خطاب لـ «الشرق الأوسط»: أقيم على سفح جبل وأشاهد المساجد تضيء باللون الأخضر

عندما يبكي الدبلوماسي لأنه أفطر في رمضان وهو على سفر

السفير المصري أحمد خطاب
TT

يبدأ السفير المصري لدى البوسنة أحمد الخطاب حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن حياته في رمضان باستجماع ما علم من الدين بالضرورة حول رمضان، قبل أن يخوض في تجربته الثرية في البلدان الـ8 التي عمل فيها، فقال: «لا يخفى عليكم أن رمضان الذي اختصه الله بنزول القرآن الكريم له مكانة خاصة في قلب كل مؤمن، ونحن نكن لهذا الشهر العظيم كل الاحترام والحب والتقديس في قلوبنا». وعن حياته في رمضان ذكر السفير خطاب أنه يقرأ ما تيسر من القرآن «أقرأ في الصباح جزءا، وأصلي صلاة التراويح بجزء، حيث أنتقي الجامع الذي يقرأ جزءا كاملا، وذلك في أي بلد أعمل فيه». ويمضي قائلا: «هذه جرعة روحية مباركة لا يمكن الاستغناء عنها في رمضان، ثم صلاة التهجد، وإذا ما اصطفانا ربنا ومكننا من زيارة بيت الله الحرام».

ولا يكتفي السفير خطاب بقراءة القرآن فحسب، بل يعمل على تدبر آياته وربط بعضها ببعض «بلغت الآن 60 سنة، وعلاقتي مع القرآن لا تقف عند القراءة، بل التدبر، وربط الآيات بعضها ببعض، وأبكي عندما أقرأ قوله تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان معذبهم وهم يستغفرون) الأنفال الآية 33».

عن أعماله في رمضان، يشير خطاب إلى أن «هذا الشهر هو شهر الخيرات كما في حديث عائشة، أجود ما يكون في رمضان.. وكان كالريح المرسلة. لذلك، أول ما يجب أن يقوم به المرء في رمضان هو أن نسامح إخواننا، ونبر أقرباءنا، ونسأل عن جيراننا، ونخصص جزءا من أموالنا لإفطار صائم، ونقدم زكاة الفطر».

وعن أيام الصبي، يشير خطاب إلى أنه تربى في عائلة متدينة «والدي - رحمه الله - كان متدينا، وكان يحب هذا الشهر، ويحثنا على حبه وعلى أدائه، وإذا لم تخن الذاكرة فقد بدأت الصوم منذ كان عمري 5 سنوات، وأنا اليوم في الستين، لم أفطر في رمضان سوى يوم أو يومين وكنت فيهما على سفر، كنا في عمرة رمضانية من الأردن إلى البقاع المقدسة وكانت المسافة الفاصلة 1600 كيلومتر، ولم أتحمل وعثاء السفر فأفطرت قبل الوصول إلى المدينة، وكنت أفطر وأنا أتألم وعمري آنذاك 27 سنة، كنت سكرتيرا ثالثا، فأقبل علي زملائي يخففون عني، ويذكرونني بأن الإفطار في السفر جائز، بل مستحب، وأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه. ومرة أخرى، أفطرت عندما كنت مريضا، وكنت صائما حتى قبل الإفطار بدقائق معدودة.. الصوم منذ الصغر في دمي وفي طبعي وكياني، وأستمتع به بشكل لا يوصف».

وعن فوائد الصوم في حياة خطاب، قال: «أهم ما في الصوم ترويض النفس، كيف تستجيب لأمر الله، ثم كيف تطوع نفسك على أن ما تحبه تتركه من أجل الله، كما ورد في الحديث. فأنا إنسان مدخن وللمدخنين حالة خاصة مع رمضان، ولكن عندما يحين موعد الإفطار وتشعر بأنك انتصرت لله في نفسك تغمرك مشاعر جياشة وعظيمة لا توصف».

وعما تختلف فيه مصر عن بقية الدول، أشار إلى أن «مصر تختلف في كثير من العادات والطباع عن البلاد العربية، فنحن نفتخر بأننا أول من أرسى عادة موائد الرحمن، فقد أصبحت في كل شارع بمصر لصالح الفقراء وعابري السبيل، ونشارك في جامع قرب بيتي في الإفطارات أو نساهم بالنقود، فنحن 80 مليونا فيهم الغني والفقير، فهناك فقراء تبعد بيوتهم عن أماكن عملهم كيلومترات، نوفر لهم مائدة غنية، يجلس إليها الغني والفقير. هذا المعنى الحقيقي في المواساة بين الناس. ولشدة تعلقي برمضان في مصر، أحضرت معي فوانيس نعلقها في البيت لتضفي عليه مسحة خاصة. وأذكر كيف كان الأطفال يحملون الفوانيس، ويطوفون بها الأحياء وكنا نعطيهم مما أفاء الله به علينا».

من الدول التي عمل فيها السفير خطاب في رمضان، قبل أن يعين سفيرا لبلاده لدى البوسنة، الأردن، وبلجيكا، وأفريقيا الوسطى، والغابون، ورواندا، وغيرها «رمضان في الأردن قريب من مصر مع احتفالات أقل. يفطرون على عرق السوس، بينما نفطر في مصر على قمر الدين، وتمر، وبعض الخشاب، وهو خليط من البلح واللبن، الإخوان المغاربة، مع اللبنانيين في الغابون، جالية كبيرة، وقد لاحظنا بعض الاختلاف بيننا وبين المغاربة، فنحن نصلي المغرب ثم نجلس للإفطار الكامل. أما الإخوان المغاربة فلا يفطرون كما نفطر، فهم يفضلون الشربة المملوءة بالخضار واللحم، ويتناولون بعض الحلويات، وبعد العشاء يتناولون الوجبة الرئيسية. نحن لا نعود للمائدة بعد العشاء والتراويح، أما هم فيعتقدون أن الحريرة تكفي مع بعض الحلويات كالمشبك. لذلك، عندما نذهب للإفطار عند المغاربة نكون قلقين لأننا لن نفطر كما تعودنا أن نفطر».

ومع ذلك، يقر خطاب بأن طريقة المغاربة أفضل «النظام الغذائي المغربي أفضل من نظيره المصري، لأنه عندما تثقل المعدة بالطعام، لن تستطيع أن تصلي بأريحية وصفاء ذهن. ويؤدي ذلك للنعاس والتثاؤب، ولكن عندما تأكل قليلا وتتناول بعض الحلويات تكتسب طاقة تساعدك على العبادة. وعندما تعود للبيت بعد التراويح يكون عندك استعداد للأكل الصحي».

في رواندا، كانت هناك تجربة خاصة يرويها السفير خطاب «يبلغ تعداد المسلمين في رواندا 1%، وهم في معظمهم فقراء جدا، لذلك نخصص لهم في رمضان بعض المساعدات ونقيم لهم إفطار صائم، فهم طائفة مستضعفة، كانوا يفطرون على بطاطس أو جلد أو عظم. كنا نجتمع كأعضاء في السفارات العربية ونشتري لهم مواد غذائية بالجملة، نشتري الطحين والزيت والمكرونة وغيرها، كنا نشتري كراتين بالآلاف ونكون منها طرودا أو سلالا غذائية لإفطار الصائم، وقبل المغرب تنطلق السيارات باتجاه تجمعات المسلمين، ونوزع عليهم المساعدات الرمضانية حتى يتمكنوا من طبخ وجبة محترمة، وهذا جزء من التضامن الإسلامي في رمضان والتكافل بين المسلمين. رمضان شهر مميز للتفرغ للعبادة، وبحث حاجة المسلمين عبادة أيضا، كنا نقسم الأحياء والشوارع بيننا، وكنا نتعاون بإخلاص، وكثير من الليبيين والمصريين كانوا يمدوننا بالمال ويشترون الكثير من المعلبات ويقدمونها لنا».

وتطرق السفير خطاب إلى بعض المعاناة «حدثت لنا بعض المشكلات في بلجيكا، فلم تكن هناك مواقف للسيارات، وهم لا يفهمون معنى صلاة التراويح والتجمع لأداء صلاة الجماعة، فكان البوليس، يغرم المصلين.. أيضا هناك مشكلة صوم أبنائنا فالمدارس تفرض عليهم الإفطار، ومدير مدرسة ابنتي، وعمرها 9 سنوات آنذاك، قال لي لماذا تفرض عليها الصوم، وكنت أقول له لم أجبرها هي تريد الصوم».

تحسن الوضع بعد انتقال السفير خطاب إلى الغابون، إبان حكم الرئيس عمر بنغو «لم تكن الغالبية من السكان في الغابون مسلمة، فعدد المسلمين لم يكن يزيد على 5%، ولكن الدولة كانت تجامل الرئيس، وكنا نلمس هذا الاحترام للرئيس، فلم يكن غير المسلمين يشربون أمامنا في وقت الاحتفالات الرسمية، كانوا يتجاوبون معنا. الجالية المسلمة فقيرة جدا، وكنا نوزع المساعدات، ونشرف على التوعية الدينية في رمضان وعيد الفطر، حيث يتجمع المسلمون في مسجد بناه الملك الحسن الثاني، أهداه الملك لعمر بنغو بمناسبة اعتناقه الإسلام، كما حضرنا عدة إفطارات رمضانية أقامها الرئيس بنغو».

قبل 4 سنوات، عين خطاب سفيرا لبلاده لدى البوسنة التي لا يزال فيها حتى الآن، وفيها سينهي (أواخر هذا العام) مشواره الدبلوماسي ويحصل على التقاعد، وهو مرتاح لوجوده في سراييفو التي أحبها، كما أحبها كل من عاش فيها ولو ليوم واحد «فضل من الله أن أعيش في سراييفو 4 أعوام، تمتعنا فيها برمضان، الرئيس يدعونا للإفطار، قضينا معه عدة إفطارات، كما يدعونا رئيس الفيدرالية، ويدعونا رئيس العلماء الدكتور مصطفى تسيريتش». ويضيف «هذا رابع رمضان لي في البوسنة، والإخوان في البوسنة يحبون هذا الشهر ويبجلونه ويوقرونه ويقدمون فيه الكثير من الخيرات ويحتفلون به على الوجه الأمثل، وهناك تنوع بتنوع ظروف الناس وطاقاتهم واستعداداتهم، فهناك مساجد تقيم التراويح بسرعة، وهناك مساجد تطيل الصلاة بعض الشيء، وهناك مساجد تصلي التراويح بجزء كامل، وأنا أصلي في مسجد باش تشارشيا 23 ركعة. نصلي معهم كما يصلون، ونحب صلاتهم وتلاوتهم. وأعشق الأذان البوسني، وجميع المساجد تضيء بالنور الأخضر طيلة الشهر الكريم، وأنا أقيم على سفح جبل، وأشاهد المساجد تضيء باللون الأخضر، راية محمد صلى الله عليه وسلم، قبة المسجد الحرام في المدينة خضراء، وكل هذه الأجواء تذكرنا بيثرب». وأردف «الطعام البوسني لذيذ، لكنه دسم قليلا، ويبدأون الإفطار، بالتوبة، وهي من الزبدة أو السمن الساخن والدقيق».