المسحراتي في كشمير يطوف على المنازل لجمع المال أو الطعام بمناسبة العيد

من مهامه في نهاية شهر رمضان بالإضافة إلى إيقاظ الصائمين

TT

طوال شهر رمضان، في الساعات الأولى المظلمة قبل الفجر، يرتفع صوت القرع على طبلة مختلط بنداء: «استيقظوا يا إخوة. حان وقت السحور» موجها إلى الأغلبية الهندية المسلمة في إقليم كشمير. لقد تحمل قارعو الطبول هؤلاء، الذين يعرفون محليا باسم سحور خان (مسحراتي)، العقدين الماضيين العنيفين وتقلبات الطقس، وهم يرتدون زيا كشميريا تقليديا وينفخون في قرن خروف، ويصيحون بأعلى أصواتهم في كل حي سكني في كشمير. وذلك في الليل عندما لا يجرؤ شخص على الخروج في المنطقة التي تعاني من الصراع، وحيث يغامر السائرون في الليل بأن يتعرضوا لاستجواب قاس من قوات الأمن الهندية أو حتى الإصابة بطلق ناري. وهؤلاء المسحراتية في الأساس عمال أو أشخاص معدمين من المناطق الريفية في كشمير، الذين ينتقلون إلى العاصمة سرينغار ومدن أخرى رئيسية للقيام بذلك العمل. ويتلو المسحراتي آيات من القرآن الكريم أو مديحا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ومواعظ أخرى تشرح أهمية الصيام لإيقاظ المؤمنين وتذكيرهم بتناول السحور قبل الفجر في رمضان.

وقال محمد رمضان مير (54 عاما) الذي يتحدى يوميا أحداث العنف لإيقاظ ما لا يقل عن 40.000 شخص: «أقوم بذلك العمل لأني أعتبره واجبي الديني». ويقوم مير بذلك العمل منذ 24 عاما. ويبدأ جولته في الساعة الثالثة صباحا، ويسير لمدة ساعتين من حي إلى آخر. وبالرغم من انتشار قوات الأمن الهندية في جميع أركان كشمير، إلا أن المسحراتية يتنقلون من حي إلى آخر خدمة للناس.

عندما بدأ رمضان في ممارسة عمله، لم يكن هناك عنف في كشمير. ويقول: «بعد عام 1990، أصبح الأمر صعبا للغاية. وكان الخروج من منزلي وكأنه دعوة إلى الموت، لكني لم أتوقف مطلقا».

وقال محسن إقبال: «من الصعب تخيل شهر رمضان من دون المسحراتي، الذي على الرغم من أنه لا يحظى بالأهمية ذاتها في العصر الحالي كما كان في الماضي، إلا أنه ما زال يساعد على إضفاء روح تقليدية على الشهر الكريم».

وقالت شاهين أمين ربة منزل: «ما زلنا نقدرهم. إنهم جزء مهم من شهر رمضان. ونحن نستمع إلى أصواتهم ونادرا ما نقابلهم وجها لوجه، لكنهم أشخاص يخلقون جوا دينيا في الساعات الأولى من اليوم». وأضافت، انه في يوم العيد فقط نراهم وجها لوجه ونعطيهم «العيدية»، حيث انهم يقومون بعمل شاق طوال الشهر.

وفي نهاية شهر رمضان، يطوف المسحراتية على المنازل لجمع المال أو الطعام بمناسبة عيد الفطر.

وقال بهات، المسحراتي من سرينغار: «أفعل ذلك لوجه الله، وبالطبع أحصل على بعض المال من أجل الاحتفال بالعيد»، وانطلق ينادي بصوت عال: «وقت السحور».

وقال رحمن بهات: «إن هناك خوفا دائما من السير بمفردي في تلك الحارات، لكن على مدار الأعوام القليلة الماضية، بدت الأمور سالمة»، وفي أثناء الأعوام الأولى من أحداث العنف، لم يكن رد فعل قوات الأمن جيدا تجاه النداء للسحور، وأحيانا كانوا يتهمون المسحراتي بتنبيه الإرهابيين قبل الغارات الأمنية. وأضاف: «لقد استغرق الأمر منهم بعض الوقت لاستيعاب ما أفعله، لكنهم حاليا يعرفون التقاليد التي نحييها».

ويروي بهات مفارقة حدثت معه عندما أوقفه رجال الأمن عند جسر بودشاه. كانوا يريدون أن يعرفوا ما يفعله، فقال لهم إنهم في شهر رمضان وهو يوقظ الناس للسحور. فطلبوا منه أن يبدأ في قرع طبلته، ثم بدأوا جميعا في الرقص من حوله.

وفي الأعوام السابقة. شهدت سرينغار معارك وهجمات تفجيرية يومية تقريبا. هدأ العنف منذ بدء الهند وباكستان في عملية سلام في يناير (كانون الثاني) عام 2004.

وفي نهاية شهر الصوم، حيث تدفع الزكاة، يمر المسحراتي على المنازل لجمع المال والطعام.

ويقول محمد أيوب، أحد سكان منطقة كوبوارا الحدودية، الذي عمل في منطقة بواية دال في سرينغار منذ أعوام عديدة، وهو من بين المئات الذين هاجروا إلى سرينغار ومدن أخرى في شهر رمضان للعمل: «أشعر بالفخر بأنني لم أتأخر مطلقا. والأهم من كسب المال هو الشعور بالرضا في القيام بالعمل. هذه هي طريقتي لخدمة الإسلام».

ومنذ أن أصبح مسحراتيا، يصل أيوب إلى سرينغار قبل شهر رمضان لمقابلة المسؤولين في معسكر للقوات الهندية شبه العسكرية، ويقول: «أعرف أن ذلك مهم لشخص مثلي يأتي من منطقة ابتليت بالمتمردين لأقول لهم من أنا، وأن علي السير في الشوارع ليلا طوال الشهر. وفي كل مرة أذهب إلى هناك يفحصون أوراقي، ثم يقولون إنه في إمكاني القيام بالعمل. لكنهم يصدرون بعض التعليمات مثل أنني يجب أن أحمل معي مصباحا، وأن أصدر صوت سعال بالقرب من مكامنهم بدلا من قرع الطبلة».

ويخاف أيوب في الساعات التي تسبق الفجر من الكلاب الضالة. ويقول: «عندما تجري نحوي، أقرع الطبلة بقوة، وأجبرها على المغادرة». ويقول مسؤول رفيع المستوى في شرطة كشمير، إن المسحراتية يحيون تراثا كشميريا مهما. وقال: «نسمح لهم على الدوام بالقيام بعملهم. وقبل رمضان، نصدر أوامر للقوات شبه العسكرية بعدم إيقافهم. ونشجعهم على ذلك لأنها إشارة على الفضيلة». وقبل يومين من عيد الفطر، يزور المسحراتي كل منزل في الحي الذي كان يمر به للحصول على ما يقدمونه من مال أو أرز أو فواكه وخضروات طازجة أو مجففة. بل وبعض السيدات يمنحنه أشياء ثمينة من مقتنياتهن أملا في أن يحصلن على الثواب من الله على عطائهن.