محمد رأفت عثمان لـ «الشرق الأوسط»: نية صيام أول يوم في رمضان تكفي للشهر كله.. وتجديدها يوميا من باب الاستحباب

عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر يحذر من خطر وعظم مسؤولية إصدار الفتاوى لغير المتخصصين في الفقه

تلاوة القرآن الكريم من مستحبات رمضان
TT

حذر الدكتور محمد رأفت عثمان، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وعضو لجنة فقهاء الشريعة بأميركا، من خطر وعظم مسؤولية إصدار الفتاوى لغير المتخصصين في الفقه الإسلامي، متهما الفضائيات بإشاعة الفتاوى «التافهة»، وأكد عثمان في حديث أجرته معه «الشرق الأوسط» أن توحيد مصدر الفتوى في مصر ليس بالأمر اليسير، ولن يصلح معه إصدار تشريع أو قانون، وأشار إلى أن نية صيام أول يوم في شهر رمضان تكفي لصيام الشهر كله، ولكن تجديدها يوميا من باب الاستحباب. كما تطرق الحوار إلى أسباب ضعف مؤسسة الأزهر..

* ما الحكمة في اختصاص الله شهر رمضان بالصوم من دون بقية الشهور؟

- الله عز وجل اختص شهر رمضان بنزول القرآن الكريم، أي بداية نزوله، لأن القرآن لم ينزل جملة واحدة، بالإضافة إلى أن هذا الشهر له مكانة رفيعة عند الله عز وجل، وكل هذا متفق مع كون فريضة الصيام السنوية مختصة بهذا الشهر، يقول الله عز وجل «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن»، ومما يلفت النظر، بقية الآية الكريمة «فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر». ويبدو - والله أعلم بحكم تشريعه - من النسق القرآني في الآية الكريمة، أن هذا الشهر اختص بالصيام فيه لتشريفه بنزول القرآن فيه.

* وكيف تكون علاقتك بالقرآن في رمضان؟

- ما أقوم بعمله في رمضان هو معايشة الأحكام الشرعية في الأبحاث والمواضيع الفقهية، المتعلقة بالقرآن الكريم والسنة النبوية، فطبيعة تخصصي أن ألجأ للقرآن والسنة في أي وقت، لأن القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع والسنة النبوية هي المصدر الثاني، وسواء كنت في رمضان أو غيره من الشهور فالاتصال بالقرآن كثيرا ما يحدث، وأحاول في رمضان أن تكون صلتي بالقرآن أكثر من بقية الشهور.

* ما رأيك في انتشار الفتاوى العشوائية المثيرة للجدل في الساحة الإسلامية؟

- الفتوى انتشرت بصورة ملفته للنظر، وبعضها، إن لم يكن كثير منها، يصدر من غير متخصصين في الفقه الإسلامي، والمفروض ألا يتكلم في أمور الدين إلا من هو مؤهل علميا لها، فالفتوى ليست بهذه السهولة كما يظنها البعيدون عن الدراسات الإقليمية، وهي مسؤولية خطيرة جدا يترتب عليها حساب الإنسان الذي أفتي غيره من دون علم، ولهذا وجدنا الجيل الأول من المسلمين، وهم جيل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا لا يتسرعون في الفتوى. ويبين هذا المعني ويوضحه أحد كبار الفقهاء في عصر التابعين وهو محمد ابن أبي ليلى، الذي قال: «أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفتٍ إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا». وأيضا ورد أن عبد الله بن مسعود، وهو من فقهاء الصحابة، سئل في مسألة فجعل يرد السائل شهرا، فقد سئل بن مسعود عن امرأة توفي زوجها، ولم يفرض لها مهرا، فلم يجب السائل لمدة شهر، وكلما عاد السائل إليه يرده، ثم قال له بعد الشهر: «أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن ابن أم عبد، لها مهر فيه مثلها، لا وقت ولا شطط» أي أن يقدر لها مهر مثلها، وعليها العدة، ولها الميراث. فهذا وأمثاله يبين مدى عظم وخطر أمر الفتوى، فمن الغريب أن نرى شيوع الفتوى الآن بين من ليسوا أهلا لها، فليسوا علماء في الفقه الإسلامي، بل وليسوا علماء في أي علم من علوم الشريعة، ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى أن تصبح ظاهرة هي وسائل الإعلام التي تطير فيحا عند كل جديد، وخصوصا القنوات الفضائية التي يهمها جدا أن تجمع حولها الكثير من المشاهدين، فتلتقط أي فتوى قد لا يكون لها ولا لصاحبها قيمة علمية أي «تافهة» وتجعلها مادة خصبة للنشاط الإعلامي.

* وهل يمكن قصر الفتوى على جهة واحدة في مصر مثل ما حدث في المملكة العربية السعودية؟

- الفتوى حق كل مسلم، بشرط أن يتأهل صاحبها علميا لهذه المهمة الجليلة، وقصر الفتوى على فئة واحدة في السعودية أمر ممكن، وقد يؤتي ثماره، لكن في مصر الأمر مختلف، لأن هناك أسواقا كثيرة للفتوى، في الإذاعة والفضائيات والإنترنت والصحف والندوات، كما أن توحيد جهة الفتوى يحتاج أن يتدارسها متخصصون في الشريعة الإسلامية والإعلام والقانون وعلم النفس والاجتماع، فليست المسألة في مصر بهذه السهولة التي يمكن من خلالها وقف مسألة الفتوى بقرار أو بقانون.

* هل ترى أن مؤسسة الأزهر تشهد تجديدا في الفترة الأخيرة وخاصة بعد أن تراجع دوره؟

- الأزهر الآن يقوم بدور تجديدي، ولا أكون مبالغا عندما أقول إن معظم الأزهريين يعقدون الأمل على الكفاءة العلمية الإدارية المتمثلة في الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، ليعالج القصور الذي حدث وأدى إلى ضعف مستوى خريجيه، فعندما يضعف دور الخريج يضعف تأثيره في المجتمع سواء الداخلي أو عندما يكون داعيا للإسلام في الخارج، وإصلاح الأزهر قد يؤدي إلى نتائج كبيرة تؤثر تأثيرا شديدا في مهمة العلماء في إصلاح المجتمعات، فالأزهر عندما يكون به قصور لن يخرج أحد يستطيع إبداء الأحكام الشرعية الصحيحة بقضايا الأمة المتجددة، وكل أنواع السلوك الإنساني في قضايا الأسرة مثلا، والاقتصاد، ومعاملات البنوك، واستثمار الأموال في البورصة وغيرها، والقضايا الطبية التي أصبح يموج بها العالم الآن كالاستنساخ، والتحكم في نوع الجنين، والإخصاب الطبي المساعد، وجراحات التجميل، والبصمة الوراثية ودورها في إثبات النسب والجرائم والعلاج الجيني، ونقل الأعضاء. فكل هذه القضايا أو غيرها لا يمكن أن تعالج بواسطة خريج لا يفهم كثيرا ولا يعرف القواعد الأصولية ولا القواعد الفقهية الكبرى ولا يدرك الأحكام الشرعية.

* ما تعليقك حول مطالبات الحزب الحاكم في مصر بتطوير الأزهر من خلال تجديد الفكر الديني؟

- لا أسلم بهذا الكلام، فالأزهر بعلومه يعد مجددا دائما بالفكر الديني، وسيظل منارة العلم لكل المسلمين، فهو لا يخص قطرا بعينه، بل هو خاص بكل مسلم على وجه الأرض، وأمره وهمه يحمله كل من يحمل لواء الإسلام، وأرى أنه يجب تأدية المهمة التعليمية بكل أبعادها ومحاورها، من ناحية الأستاذ والكتاب والمنهج، وهذه الثلاثة في رأيي موجودة الآن، أما الضعف فهو في القدرة التحصيلية عند كثير من الطلاب.

* ما رأيك فيما قاله مفتي مصر، الدكتور علي جمعة بأن الصيام من دون نية كل يوم غير جائز؟

- مفتي الجمهورية أراد بعبارته هذه استحباب تجديد النية كل يوم، ولكن هناك من ينوي النية أول الشهر للشهر كله، فهذا صحيح وذاك صحيح، فالنية لا بد أن تكون موجودة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات»، وسواء نوى الصائم الصيام الشهر كله أو كل يوم فهذا صحيح لأن نية صيام الشهر كله هي نية صيام كل يوم فيه.