شهر القرآن (5) (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)

TT

هذه الكلمة الجميلة الشجاعة قالها - صلى الله عليه وسلم - وهو في الغار مع صاحبه أبي بكر الصديق وقد أحاط بهم الكفار، قالها قوية في حزم، صادقة في عزم، صارمة في جزم: «لا تحزن إن الله معنا»، فما دام الله معنا فلم الحزن، ولم الخوف ولم القلق؟ اسكن، اثبت، اهدأ، اطمئن؛ لأن الله معنا.

لا نغلب، لا نهزم، لا نضل، لا نضيع، لا نيأس، لا نقنط؛ لأن الله معنا، النصر حليفنا، الفرج رفيقنا، الفتح صاحبنا، الفوز غايتنا، الفلاح نهايتنا؛ لأن الله معنا.

لو وقفت الدنيا كل الدنيا في وجوهنا، لو حاربنا البشر كل البشر، ونازلنا كل من على وجه الأرض فلا تحزن، لأن الله معنا.

من أقوى منا قلبا، من أهدى منا نهجا، من أجل منا مبدأ، من أحسن منا مسيرة، من أرفع منا قدرا؟ لأن الله معنا.

ما أضعف عدونا، ما أذل خصمنا، ما أحقر من حاربنا، ما أجبن من قاتلنا! لأن الله معنا.

لن نقصد بشرا، لن نلتجئ إلى عبد، لن ندعو إنسانا، لن نخاف مخلوقا لأن الله معنا.

نحن أقوى عدة، وأمضى سلاحا، وأثبت جنابا، وأقوم نهجا؛ لأن الله معنا.

نحن الأكثرون الأكرمون الأعلون الأعزون المنصورون؛ لأن الله معنا.

يا أبا بكر، اهجر همك، وأرح غمك، واطرد حزنك، وأزل يأسك؛ لأن الله معنا.

يا أبا بكر، ارفع رأسك، وهدئ من روعك، وأرح قلبك؛ لأن الله معنا.

يا أبا بكر، أبشر بالفوز، وانتظر النصر، وترقب الفتح؛ لأن الله معنا.

غدا سوف تعلو رسالتنا، وتظهر دعوتنا، وتسمع كلمتنا؛ لأن الله معنا.

غدا سوف نسمع أهل الأرض روعة الأذان، وكلام الرحمن، ونغمة القرآن؛ لأن الله معنا.

غدا سوف نخرج الإنسانية، ونحرر البشرية من عبودية الوثنية؛ لأن الله معنا.

هذه كلمات قالها رسولنا - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر الصديق، وهما في الغار، وقد أحاط بهما الكفار من كل ناحية، وطوقهم الموت من كل مكان، وأغلقت الأبواب إلا بابا واحدا، وقطعت الحبال إلا حبلا واحدا، وعز الصديق والقريب، وغاب الصاحب والحبيب، وعجزت الأسرة والقبيلة، وبقي الواحد الأحد الفرد الصمد، حينها قالها عليه الصلاة والسلام: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).