رمضان في الناصرية: تدخين «الأركيلة» وقضاء ساعات طويلة في شارع الحبوبي من مظاهر الشهر الفضيل

يختلف فيها عن بقية مدن العراق بعادات وتقاليد وطقوس خاصة

تدخين «الأركيلة» في شارع الحبوبي بالناصرية من مظاهر شهر رمضان المبارك («الشرق الأوسط»)
TT

على بقايا حضارة سومر وأور وأوما تجثو مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار (375 كلم جنوب العراق) ويفصلها نصفين نهر الفرات، فيها بقايا بيت النبي إبراهيم الخليل والزقورة الشهيرة وآثار معركة ذي قار الشهيرة وتمثال الشاعر العراقي الشهير محمد سعيد الحبوبي الذي يتوسط تمثاله مركز المدينة، لتضرب أم علاء المسحراتية طبلتها معلنة بصوت مسموع «سحور يا صائمين سحور» فمع صوت طبلتها يبدأ اليوم الرمضاني في مدينة الناصرية.

رمضان في الناصرية يختلف عن بقية مدن العراق بعادات وتقاليد وطقوس خاصة ابتداء من صوت المسحراتي وطبله وانتهاء بموسيقى قوافي الشعر الشعبي في مقاهي ومجالس المدينة ليلا. والمسحراتي أو كما يسمى «المسحرجي» في تلك المدينة غالبا لا يقرع الطبل، وإنما يقوم بقرع علبة معدنية كبيرة تعرف بالعامية «التنكه».

ويقول أبو علي، 45 سنة، مسحراتي، إن استخدام العلبة المعدنية جاء إبان الحصار الاقتصادي على العراق في تسعينات القرن الماضي فلضعف الحالة المادية كنا نستخدم تلك العلبة لتوفرها ورخص ثمنها، مضيفا في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الصوت يختلف عن صوت الطبل وقد يكون مزعجا لكنه يفي بالغرض ويوقظ الصائمين» وزاد أن «استخدامي لهذه العلبة ليومنا هذا لأني لا أمتهن عمل المسحراتي وإنما أبحث عن الأجر والثواب ولا فرق في الأجر بين طبل أو علبة معدنية».

وتمر ساعات النهار ثقيلة بسب ارتفاع درجات الحرارة وقلة ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية للمواطنين وصولا لساعة الفطور التي ترافقها مراسم وطقوس خاصة بها حيث يجتمع الأهل والأقارب لتناول الإفطار في بيت الأب أو الأخ الأكبر في كثير من الأحيان، والتي تستمر لوقت متأخر من الليل، وتقول أم حسن (60 سنة) إن «بيت العائلة يكون أجمل عندما يجتمع الكبير والصغير على مائدة واحدة»، مشيرة في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أشهر الأكلات التي يتناولها أبناء الناصرية في رمضان هي الهريسة العراقية المغطاة بالقرفة (الدارسين) والهيل والزيت؛ والكبة الحلبية، إضافة إلى الدولمة وهي أحد أنواع المحاشي التي تعملها النساء اللاتي يطلق عليهن بلهجة أبناء الناصرية (أمهات البيوت) بسبب إجادتهن لتلك الأكلة وعلى أحسن وجه».

الجلسات المسائية وما بعد الإفطار غالبا ما تكون للشعر فمدينة الناصرية من أكبر مدن العراق من ناحية أعداد الشعراء الذين ينظمون الشعر الشعبي العراقي حتى أن بعض المؤرخين يتفقون على أن بواكير هذا الشعر ظهرت في مناطق ريف الناصرية، ويقول الشاعر صبار الخفاجي رئيس اتحاد الشعراء الشعبيين في ذي قار إن «رمضان في مدينة الناصرية له طعم خاص فهو يمثل فرصة لإقامة الجلسات الأدبية والمطاردات الشعرية، التي تبرز مشاركات أدباء المدينة وشعرائها لإحياء هذه الليالي الكريمة» مضيفا أن «المشاركة بالأمسيات الرمضانية التي تقام على مستوى المناطق السكانية والتي تبرز من خلالها مواهب شبابية، وأحيانا كثيرة تقام مهرجانات مركزية في إحدى الحدائق العامة في المدينة».

ويرى أسعد العزي أن الشعر الشعبي في رمضان له طعم خاص، حيث يبتعد الشعراء عن الغزل ويلجأون إلى أغراض أخرى من الشعر أغلبها تميل إلى الموعظة. وقال «الشعر الشعبي يكون في المجالس والبيوت والساحات العامة فهو بحق حلاوة رمضان التي تتذوقها حتى النساء».

وتبقى لعبة المحيبس (اللعبة الشعبية الشهيرة) من بين العادات التي يمارسها أبناء الناصرية (سواء كانوا أطفالا أم شبابا) في ليالي رمضان، وتضم هذه اللعبة التراثية التي تمارس خلال أيام هذا الشهر الفضيل في مناطق وحارات المدينة فريقين يتباريان على قطع من الحلوى، حيث يقول أحمد السيد إن اللعب هذه الأيام، وخصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة، يكون في الساحات العامة والمقاهي، مبينا أن «هذه اللعبة يتخللها تناول المشروبات والمرطبات، والحلوى التي تعد خصيصا لمثل تلك الليالي الرمضانية، كما أن هناك أيضا لعبة الفناجين ولعبة صراع الديكة التي بدأت تنقرض تدريجيا».

وبالقرب من شارع الحبوبي تنتشر المقاهي الشعبية التي تعرف بمقاهي الرصيف التخصصية فهناك مقهى للأدباء وآخر للمهندسين وهناك بالقرب من تمثال الشاعر الحبوبي مقهى آخر لفاقدي نعمة النطق، والغريب في الأمر أنهم يلعبون في ليالي رمضان لعبة (المحيبس) أيضا ويستخدمون الإشارة بدل الكلام، حيث يقول صاحب المقهى إياد الناصري، وهو يتمتع بنعمة النطق، لكنه يجيد لغة الإشارة، إن التعامل مع هؤلاء الناس الطيبين متعة جميلة حتى أنه تعلم منهم لغة الإشارة، مشيرا أن «التعامل معهم يشعرني بالراحة فهم لا يثقلون رأسي بالكلام بل إنهم بالإشارة يكتفون». وتابع أن «لعبة (المحيبس) مقربة لديهم ويمارسونها بكل راحة وانسجام حتى كلمة (بات) الشهيرة تكون بالإشارة أي برفع الأيادي والتلويح بالـ(الخاتم)، حقا إنه شيء ممتع».

وتمتاز مقاهي الناصرية بتقديم الأركيلة التي يملأ دخانها سماء الليالي الرمضانية حتى أن أغلب الشباب يقصدون شارع الحبوبي الشهير وسط المدينة لقضاء الليل بطوله وهم يدخنون الأركيلة أو كما تسمى بـ(الناركيلة) وبين سعد عودة، أحد مدخنيها، أن تدخين الأركيلة ممتع جدا في رمضان ونأتي لشارع الحبوبي من مناطق مختلفة، وزاد أن «الليل والحبوبي والأركيلة طقوس رمضانية جميلة لا نستطيع أن نتركها».

وتكثر الجلسات عند تمثال الحبوبي في رمضان الذي يتوسط المدينة منذ تأسيسها بعد أن صنعه الفنان العراقي عبد الرضا كشيش عام 1972 ليصبح أبرز علامات المدينة ويقصده الشباب والكبار في رمضان للجلوس بقربه، حيث يكثر حول الشارع والتمثال مقاه متعددة.