رمضان في أميركا.. بين التقاليد والذكريات

TT

في مطعم «يامي جويس» في كنساس سيتي (ولاية ميسوري)، كان يحيى كمال، صاحبه، مشغولا بإعداد الطعام مع اقتراب غروب الشمس. ولم يقدر، كعادته، أن يصافح، واحداً واحداً من الأصدقاء وأفراد العائلة، وهم يتوافدون في وقت واحد.

كان، بمساعدة آخرين منهم ياسمين، ابنته، وغازي بوشنيجاكو، المهاجر من البوسنة، أعد مائدة عملاقة عليها زيتون وطرشي ولبنة وجبنة بيضاء ولوز وفول وحمص وتبولة وخبز عربي.

وكانت هناك صحون ورق ومناديل ورقية، وشوك وسكاكين بلاستيكية. وفي جانب المشروبات، كانت هناك أكواب ورقية إلى جوار جوالين عصير الليمون المخلوط بالرمان، وعصير الليمون المخلوط بالزعفران، والثاني اشتهر به المطعم.

ولاحظت أن بروخوف، مراسلة جريدة «كنساس سيتي ستار»، التي دعيت لتناول إفطار رمضان مع المسلمين، أن الزوار دخلوا المطعم لكنهم لم يفطروا، في انتظار غروب الشمس. واستغربت كيف يصوم الشخص من الخامسة صباحا حتى السابعة والنصف مساء. واستغربت كيف يفعل يحيى كمال ذلك، وهو يقضي ربما كل اليوم يطبخ في مطعمه. ورد عليها: «يعلمك الصيام أن تكوني صبورة، وأن تكوني مثالية. هذا شهر التأمل، وكل عمل خلاله، مثل إعداد هذا الطعام، هو عبادة». ولاحظت الصحافية أن ما أسمته «سينغ» (غناء)، وتقصد الأذان لأنه كان في صوت عذب ونقى، هو الذي أنهى الصمت والصوم. ثم تدافع الحاضرون نحو الطعام. ولاحظت أنهم كلهم بدأوا بأكل التمر، وسألت يحيى كمال، وقال لها: «كان النبي محمد ينهي صيامه بتمرة».

وكان التمر هناك، في مقاطعة برنس جورج، بالقرب من رتشموند (ولاية فرجينيا)، عندما جلس قاهر عبد الرحمن، وزوجته محاسن شمس الدين، وأولادهما، في انتظار غروب الشمس، وأمامهم أيضا فواكه وبيبسي وقطع «بتزا» تفضلها تسنيم، ابنتهما وعمرها إحدى عشرة سنة.

ولاحظت ويسلي هيستر، مراسلة جريدة «رتشموند ديسباتش»، التي دعيت للاشتراك في إفطار رمضان مع المسلمين، أن تسنيم، البنت، صغيرة في السن، واستغربت كيف تصوم. وقال والدها: «عندما كان عمرها ست سنوات واقترب رمضان، وكنا نتحدث عن ذلك، قالت إنها تريد أن تصوم معنا. ثم لبست ملابس رياضية، وحذاءين رياضيين. سألناها: ما هذا؟ اعتقدت ان كلمة «صيام» معناه الجري داخل المنزل». خجلت تسنيم عندما حكى والدها القصة. وقالت إنها تصوم الآن، وان هناك ميزة أخرى لرمضان، وهو صبر والديها عليها إذا أخطأت.

وفي سنت بترسبيرغ (ولاية فلوريدا)، قضت عائشة سوكديو، وعمرها 62 سنة، وقبل أربعين سنة هاجرت من غيانا (في أميركا الجنوبية، جوار فنزويلا) كل اليوم تجهز وجبة مشهورة في غيانا: الدجاج بالكري الهندي. قالت ان ذلك لم يكن صدفة، لأن غيانا فيها نسبة كبيرة من أحفاد الذين نقلهم البريطانيون من شبه القارة الهندية الى غيانا، عندما كان البريطانيون يستعمرون المكانين.

وعندما حملت الدجاج بالكري إلى المركز الإسلامي في المدينة، كان هناك عدد كبير من المسلمين والمسلمات. وحمل كثير منهم أطعمة ليتشاركوا في أكلها عندما تغرب الشمس. كان هناك عثمان علي وزوجته ليندا علي، اللذان هاجرا من ترينداد (أيضا في أميركا الجنوبية، بالقرب من غيانا). أحضرا خبز «روتي» الترندادي الذي خبزته الزوجة، و«شاومين» الصيني الذي طبخه الزوج. قال الزوج، إن ترنداد فيها خليط من جاليات آسيوية وأفريقية ولاتينية، وهناك أحب الأكل الصيني، وصار يفطر به عند غروب الشمس. وكانت هناك فاطمة معلوي، وعمرها 34 سنة، ومهاجرة من المغرب. جاءت مع أولادها الأربعة. وهم يحملون شوربة الحريرة والكسكس باللحم والخضار، وحلوى الشبيكية.

وجاءت الى المركز الإسلامي بهية صادقي، أميركية افريقية عمرها 57 سنة، وكانت أسلمت عندما كان عمرها 27 سنة. وتزوجت مسلما أفريقيا أميركيا، وأنجبا 15 طفلا وطفلة.

عندما استغربت ويفني آن مور، صحافية تعمل مع جريدة «سنت بيترسبيرغ تايمز»، وأيضا دعيت لمشاركة المسلمين وجبة رمضان، قالت بهية، وهي مدرسة في مدرسة ثانوية، وتحضر لماجستير في جامعة فلوريدا ستيت: «كبروا كلهم وتركونا. بقي واحد. لهذا، أحس ان إعداد مائدة رمضان الآن صار سهلا جدا بالمقارنة مع ما كان عليه والبيت ملآن بأولاد وبنات».

وأكد ذلك زوجها ويلمور صادقي، إمام المركز، وعمره 61 سنة، وقال انه ربى الخمسة عشر ولدا وبنتا تربية إسلامية.

وفي وليامزبيرغ (ولاية فرجينيا)، قالت دوينا علي، وعمرها أربع عشر سنة: «يقوي رمضان علاقة العائلة وعلاقات المسلمين في المنطقة». وقالت ان عائلتها تفطر بالتمر، ثم بسلطة «فتوش»، قبل الوجبة الرئيسية. وقالت والدتها ليلى حسن إنها تحرص على ان تربي ولدها حسن وبناتها الثلاث تربية إسلامية، خاصة منذ سنتين، عندما توفي زوجها عبد الناصر علي حسن بسكتة قلبية وكان عمره 42 سنة. واستغرب برو سالاسكي، صحافي مع جريدة «نيوبورت بريس» عندما قالت له ديما، وعمرها ثماني سنوات، وهي اصغر البنات الثلاث، إنها تصوم حتى منتصف الظهر، ثم لا تقدر على ان تستمر. لكن شقيقتيها، دوينا ودانيا، أربع عشرة وثلاث عشرة، تعودتا على الصيام.

غير ان وجود الأم وبناتها الثلاث وعمتهم لبنى جرابعة في منزل واحد سهل إعداد وجبة رمضان. بينما يحضر علي، وعمره عشر سنوات، العنب والتين من أشجار في المنزل. وتحب العائلة إعداد وأكل القطائف. وقالوا إنها تذكرهم بالقدس، مدينة العائلة التي هاجروا منها إلى أميركا قبل خمس عشرة سنة. وصارت مدينة وليامزبيرغ (ولاية فرجينيا) مدينتهم الثانية. وقالت ليلى: «في فلسطين كنا نشتري رقائق القطائف جاهزة، ثم نملؤها بالعسل والفستق واللوز وندخلها الفرن. لا توجد مثلها هنا».

وفي كلية الطب في جامعة ميشيغان (ولاية ميشيغان)، صام عدد من الطلبة والطالبات غير المسلمين ليوم واحد تضامنا مع زملائهم المسلمين. وفي جامعة سنت لويس (ولاية ميسوري) أقام اتحاد الطلبة المسلمين ما يسميها مسابقة الصيام السنوية، حيث يحدد يوما يصوم فيه غير المسلمين، ثم يوفر لهم الفطور عند غروب الشمس، ويحدثهم عن الإسلام والمسلمين. وفي ضواحي شيكاغو (ولاية اللينوي)، ظل يصوم، منذ بداية الشهر، بريان ماكلارين، كاتب مسيحي ومتخصص في الشؤون الدينية. وفي دالاس (ولاية تكساس)، صامت الروسية المهاجرة يانينا فاششنكو، وعمرها 70 سنة، وهي مسلمة. وكانت بدأت تصوم قبل ان تعتنق الإسلام. وفي بولتيمور (ولاية ماريلاند)، قال علي رمضان وعمره 65 سنة، انه يصوم علناً منذ هجوم 11 سبتمبر سنة 2001. وكان يصوم سراً، وكان مسلما سرا.