تونس: رحلات رمضانية يومية ممتعة بحثا عن الماء واللبن

التونسيون يحرصون على المواد الطبيعية في الشهر الكريم

جانب من الفواكه التي لا تخلو منها الموائد الرمضانية
TT

تتغير العادات الغذائية خلال شهر رمضان بصفة تكاد تكون جذرية، وهذا ربما ينطبق على كل البلدان الإسلامية، حيث يسعى الصائمون إلى تلبية بعض الشهوات الغذائية ويصبحون أكثر حزما وصرامة على توفير أفضل الغلال وأحلى المأكولات بعد يوم طويل من الصوم، ففي تونس انطلق شهر رمضان بتوافر الكثير من الغلال الصيفية ومختلف المواد الاستهلاكية إلا أن بعض التونسيين يخالفون البقية ويجهدون أنفسهم في البحث عن بعض المواد الغذائية التي يرونها ضرورية ومرافقة للمائدة طوال شهر رمضان... رحلات يومية يقضيها التونسيون بحثا عن الماء واللبن.

وإذا كان الماء معروفا مصادره ومعظم الباحثين عن شربة ماء طبيعية باردة يقصدون العيون المائية الجارية المنتشرة في أكثر من جبل من جبال تونس، فان البحث عن لبن مصفى ومن النوع الجيد يتطلب الكثير من الحنكة والدراية والذهاب إلى أعماق الريف التونسي في رحلات يومية طلبا للبن يكاد يكون مصادقا على نظافته وطبيعته من قبل الجميع.

وللماء قصة طويلة مع التونسيين فقد جلبوه عبر قناة لا يقل طولها عن 50 كلم من معبد المياه بجبال زغوان التي تبعد عن العاصمة التونسية قرابة 60 كلم ومرروه عبر قنوات مائية هندسها مهندسون بعناية كبيرة وأوصلوا المياه إلى قرطاج دون الحاجة إلى مضخات ومحركات لإيصال الماء إلى هناك... هذه القصة التاريخية مع الماء تتواصل اليوم حيث ما زلنا نرى على الطرقات المؤدية إلى مياه زغوان وغيرها من العيون الطبيعية الجارية القريبة من العاصمة، جحافل من التونسيين يبحثون عن قطرات ماء من ينابيع لا تنضب ويسعون من أجلها إلى مناطق بعيدة تغنيهم عن مياه الحنفية العمومية.

ففي ولاية (محافظة) جندوبة (160 كلم شمال غرب العاصمة) على سبيل المثال تنتشر مجموعة من العيون التي تجلب سكان المدن المجاورة من بينها عين «بومرشان» وعين «الخراريب» وعين «بلاريجيا»، التي على الرغم من صعوبة الوصول إليها فإن الراغبين في ماء زلال لا تزيد نسبة ملوحته عن غرام واحد في اللتر من الماء يسعون بلا كلل ولا ملل من أجل الوصول إلى تلك العيون.

أما بالنسبة إلى اللبن، فعلى الرغم من انتشار الكثير من باعة الحليب ومشتقاته، حيث يجمع التونسيون على شق الفطر بالقليل من التمر وكأس من اللبن، فإن بعض التونسيين أصبحوا يشقون الطريق في اتجاه الأرياف، حيث يرى هؤلاء أن في تلك الأصقاع يوجد اللبن المصفى الذي لا يخلط بالماء ويقع تحضيره على الطريقة التقليدية المعتمدة على ما يعرف لدى التونسيين ب«الشكوة» وهي شديدة الشبه من «القربة» وتصنع من جلود الماعز وتتخذ شكل الماعز نفسه، حيث لا يتم شقها وتترك على حالتها وتربط من ساقيها، في حين تترك فتحة الرقبة لإدخال الحليب وخضه ثم إخراجه على شكل لبن وزبدة.

ويتنقل سكان المدن التونسية لعدة كيلومترات يوميا للبحث عن شربة لبن طبيعي، ولعل ما يشجع على ذلك أن بعض المنتجين الكبار يوزعون اللبن يوميا بصفة مجانية، حيث أكد محمد العياري، وهو منتج ألبان من ولاية (محافظة) جندوبة، أنه يوزع يوميا أكثر من عشرين لترا من اللبن مجانا للأصدقاء والأحباب وعابري السبيل... أما من لا يجد مثل هذه المناسبات للحصول على بعض اللبن المجاني فإنه يبقى مضطرا للوقوف لوقت طويل أمام باعة الحليب ومشتقاته يوميا للحصول على بعض اللبن الذي تراه العائلة التونسية من بين العادات الغذائية التي لا يمكن التنازل عنها... وقد يلجأ البعض إلى اللبن المصنع إذا لم يجد اللبن الطبيعي القادم إلى المدينة من الضيعات الفلاحية..

عن ذلك يقول وسام بن حليلة (بائع لبن بحي الغزالة المجاور للعاصمة) إن الطلب على الحليب ومشتقاته يكون قياسيا خلال شهر رمضان، وخاصة على اللبن، حيث يسعى المحل إلى توجيه طلبات أكثر إلى المنتجين، ويقع التحول يوميا لجلب اللبن من الضيعات الفلاحية، إلا أن تضاعف الطلب لمرات في وقت قياسي يجعل من الصعب تلبية كل الرغبات دفعة واحدة، حيث غالبا ما نجد أنفسنا في التسلل بسبب الارتفاع المهول في مستوى الطلبات، حيث إن كل التونسيين تقريبا يشربون اللبن في رمضان حتى من بينهم من لم يهتم البتة بهذه المادة خلال الأيام العادية.

وقال توفيق الحويجي (مهندس إلكترونيات) إن ثنائي اللبن والماء من أهم المواد التي يرتفع الطلب عليها خلال شهر الصيام، حيث ترتفع الحرارة بدورها لتسجل أرقاما تتجاوز الأربعين درجة... في هذه الظروف الطبيعية الصعبة، يكون الماء واللبن أفضل تغذية لتجاوز النقص الحاد في الماء طوال يوم الصيام وهو ما يفسر تنقله بشكل يومي بحثا عن الماء واللبن.