعية إسلامي معروف بفيينا فأجاب بالإيجاب، مضيفا وهو يبتسم(إن شقيقه يغذي المسلمين روحيا فيما يغذيهم هو بدنيا). شارحا انه ومنذ أكثر من 16 عاما يعمل على الذبيح بنفسه وفقا للشريعة الإسلامية، في مزرعة فلاح صغيرة على بعد 98 كيلومترا خارج فيينا، وذلك لما قد يصل إلى أكثر من 50 رأسا في الأسبوع، تزيد وتقل وفقا لحالة السوق، الذي وصفها هذه الأيام بالكساد نوعا ما، بسبب الحالة الاقتصادية التي غشت الجميع مؤثرة على حالة الشراء، حتى خلال الشهر الكريم من قبل زبائنه المسلمين. مشيرا لاهتمامهم بتقسيم اللحوم وتحضيرها لمختلف أنواع الطبخ. مبينا أن زبائنه كثيرا ما يستعينون به لتوجيههم لنوع اللحم الذي يناسب طبخة من الطبخات، خاصة انه قد عمل فترة كطباخ في زاوية أخرى، وأمام كشك يبيع الكباب، كانت مجموعة من الشباب والشابات تشتري ساندوتشات منوعة «دجاج ولحم» مع سلطات وزبادي. موصين بتجهيزها للأكل خارج المحل وبسؤالهم بعد سماعهم، وهم يتشاورون بالعربية، عرفت أنهم طلبة بكلية الهندسة التي لا تبعد مبانيها كثيرا عن الناش ماركت، الذي وصفوه بمنقذهم بما يوفره من ساندوتشات معقولة الثمن، لذيذة، ومشبعة تحمل نكهة الطعام المنزلي الذي يفتقدونه أكثر أيام رمضان، إذ يصعب عليهم الانتقال لمواقع سكنهم ومن ثم العودة مرة أخرى للحاق بالمحاضرات بعد الإفطار، خاصة أن برنامجهم الدراسي لا يضع رمضان في حساباته البتة تماما، كبقية أنحاء المدينة، التي يفتقد الصائم فيها، حاله حال الصائم في بقية المدن الأوروبية، الإحساس بالأجواء الرمضانية العامة. هذا رغم حماس الجاليات والأسر في إقامة حفلات الإفطار الجماعية، ورغم أن كبار المسؤولين النمساويين، خاصة المستشار وعمدة فيينا الاشتراكيين يحرصان سنويا على دعوة قادة العمل الإسلامي وبعض الشخصيات المسلمة لحفلات إفطار، حيث يرفع أذان المغرب من داخل مبنى البلدية ومن مقر المستشارية، كما يحرص الرئيس النمساوي، هاينز فيشر، على تهنئة المسلمين بعيدهم، مستقبلا إياهم في مقره. ومعلوم أن الدين الإسلامي يعتبر ومنذ 1912 دينا رسميا في النمسا، وذلك مما ينكد على بعض السياسيين العنصريين، ممن يكسبون أصواتا بسبب معاداتهم للإسلام وللمهاجرين من المسلمين.