اعتماد جدول موحد لمواقيت الصلاة في لندن

بداية رمضان وشوال.. والبحث عن إمكانية توحيد مطالع الشهور العربية

TT

يتطلع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، لا سيما الأقليات المسلمة في الغرب، إلى توحيد مطلعي شهري رمضان وشوال. كما يتطلع المسلمون في لندن إلى توقيت موحد لدخول أوقات الصلوات الخمس يجتمعون عليه ويتجنبون به التباين الكبير بين المساجد في مواقيتها، خاصة في فصل الصيف، حيث تتداخل العلامات الشرعية لوقتي العشاء والفجر أو تختفي تماما في بعض الأسابيع، مما يترتب عليه مشقة كبيرة في تحديد دخول وقتيهما. وينتج بالطبع عن هذه الفوارق بين التقاويم بلبلة كبيرة بين الناس، خاصة عندما يحل شهر رمضان المبارك، حسبما صدر في بيان لمجموعة من المراكز الثقافية الإسلامية في لندن، هي المركز الثقافي الإسلامي ومسجد لندن المركزي، ومركز مايفير الإسلامي، ومركز شرق لندن، ودار الرعاية الإسلامية، والمنار، ومركز التراث الثقافي الإسلامي، ومسجد التوحيد، ومجلس الشريعة الإسلامي، والمنتدى الإسلامي، ومنتدى مسلمي لندن.

وقال البيان: «لقد تعددت الاجتهادات لمعالجة مسألة التوقيت في البلاد التي تقع على خطوط العرض شمال خط 48 درجة مثل بريطانيا، وكل له أدلته المعتبرة من الناحيتين الشرعية والفلكية. وأقوال العلماء والباحثين في ذلك مبسوطة في محاضر مجالس الفقه والمراجع والمجلات والمواقع الإلكترونية المختصة بالتقاويم. وقد جرت العادة أن يعتمد كل مسجد توقيتا فيما يحسبه ملائما، وكل مأجور على اجتهاده».

وأضاف البيان: «سعيا لجمع الناس على توقيت موحد، تنادى عدد من المراكز الإسلامية في لندن لدراسة الأمر. وبعد استعراض مفصل للاجتهادات المتعددة وأدلتها، وتشاور مفصل بشأنها، وطلبا للتيسير على الناس الذي هو من مقاصد الشريعة الغراء، تم الإجماع بفضل الله على اعتماد جدول موحد لتحديد دخول أوقات الصلوات في مدينة لندن. وهذا الجدول مبني على جهود موثوقة، وموثقة لعدد من الثقات، في رصد وقتي دخول العشاء والفجر معاينة على مدار العام، في الليالي التي تيسر فيها ذلك، في منطقة بلاكبيرن ببريطانيا وفي مناطق أخرى أعلى خط 48 شمالا حول العالم، كما هو مفصل في موقع Moonsighting.com». وأشار البيان إلى أن المراكز الإسلامية في لندن، إذ تطمئن لما أجمعت عليه، تسأل الله التوفيق في ذلك، فإنها لا تُخطئ من اعتمد توقيتا آخر، بل لكل اجتهاده، وهو مأجور عليه بإذن الله.

وأوضح البيان أنه قد تم الاتفاق على المراجعة المستمرة في أمر التوقيت، وذلك استرشادا بما يجد في هذه المسألة، وخاصة ما يصدر عن المراكز الإسلامية المتخصصة، والمجامع الفقهية المعتبرة، والمؤتمرات التي تنعقد لذلك الغرض. ومثال ذلك المؤتمر الإسلامي العالمي المختص بمسألة المواقيت والذي نترقب انعقاده بإذن الله في مكة المكرمة.

يذكر أن مذاهب أهل العلم في اختلاف المطالع، خلصت إلى قولين:

الأول: إذا رؤي الهلال في بلد من بلاد الإسلام، لزم جميع المسلمين الصوم أو الإفطار، وهذا مذهب الجمهور أبو حنيفة والشافعي والليث وبعض الشافعية وأحمد بن حنبل وفريق من المالكية.

الثاني: إذا ثبت الهلال في بلد من بلاد الإسلام، لا يلزم الصيام أو الفطر غير أهل البلد الذي رؤي فيه الهلال، وهذا مذهب ابن عباس وعكرمة والقاسم وسالم وإسحاق بن راهويه.

ولعل قدوم شهر رمضان المبارك هذه الأيام، يدعو المسلمين إلى استدراك ما فاتهم من أسباب وحدة الصف الإسلامي، ونبذ أسباب الفرقة والخلاف، تنزيلا لقول الله تعالى: «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»، والتأكيد على أنّه لا عبرة باختلاف المطالع لعموم الخطاب، لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».. وفي ذلك يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: «إننا لا نريد أن يكون موضوع توحيد مطالع شهر رمضان أو اختلافها، مدعاة إلى الخلاف والتفرقة والتشرذم بين المسلمين، فينبغي العمل على ما يوحدهم. ولهذا فكم أُحب أن يتفق المسلمون في صومهم وفطرهم، وأن يتفقوا كذلك في أعيادهم (الفطر والأضحى)». ويرجع الشيخ الدكتور القرضاوي الاختلاف في هذه القضية إلى أمرين:

الأمر الأول: في طريقة إثبات الشهر: هل يثبت بشاهد واحد، أم بشاهدين، كما هو رأي الشافعية والحنابلة، أم لا بد من جمع غفير كما هو رأي الحنفية وغيرهم. وهل يمكن أن يكون للحساب الفلكي مدخل في الإثبات أم لا؟ والحق أن المذاهب الثلاثة (الحنفي والمالكي والشافعي) فيها أقوال ترى الأخذ بالحساب الفلكي، وإن رفض الحنابلة ذلك.

الأمر الثاني: هو إذا ثبت الهلال في بلد ما هل يلزم البلاد الأخرى؟ أم أن لكل بلد رؤيته الخاصة؟

وأكد الشيخ الدكتور القرضاوي أنه سبق أن أفتى في الولايات المتحدة الأميركية، أن يأخذوا بالحساب الفلكي القطعي وجوبا في النفي لا في الإثبات، بمعنى: أن الحساب الفلكي إذا نفى إمكان الرؤية لم يؤخذ بشهادة الشهود ونحوها. وقال: «إننا إذا كنا لم نصل إلى وحدة المسلمين في العالم حول هذه الشعائر، فالواجب أن نحرص على وحدة المسلمين في كل بلد، بحيث يصومون معا ويفطرون معا، بمعنى أن يتبعوا سلطتهم الشرعية، فإن مما يدمي القلب أسى وحسرة أن المسلمين في كل قطر أو بلد يفطر بعضهم ويصوم بعضهم، أو يعيّد بعضهم ولا يعيّد آخرون».

كما أصدرت الأمانة العامة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بيانا بخصوص تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1432هـ، أكدت فيه على ضرورة الأخذ بالحساب الفلكي الذي أصبح أحد العلوم المعاصرة التي وصلت إلى درجة عالية من الدقة بكل ما يتعلق بحركة الكواكب السيارة وخصوصا حركة القمر والأرض ومعرفة مواضعها بالنسبة للقبة السماوية، وحساب مواضعها بالنسبة لبعضها البعض في كل لحظة من لحظات الزمن بصورة قطعية لا تقبل الشك. وعلى المسلمين في البلاد الأوروبية أن يأخذوا بهذه القاعدة في دخول الشهور القمرية والخروج منها، وخصوصا شهري رمضان وشوال وتحديد مواعيد هذه الشهور بصورة مسبقة، مما يساعد على تأدية عباداتهم وما يتعلق بها من أعياد ومناسبات وتنظيم ذلك مع ارتباطاتها في المجتمع الذي تعيش فيه.

كما يوصي المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أعضاءه وأئمة المساجد وعلماء الشريعة في المجتمعات الإسلامية وغيرها بالعمل على ترسيخ ثقافة احترام ما انتهى إليه القطعي من علوم الحساب الفلكي عندما يقرر عدم إمكانية الرؤية، بسبب عدم حدوث الاقتران، وألا يُدعى إلى ترائي الهلال، ولا يقبل ادعاء رؤيته.