«المولوية» المصرية تنثر الصفاء في ليالي رمضان

رقصاتها دعوة للتأمل والتفكر في روعة الخالق

فرقة المولوية المصرية هي الطبعة القاهرية من تراث المولوية العثماني العريق («الشرق الأوسط»)
TT

بين أحضان قصر الأمير محمد علي التاريخي على نيل حي المنيل العريق، قدمت فرقة المولوية المصرية عروضها ورقصاتها، لتشبع الأجواء بروحانية صافية ضاعفت من صفاء ليالي رمضان، ونثرت على سويعاتها طلتها الخاصة.

فرقة المولوية المصرية هي الطبعة القاهرية من تراث المولوية العثماني العريق، لكنها مع ذلك تقدم فنونها بأبجديتها المصرية المميزة، ناجية من فخ التقليد لقرون من رقصات الأتراك.

يقول عامر التوني مؤسس المولوية المصرية لـ«الشرق الأوسط»: «نشأت في صعيد مصر وكانت المدائح النبوية والابتهالات جزءا من تكويني الثقافي والفني ووجدت في المولوية حالة كرنفالية مليئة بالتأمل تشتمل على رموز موحية أشبعت أشياء كثيرة بداخلي من رغبة في التأمل إلى الاستمتاع بالرقص والإنشاد».

كانت آلة الكولا القريبة من الناي هي المفتاح السحري لدخوله عالم الموسيقى الصوفية، وبعد إجادته العزف عليها قاده شجنها وجوها الروحاني إلى الإنشاد والرقص الصوفي، وبعد مرحلة من التثقيف والقراءة وجد نفسه في رقصات المولوية وتراثها العريق، فتحول مساره من دارس للغة العربية وعلوم التربية إلى منشد صوفي يمارس التأمل عبر رقصات فرقته الموحية.

تأسست الفرقة عام 1994، وتتكون من 4 راقصين ومنشد و7 عازفين، تأثرت رقصاتها وأشعارها بفرقة المولوية التركية التي تقدم رقصاتها وإنشادها على وقع تراث كبار المتصوفة الفرس كجلال الدين الرومي، لكن الطبعة المصرية منها اتخذت طرقا مختلفة، فينفي التوني كونه مقلدا، بل يعتبر الأتراك هم المقلدون لأن الرقصات الصوفية منبعها مصر القديمة.

ومثل دلالات كلمات المتصوفة الظاهرة والباطنة تشير رقصات المولوية إلى معان كثيرة، فدوران الراقص حول نفسه يشبهه التوني بعبادة الكواكب لربها، حيث تدور حول مركز الكون من اليسار إلى اليمين، مثلما يطوف المسلم حول الكعبة، كما تشير ملابس الراقص وهو يدور حول نفسه إلى حالة من الخلاص يتخلص فيها الجسد من الروح فكأنها تصعد إلى خالقها، ويماثل رداء الراقص الكفن في تكوينه وفي لونه الأبيض الشفيف، والدوران ناحية اليسار يستجلب الطاقات الخيرة بحسب التوني، كما يرفع الراقص يده على قلبه، ثم يضم يده الأخرى لتشكل اليدان علامة على الخضوع للخالق.

يبدأ طقس الرقص المولوي بالدوران حول النفس لساعات طويلة، في هذا الفضاء الدوار ينسى الراقص علاقته بالأرض ويتعلق قلبه بالسماء، في حالة من الوجد الكامل يتخلص فيها من مادية الأرض، كرمز للتوق إلى الله، وتحدي جاذبية الأرض.

ويكون الراقصون أشكالا مختلفة لها معان موحية، فعبر قبعاتهم المميزة العالية وأياديهم المفرودة والمنثنية يرسمون لفظ الجلالة، لتضفي الأشكال مع الألحان والإنشاد جوا روحيا لافتا في ليالي رمضان.

يعتبر التوني المولوية حالة من التأمل وليس العبادة، فالعبادة برأيه لها طقوسها الموحدة، أما التأمل فنابع من الذات وكل يتأمل على طريقته.

على مدى 16 عاما حققت فرقة المولوية المصرية شهرة فائقة، وبالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية نشرت عروضها في بقاع مختلفة من العالم، منها فرنسا وإسبانيا واليونان والأردن والمغرب.. وخلال الشهر الحالي كان من المقرر أن تحيي حفلات في باكستان وسنغافورة لكن لظروف بيروقراطية بحتة تأجلت العروض لوقت آخر.

في رمضان يشعر التوني وزملاؤه بحصاد سنوات التكوين والتدريب، ينالون جائزتهم الكبرى من إقبال المئات عليهم، والجلوس متأملين لرقصاتهم وابتهالاتهم، وبعد حالة مشتركة من الوجد بين الجمهور وأعضاء الفرقة لا تكف الأيدي عن التصفيق، ولا اللسان عن الذكر.