نحو تفسير أسهل (5)

د. عائض القرني

TT

أبصار هؤلاء الخائفين ذليلة حائرة من هول المنظر وفظاعة المشهد، خضعت الأبصار وحارت الأفكار، وعنت الوجوه للواحد القهار.

((يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ)) [النازعات: 10].

يقولون: هل نرد بعد الموت إلى الحياة؟ وهذا لا يكون.. فقد مات الآباء والأجداد فما عادوا، فلا رجعة لنا ولا عودة، بل موت بفناء.

((أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً)) [النازعات: 11].

أئذا بليت منا العظام، وتفتت الأعضاء، وأصبحنا ترابا نرد إلى الحياة ونعاد من جديد؟! هذا لا يكون أبدا.

((قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ)) [النازعات: 12].

يقول من كذب بالبعث: هذه الرجعة إذن خائبة لنا، خاسرة في حقنا، ليست في صالحنا؛ استبعادا لها واستهزاء.

((فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ)) [النازعات: 13].

فإنما النفخة الثانية صيحة واحدة لا تعب فيها علينا، فإذا وقعت أعدناهم كما بدأناهم، وأحييناهم كما أمتناهم.

((فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)) [النازعات: 14].

فإذا وقعت النفخة الثانية خرج الناس إلى أرض بيضاء لفصل القضاء، فعرضت الأعمال، وعظمت الأهوال، وبرز ذو الجلال، يوم الثواب والنكال.

((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى)) [النازعات: 15].

هل سمعت أو خبرت عن قصة موسى العظيمة، وصبره في مواجهة فرعون، وما لقي من نوائب ملك؟ ففيها أسوة، فاصبر وتعز به.

((إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)) [النازعات: 16].

حين ناداه خالقه ومدبر أمره بالوادي الميمون المبارك المطهر بطور سيناء، فشرف الوادي لأجل التكليم، وتقدس بسبب الوحي.

((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) [النازعات: 17].

وقال له ربه: سر يا موسى إلى فرعون فادعه إلى التوحيد، فإنه بغى وطغى وتجبر وعصى، وجاوز الحد في الكفر والإلحاد والفسق والفساد.

((فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى)) [النازعات: 18].

فقل له بلين، وخاطبه برفق: هل لديك رغبة في أن تتطهر من الكفر وتوحد الله، وتخلص له العبادة وتزكي نفسك بالطاعة؟ فهذا خير لك.

((وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى)) [النازعات: 19].

وأدلك على الطريق إلى الله الذي رباك بنعمه، فلعلك تخاف عقابه وتخشى عذابه فتطيع أمره، وتجتنب نهيه.

((فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى)) [النازعات: 20].

فأرى موسى فرعون المعجزة الكبرى، فانقلبت العصا حية بإذن الله، وهي دليل على صدق موسى وأنه نبي من عند الله.

((فَكَذَّبَ وَعَصَى)) [النازعات: 21].

فكذب فرعون دعوة موسى وعصى أمره، أو كذب بقوله وعصى بفعله، فمن تكذيبه رفضه للدليل، ومن عصيانه تركه للتوحيد.