فانوس رمضان يستعيد هويته المصرية كموروث شعبي أصيل

بعد سنوات من الغزو الصيني

الفانوس دخلت عليه تقنيات حديثة في الشكل والإضاءة
TT

بعد سنوات من الغزو الصيني له استعاد فانوس رمضان هويته المصرية وصدارته كموروث شعبي أصيل في ماراثون احتفال المصريين بالشهر الكريم، فقد حافظ عليه المصريون منذ 1073 عاما ليصبح أحد أهم معالم شهر رمضان لديهم، وإلى اليوم لا يزال الفانوس مع تنوع مشاهده وأشكاله مصدرا للبهجة والفرحة، خصوصا لدى الأطفال الصغار، ويندر أن تجد حيا أو ميدانا أو شارعا في القاهرة أو المدن والقرى يخلو من فانوس رمضان الذي دائما ما يصاحبه كرنفالات من الزينة والأنوار.

تاريخيا ارتبط الفانوس لدى المصريين بشهر رمضان منذ عام 358هـ، وهو يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي القاهرة ليلا ليستقبله الأهالي بالفوانيس ومن وقتها تحول الفانوس من مجرد وسيلة إضاءة أمام المنازل في الشوارع إلى ضيف أساسي طوال شهر رمضان على جميع البيوت والشوارع، وقد صاحب الفانوس ظهور شخصية المسحراتي الذي يطوف الشوارع والحواري ليلا قبل وقت السحور بطبلته الشهيرة مصطحبا ابنه أو ابنته وهي حاملة أحد الفوانيس.

عن أصل الفانوس عند المصريين يقول الدكتور علاء محمد الصغير، أستاذ التاريخ في جامعة جنوب الوادي بأسوان (جنوب مصر): «انتشر فانوس رمضان بين المصريين مع دخول المعز لدين الله الفاطمي القاهرة ومن وقتها ارتبط الفانوس بشهر رمضان واستمر حتى بعد زوال الدولة الفاطمية وما تلاها من عصور، لكن هناك الكثير من القصص تروى عن أصل الفانوس، القصة الأولى في عهد الحاكم بأمر الله المنصور الخليفة الفاطمي السادس الذي حكم مصر من عام 996 إلى 1021هـ عندما حرم على النساء الخروج ليلا، والسماح لهن فقط بالخروج في رمضان لأداء صلاة التراويح في المساجد بشرط أن يتقدم السيدة أو الفتاة صبي صغير يحمل في يده فانوسا مضاء ليعلم المارة في الطرقات أن إحدى النساء سوف تمر فيفسحوا لها الطريق، والقصة الثانية هي أن الخليفة الفاطمي عبد الله بن يوسف بن حافظ، الذي لقب بـ(العاضد لدين الله) كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق حاملين الفوانيس، والقصة الثالثة تقول إن أحد الخلفاء الفاطميين أمر كل شيوخ المساجد بتعليق فوانيس تضاء بالشموع لإنارة شوارع القاهرة، ولكن أيا كان أصل الفانوس فإنه سيظل رمزا مميزا لشهر رمضان في مصر التي ما زال للفانوس فيها بهجته ورونقه».

لم يسلم الفانوس بشكله التقليدي المتعارف عليه لدى المصريين من التطور التكنولوجي الذي شمل جميع نواحي الحياة، فمن الفوانيس التي تضاء بالشموع إلى الفوانيس التي تستخدم فيها المؤثرات الصوتية والضوئية والحركية كافة، وأصبح صناعها يتنافسون من أجل إضافة الجديد إليها كل عام.

وبداية ظهور الفوانيس كانت مع الفانوس النحاسي أو الصفيح الذي يضم في بعض أجزائه الزجاج الملون المزين بالزخارف والنقوش الإسلامية وظل متربعا على عرش الفوانيس حتى القرن التاسع عشر، بعدها حل محله الفانوس البلاستيكي الذي يعمل بواسطة البطاريات، والذي دخلت عليه تقنيات حديثة في الشكل والإضاءة، ومع اتجاه الصين إلى تصنيع الفانوس وتصديره إلى الأسواق المصرية والعربية في السنوات الأخيرة أضيفت إليه الأصوات الغنائية لجذب الأطفال وإدخال البهجة عليهم، فمع تشغيل الفانوس تخرج أصوات موسيقية تغني أشهر أغنيات رمضان مثل «وحوي يا وحوي»، «أهلا رمضان»، «رمضان جانا»، «مرحب شهر الصوم مرحب».

وكعادة كل عام يسارع تجار وباعة الفوانيس في مصر إلى اختيار أسماء شهيرة وتسمية كل فانوس بها من أجل إنعاش بيعها، ففي شهر رمضان الماضي كانت شخصية «المفتش كرومبو» من أشهر الشخصيات الكرتونية التي ظهرت في إحدى المسابقات التلفزيونية المرحة، بالإضافة إلى شخصية «بسنت» إحدى الشخصيات النسائية التي ظهرت في المسلسل الكرتوني «بسنت ودياسطي» الذي عرض على شاشة الفضائيات المصرية.

أما رمضان هذا العام فتكتسح شخصية حسن شحاتة الشهير بـ«المعلم»، المدير الفني لمنتخب مصر لكرة القدم، الأسواق لتتربع على عرش صناعة الفوانيس بنموذجين، الأول وهو يمسك بكأس أفريقيا، والثاني وهو يقود دراجة بخارية، أما الشخصية الثانية فهي لمعشوق مشجعي كرة القدم المصرية اللاعب محمد أبو تريكة لاعب منتخب مصر والنادي الأهلي المصري، وهو الحال أيضا مع اللاعب محمد ناجي (جدو) هداف المنتخب المصري في بطولة أفريقيا، كما أن الموديلات التي ظهرت في الأعوام الماضية ما زالت موجودة هذا العام أيضا مثل فانوس «سحس بومب» من شخصيات كارتون كرومبو، وبوجي وطمطم.

وتشهد فوانيس رمضان هذا العام ارتفاعا كبيرا في الأسعار بنسبة 10% مقارنة بالعام الماضي، حيث تراوحت أسعار الفوانيس الحديثة من 60 إلى 85 جنيها، وفوانيس الأعوام الماضية من 35 إلى 55 جنيها، وفانوس أبو شمعة من 10 إلى 75 جنيها حسب حجمه، وحسب تقارير وزارة الاقتصاد المصرية فإن مصر تستورد كل عام من الصين فوانيس قيمتها 17 مليون جنيه (3 ملايين دولار) خلاف الفوانيس التي يتم تصنيعها في منطقة باب الخلق وسط القاهرة.

أحمد عبد الحميد، أحد بائعي الفوانيس في منطقة الفجالة بالقاهرة يرجع ارتفاع أسعار فوانيس هذا العام إلى إحجام التجار عن جلب أنواع مستوردة منها وخصوصا من الصين نتيجة تخوفهم من عدم الإقبال على الشراء بسبب كساد السوق والأزمة العالمية، وهو ما جعل الإقبال يزداد على الفانوس المصري التقليدي هذا العام ليسترد مكانته بعد سنوات من الغزو الصيني له. أما بالنسبة للأسعار فيقول عبد الحميد: «فوانيس (محمد أبو تريكة) و(حسن شحاتة) تباع بسعر 75 جنيها، أما فانوس (كرومبو) فيباع بسعر 50 جنيها، و(سحس بومب) بـ58 جنيها، ويباع فانوس (التوك توك) بسعر 35 جنيها، وفانوس (بوجي وطمطم) بسعر 55 جنيها، أما الفانوس البلدي الصاج الصغير فثمنه 30 جنيها وهناك أنواع كبيرة تصل أسعارها إلى 1500 جنيها».

أما دعاء عبد الفتاح (ربة منزل) فتشير إلى أن الأطفال يفضلون شراء فوانيس رمضان المستوردة التي تحمل أسماء وألقاب المشاهير من لاعبي الكرة والفنانين، وتلك التي تقوم بالغناء، وعلى الجانب الآخر لا يحبذون الفانوس البلدي الذي أصبح الأهالي يقبلون على شرائه لتزيين مداخل العمارات وإنارة شرفات المنازل والحواري والشوارع احتفالا بشهر رمضان الكريم.