جدل حول زكاة الفطر وأوجه إنفاقها بين علماء الأزهر

البعض أجاز صرفها حسب المصارف الشرعية وآخرون قصروها على الفقراء

TT

مع قرب نهاية شهر رمضان يستعد المصريون لإخراج زكاة فطرهم، وذلك تطبيقاً لما جاء في السنة النبوية المشرفة، وفي الوقت نفسه نجد كثيرا من الجمعيات الخيرية تتسابق في الإعلان عن تلقي زكاة الفطر وتوزيعها على الفقراء نيابة عن المزكي. لكن اللافت للنظر هذا العام ان كثيرا من المؤسسات العلاجية والمستشفيات بدأت حملة إعلانية مكثفة من خلال القنوات التلفزيونية والصحف تدعو من خلالها المزكين لدفع زكاة الفطر إلى هذه الجهات بحجة أنها تنفقها لصالح الفقراء، الأمر الذي أثار عدة تساؤلات حول مفهوم زكاة الفطر وأحكامها وقيمتها وأوجه صرفها.

وقال الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية: زكاة الفطر أو صدقة الفطر واجبة على كل حر مسلم قادر، يملك النصاب الفائض عن حاجته الأصلية فإذا كان المسلم ليس لديه شيء زائد على نَفَقَتِه ونفقة عياله وخدمه إن كان لديه خدم لأنها تسمى زكاة الرؤوس، وذلك عند وقت وجوب هذه الزكاة، وهو من طلوع فجر عيد الفطر فإنه لا يكون مُكلَّفا بدَفْع هذه الزكاة، مصداقا لقول الله تعالى :«لا يكلف الله نفساً إلا وسعها»، وقوله تعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، فإذا ما أديت قبل صلاة العيد كانت زكاة مقبولة، أما إذا أديت بعد الصلاة كانت صدقة من الصدقات. ومن الأفضل إخراجها قبل يوم الفطر بيوم أو يومين. وقد شرعت في السنة التي فرض الله فيها صوم رمضان، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم، مقدارها «صاعٌ من بُرٍّ أو قمح، أو صاعٌ من تمر أو شعير»، من غالب قوت البلد، أو من غالب قوت المزكي عن كلِّ حُرٍّ أو عبد، صغير أو كبير. وأضاف الشيخ عاشور: زكاة الفطر كما أخبرنا بها النبي هي طهرة للصائم من اللَّغو والرَّفث، وطُعمة للفقراء حتى يكون المسلمون جميعاً يوم العيد في فرح وسعادة. وأن الصيام معلق بين السماء والأرض حتى يؤدي صاحبه هذه الزكاة. ويرى الشيخ عاشور ان زكاة الفطر لا تعطى إلا للفقراء لأن الأصل أنها مفروضة للفقراء والمساكين، فلا تعطى لغيرهم من الأصناف الثمانية التي نصت عليها الآية القرآنية: (إنَّما الصّدَقاتُ للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم). كما أجاز الشيخ عاشور إعطاء هذه الزكاة للجمعيات الخيرية للقيام بتوزيعها على الفقراء بالنيابة عن المزكين نقداً، عملا بمذهب الإمام أبو حنيفة الذي أجاز ذلك بقوله: «يخرج الأنفع للفقير». ونرى أن الأنفع للفقير في هذه الأيام أن يعطى زكاة الفطر نقدا وليس قيمة (أي صاع من بُرٍّ أو قمح، أو صاع من تمر أو شعير)، وذلك لان الزمان قد تغير والأحوال قد تبدلت وأصبحت حاجة الفقير للنقود أشد. كما أجاز الشيخ عاشور إرسال المزكي لزكاة الفطر إلى خارج البلد الذي يقيم فيه إذا لم يجد من يستحق هذه الزكاة في بلده. ويؤيد هذا الرأي الشيخ سعد الألفي من علماء الأزهر مستشار قطاع المعاهد الأزهرية، مدير معهد القرآن الكريم الأزهري، حيث أكد أن زكاة الفطر واجبة على الرؤوس وذلك خلافا للزكوات الأخرى، وقد اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم الفقراء، حيث قال: «أغنوهم في هذا اليوم» أي أغنوهم يوم العيد عن السؤال، والإغناء كما يتحقق بالقيمة، فانه يتحقق بالنقود، وربما كانت النقود أفضل، إذ كثرة المطعومات (القمح والشعير والأرز والتمر والزبيب..) عند الفقير تدفعه إلى إعادة بيعها مرة أخرى، والنقود تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات الأخرى، وبالتالي فإنه عملا بمذهب الإمام أبو حنيفة فإن في إخراج الزكاة نقدا تيسيرا على الفقراء.

بينما يرى الدكتور عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، الخبير الفقهي في مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، أن إخراج الزكاة بالقيمة من غالب قوت أهل البلد، وفقا لما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وأنها تصرف في مصارف الزكاة المنصوص عليها في آيات الصدقات وهي المصارف الثمانية لقول الله تعالى: (إنَّما الصّدَقاتُ للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم).

وأضاف: إنه بالنسبة لزكاة الفطر فإن هذه الزكاة كانت تخرج في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من الأطعمة لقلة العملة التي كانت تبذل ليشبع بها المستحقون للزكاة حاجاتهم، ولهذا فإن هذه الزكاة تخرج من غالب قوت أهل البلد وفقا لما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وإن كان الأحناف ومن وافقهم يرون جواز إخراج هذه الزكاة قيمة لهذه الأعيان، وهو رأي عملي له ما يدعمه من أدلة الشرع. كما انه يحقق إشباع حاجات المستحقين، وهذه الزكاة تصرف في مصارف الزكاة الثمانية المنصوص عليها في آيات الصدقات لقول الله تعالى: (إنَّما الصّدَقاتُ للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)، ولا يجوز شرعاً إعطاء شيء منها للفقير أو المسكين من أهل الذمة، وذلك لان الإسلام لم يأمرنا بذلك. مشيرا إلى أن مقدار هذه الزكاة هو صاع من طعام والصاع يساوي 2 كيلو و156 غراما من غالب قوت أهل البلد، فانه يجوز إخراجها وفقا لهذا المقدار أو إخراج قيمة هذا المقدار عملا برأي المذهب الحنفي. وأوضح أن مصارف زكاة الفطر مثل زكاة المال، حيث يراعى في زكاة الفطر المحتاجون في بلد المزكي، وأما زكاة المال فيراعى فيها المحتاجون في البلد الذي يوجد فيه هذا المال، ومن ثم فان زكاة الفطر لا يجوز صرفها إلا للمحتاجين في بلد المزكي، فإن لم يوجد محتاجون جاز صرفها إلى المحتاجين في أقرب البلاد لبلد المزكي، وكذلك الحال بالنسبة لزكاة المال، فإنه يراعى أن تصرف هذه الزكاة إلى المحتاجين في البلد الذي فيه هذا المال، فإن لم يوجد فيه أحد من المستحقين لها جاز نقل الزكاة إلى المحتاجين في أقرب البلاد إلى البلد الذي يوجد فيه المال.

أما الدكتور أسامة السيد عبد السميع أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر فيرى انه يجوز إخراج زكاة الفطر قيمة أو نقدا أيهما أفضل لتحقيق مصلحة الفقير، حسب رأى الإمام أبو حنيفة الذي اعتمد فيه على دليل شرعي وهو المصلحة (أي المصالح المرسلة)، وهي من أدلة الشرع وهذا هو الأنفع للفقير في هذا العصر، كما الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، وهذه قاعدة عظيمة تؤكد عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية. وقال انه يجوز إعطاؤها للمستحقين لها الذين حدّدتهم الآية الكريمة: (إنَّما الصّدَقاتُ للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم). كما أجاز الدكتور أسامة إعطاء جزء من الزكاة أو كلها للمستشفيات والمؤسسات العلاجية التي تعالج المرضى من فقراء المسلمين نظرا لحاجتهم للدواء والعلاج، بالإضافة إلى أن طالب العلم والموظف الذي لا يكفيه راتبه الشهري للإنفاق عليه وعلى من يعولهم يستحق أن يعطى من زكاة الفطر ما عدا غير المسلم.