أبصار هؤلاء الخائفين ذليلة حائرة من هول المنظر وفظاعة المشهد، خضعت الأبصار وحارت الأفكار، وعنت الوجوه للواحد القهار.
((يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ)) [النازعات: 10].
يقولون: هل نرد بعد الموت إلى الحياة؟ وهذا لا يكون.. فقد مات الآباء والأجداد فما عادوا، فلا رجعة لنا ولا عودة، بل موت بفناء.
((أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً)) [النازعات: 11].
أئذا بليت منا العظام، وتفتت الأعضاء، وأصبحنا ترابا نرد إلى الحياة ونعاد من جديد؟! هذا لا يكون أبدا.
((قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ)) [النازعات: 12].
يقول من كذب بالبعث: هذه الرجعة إذن خائبة لنا، خاسرة في حقنا، ليست في صالحنا؛ استبعادا لها واستهزاء.
((فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ)) [النازعات: 13].
فإنما النفخة الثانية صيحة واحدة لا تعب فيها علينا، فإذا وقعت أعدناهم كما بدأناهم، وأحييناهم كما أمتناهم.
((فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)) [النازعات: 14].
فإذا وقعت النفخة الثانية خرج الناس إلى أرض بيضاء لفصل القضاء، فعرضت الأعمال، وعظمت الأهوال، وبرز ذو الجلال، يوم الثواب والنكال.
((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى)) [النازعات: 15].
هل سمعت أو خبرت عن قصة موسى العظيمة، وصبره في مواجهة فرعون، وما لقي من نوائب ملك؟ ففيها أسوة، فاصبر وتعز به.
((إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)) [النازعات: 16].
حين ناداه خالقه ومدبر أمره بالوادي الميمون المبارك المطهر بطور سيناء، فشرف الوادي لأجل التكليم، وتقدس بسبب الوحي.
((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) [النازعات: 17].
وقال له ربه: سر يا موسى إلى فرعون فادعه إلى التوحيد، فإنه بغى وطغى وتجبر وعصى، وجاوز الحد في الكفر والإلحاد والفسق والفساد.
((فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى)) [النازعات: 18].
فقل له بلين، وخاطبه برفق: هل لديك رغبة في أن تتطهر من الكفر وتوحد الله، وتخلص له العبادة وتزكي نفسك بالطاعة؟ فهذا خير لك.
((وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى)) [النازعات: 19].
وأدلك على الطريق إلى الله الذي رباك بنعمه، فلعلك تخاف عقابه وتخشى عذابه فتطيع أمره، وتجتنب نهيه.
((فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى)) [النازعات: 20].
فأرى موسى فرعون المعجزة الكبرى، فانقلبت العصا حية بإذن الله، وهي دليل على صدق موسى وأنه نبي من عند الله.
((فَكَذَّبَ وَعَصَى)) [النازعات: 21].
فكذب فرعون دعوة موسى وعصى أمره، أو كذب بقوله وعصى بفعله، فمن تكذيبه رفضه للدليل، ومن عصيانه تركه للتوحيد.