رئيس العلماء في البلقان: رابطة العالم الإسلامي بمثابة الأم للأقليات المسلمة

مصطفى تسيريتش لـ «الشرق الأوسط»: أقضي رمضان مع الفقراء في زيارات مفاجئة

د. مصطفى تسيريتش رئيس العلماء في البلقان («الشرق الأوسط»)
TT

الدكتور مصطفى تسيريتش رئيس العلماء في البلقان، واحد من أهم الدعاة الذين قدموا في السنوات الأخيرة نصيحة لعلماء المسلمين، بأن يدرسوا الدبلوماسية، حيث عمل في هذا المجال، قبل أن يتبوأ المكانة التي يحظى بها، في المحافل الدولية، بما في ذلك منتدى دافوس، والمراكز المهمة في العالم الإسلامي، وفي برلين، وبروكسل، وواشنطن وغيرها. التقته «الشرق الأوسط» للحديث عن 3 قضايا مهمة، وهي رمضان في حياته، وحياة المسلمين، وفتوى الإفطار في رمضان، ومؤتمر رابطة العالم الإسلامي، الذي تم على أعتاب رمضان بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيس رابطة العالم الإسلامي.

وقال الدكتور مصطفي تسيريتش رئيس العلماء في البلقان لـ«الشرق الأوسط» «أمرنا بأن لا تكون هناك إفطارات كبيرة ومهرجانية في المطاعم، ولا مع كبار السياسيين، وأقررنا اقتراحا بأن يكون هناك 5 آلاف إفطار للفقراء وأقوم شخصيا بزيارة الفقراء والإفطار معهم في بيوتهم، لأن الإفطارات المهرجانية ما أنزل الله بها من سلطان». وتابع «أريد أن أنبه على ظاهرة الفقر في البوسنة، ومسؤولية الدولة في معالجة هذه القضية. والسؤال الملح هو: كيف نعيش سعداء وجيراننا ليس لهم طعام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ما آمن من بات شبعان وجاره جائع».

وأضاف «هناك مبدأ إسلامي، وهو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا، وهذا هو تعليقي على الفتوى، الدين يسر. وأتمنى أن يكون رمضان موسم إحياء للدين، وعودة للإسلام، وأن يكون شهر التعبئة الروحية للمسلمين». واستطرد قائلا «في رأس السنة لا يعمل النصارى لمدة شهر، من نصف ديسمبر إلى نصف يناير. لا تجد أي سياسي يعمل شيئا ملموسا». واقترح أن يكون رمضان موسم عطلة للمسلمين، لا سيما لمن يقومون بأعمال شاقة. أو تخفيف ساعات العمل لمدة 4 ساعات أو ما شابه. واستشهد بحياة جده الذي كان يعمل في رمضان «كل 30 سنة رمضان يأتي في نفس الموسم، وأتذكر رمضان في أغسطس (آب)، عندما كنت طفلا كان جدي يعمل في الحقل ويتعب، وكان يصوم طوال اليوم وفي الشمس والحرارة، وما كان يشتكي، كان ينام ساعة أو ساعتين في منتصف النهار ثم يعود للعمل». وقال «من خلال الصوم يكشف المرء نفسه، من هو؟. لا يعرف الإنسان نفسه إلا عند الاختبار ورمضان مدرسة للاختبار رمضان مدرسة نفسانية التي نكشف ما في أعماق أرواحنا».

وحول حضوره مؤتمر مكة بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيس رابطة العالم الإسلامي، قال «أعتقد أن دور الرابطة في الحفاظ على الهوية الإسلامية، وفي النطاق العالمي، لا يمكن أن ينكره منصف بأي شكل من الأشكال، لأن الرابطة كانت المؤسسة العالمية الوحيدة التي تهتم بالإسلام والمسلمين خارج دائرة المركز الإسلامي، أو الدائرة الرئيسية في العالم الإسلامي». وتحدث عن دور الرابطة إبان الحكم الشيوعي «50 عاما من عمل الرابطة ولا سيما في الكتلة الشيوعية السابقة، كانت المصدر الوحيد لإحياء الروح الإسلامية التي كنا نعيشها. وكان لي شرف أن أسهم في البحث في هذا الموضوع وأشكر للمملكة العربية السعودية، فمنذ الملك سعود وحتى الملك عبد الله استمر الدعم السخي للرابطة». وأشار إلى مؤسسات موازية «أعتقد أنه بعد سقوط الشيوعية، وبعد أن فتحت الأبواب في العالم الإسلامي، وبدأت بعض المؤسسات الأخرى تعمل كالندوة العالمية للشباب المسلم، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو) التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ربما أخذت هذه المؤسسات شيئا مما كانت تقوم به الرابطة، ولكن مع مجيء الدكتور عبد الله التركي، الذي يفهم العلاقات الدولية جيدا، ولديه خبرة كافية، حيث كان رئيسا للجامعة، ووزيرا للشؤون الإسلامية في السعودية، وبعد أن تمت تسميته أمينا عاما للرابطة، اتخذ العديد من المبادرات، مثل إنشاء الملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين، وكذلك التنسيق بين المراكز الإسلامية عبر العالم، وإنشاء مجمع الفقه الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، لمواجهة التحديات المعاصرة، لا سيما قضايا التكفير والهجرة، وتنشيط مبادرة حوار الأديان، التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين، وبدأت في مكة، واستؤنفت في مؤتمر مدريد، ثم جنيف، ولذلك فإن الرابطة لها دور كبير، وهذا يعود الفضل فيه بعد الله إلى أمينها العام الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي». وواصل قائلا «بعد 11 سبتمبر (أيلول) أدت الرابطة دورا مهما في بيان موقف الإسلام من الإرهاب، وكان لي شرف المشاركة في الوفد الذي زار الولايات المتحدة وعددا من العواصم الغربية من بينها برلين، وبروكسل، وغيرها في هذا الشأن». وكشف عن خطة للرابطة لزيارة الصين «الرابطة تستعد الآن للقيام بزيارة للصين، والجماعة الإسلامية في الصين، وهذا كله يدل على أن الرابطة قامت بدور مهم، وقامت مقام الخلافة التي ألغيت سنة 1924».

وحول مساعي توحيد المسلمين، قال «الإسلام هو العقيدة والشريعة والخلافة، ويمكن أن نسمي الخلافة إمامة أو قيادة. ولم تكن العقيدة في أزمة، أو في شك بالنسبة للمسلمين. ولا الشريعة كانت محل خلاف بين فقهاء المسلمين، ولكن جرى خلاف حول القيادة. إذ إن العقيدة هوية الإنسان الشخصية، والشريعة الهوية الجماعية للمسلمين هوية الأمة الجماعية للمسلمين، لأنها تهتم بالأسرة، والجماعة، والمجتمع وغير ذلك». وأوضح بأن الشريعة لم تكن محل تشكيك أو محل نقاش، أما الخلافة والإمامة «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»، فهي قضية نقاش بين المسلمين من أول يوم من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت في المدينة، ثم الكوفة، ثم انتقلت إلى دمشق، فبغداد وبعد بغداد إلى اسطنبول، ولا يزال النقاش يدور حول القضية. وبين أن «قضية الخلافة قضية تاريخية، دنيوية، وكما قلت هي قضية مطروحة للنقاش، حول كيفية اختيار حكام المسلمين، عن طريق الوراثة، أو الاستفتاءات، أو الانتخابات الديمقراطية، وغير ذلك. وأنا أعتقد أن هذا يجب أن يكون لمصلحة الإسلام والمسلمين. وهناك ثوابت لا تتغير وهي العقيدة والشريعة، أما قضية الخلافة، والإمامة، وكيفية تنظيم الأمور، أو النظم التي يجب أن تسود في ديار المسلمين، فهناك نقاش وحوار وحلول مطروحة وهذا لا بأس به. ولكن لا بد من وجود مرجعية عليا يعود إليها المسلمون في أوقات الأزمة، وهكذا».

وعن الدور الذي قامت به الرابطة في هذا الصدد، أشار إلى أن «رابطة العالم الإسلام، من الناحية العقائدية والدينية، كانت مرجعية، كذلك فيما يتعلق بالعناية بأمور المسلمين. أما من الناحية السياسية، فمثلت المرجعية منظمة المؤتمر الإسلامي. والتي بها 57 دولة وهي تمثل الملوك والرؤساء في ديار المسلمين. وهي منظمة مهمة جدا على صعيد التنسيق بين الدول الإسلامية، وتنسيق المواقف في القضايا التي تهم المسلمين جميعا. ومنظمة المؤتمر الإسلامي، في الدول الأعضاء، مثل الأمم المتحدة في العالم. «الرابطة لها ثوابت ولها تاريخ ويجب أن تستمر بدون أي شك».

وعما إذا كانت الرابطة قد حققت الأهداف التي أنشئت من أجلها، أفاد «في بعض المجالات حققت رابطة العالم الإسلامي، أكبر مما رسمته. وهناك بعض الأهداف لم تتحقق بسبب الظروف المحيطة. ولكن الرابطة استطاعت الوصول إلى الأقليات المسلمة، لا سيما في العهد الشيوعي. والرابطة استطاعت المحافظة على الهوية الإسلامية والمؤسسات الموجودة في المناطق التي يعيش فيها المسلمون كأقلية، وأنا شاهد على ذلك، فالرابطة دعمت المشيخات الإسلامية في الدول الشيوعية ومن بينها المشيخة الإسلامية في يوغسلافيا السابقة». وكان هدف الرابطة «مساعدة الدعاة، حتى يكونوا مستقلين، وأنا واحد من دعاة الرابطة، الذين حمتهم الرابطة ورعتهم وتابعتهم وساعدتهم في عملهم الإسلامي والاستمرار فيه، بدون أن يكونوا مهمومين على حياتهم وأسرهم. هذا الهدف حافظ عليه زعماء المملكة العربية السعودية منذ الملك سعود مرورا بالملك فيصل وخالد وفهد وعبد الله. وهذا العمل من أنبل الأهداف التي قامت بها المملكة». وأكد على أن الرابطة «كانت بمثابة الأم». ولا سيما في البلقان «أنت تعرف أن اسطنبول كانت منفصلة تماما عن قضايا الإسلام والمسلمين، وكنا على وشك الموت وتوقف النبض، وكنا في حاجة «لباي باص»، روحي وكانت الرابطة هذا «الباي باص» (الأب الروحي). لا سيما أن الأزهر لم يكن يمتلك الآليات المالية لدعم المسلمين في العالم، غير قبول أعداد من شبابهم في معاهده وكلياته وكانت تلك مساهمة كبيرة بيد أنها غير كافية».

وحول مستقبل الرابطة، قال الدكتور تسيريتش «أعتقد أن هناك تحديات تواجه الرابطة، وقد قلت في كلمتي بالمؤتمر، للرابطة دور أساسي، في دعم، ونسج تصور للحوار في الداخل والخارج. المسلمون يمرون بأزمة أو بتحديات مرحلية مختلفة. للرابطة دور في تطوير الحوار الداخلي بين المسلمين والتنسيق بينهم ونشر أو تعميق التسامح بين المذاهب المختلفة والأفكار وتفسيرات القرآن وتصحيح أخطاء بعض التيارات الدينية، كالتكفير والهجرة وهذا تحد كبير. أما التحدي الآخر فهو متابعة وتهيئة المؤسسات الإسلامية حول العالم. التحدي الكبير هو الحوار الخارجي مع غير المسلمين. وإنشاء طريق أو منهج يقنع غير المسلمين أن عندنا شيئا. أعتقد أن الرابطة تستطيع أن تؤدي دورا كبيرا في توضيح وتبيين مواقف الإسلام ودعم الحوار الخارجي من خلال مبادرة خادم الحرمين وهي الحوار بين الأديان». وختم بالقول «يسعدني أن الرابطة فتحت مكتبا لها في سراييفو. وهي بيننا ونحن سعداء بوجودها بشكل دائم معنا. وإن شاء الله يكون التواصل بيننا، الرابطة مهتمة بأمور المسلمين خارج المملكة، وفتح المكتب يمثل إشارة إلى أن الرابطة ستهتم بأمور المسلمين في شبه جزيرة البلقان».