الزواج الثاني لمسيحيي مصر يخلق أزمة بين الكنيسة الأرثوذكسية وأتباعها

البعض يرى الحل في لائحة 1938.. وآخرون يطالبون بقانون للأحوال الشخصية

الكنيسة الأرثوذكسية في مصر وأزمة الزواج الثاني للمسيحيين («الشرق الأوسط»)
TT

طفت أزمة الزواج الثاني للمسيحيين في أزمة بين الكنيسة الأرثوذكسية بمصر والمسيحيين المطالبين بالسماح لهم بالتطليق والزواج مرة ثانية على السطح في مصر، بعد أن كانت تلك الخلافات مقصورة على أروقة «المجلس الإكليريكي العام»، المختص بشؤون الأحوال الشخصية للمسيحيين، الذي يرأسه الأنبا بولا، أسقف طنطا وتوابعها.

ونظم المسيحيون المطالبون بالزواج الثاني مظاهرات أمام الكاتدرائية المرقسية (المقر البابوي) بالعباسية (شرق القاهرة)، في سابقة هي الأولى من نوعها، وشهدت أولى تلك المظاهرات اشتباكات بين أمن الكنيسة والمتظاهرين، أطلق خلالها أمن الكنيسة كلاب الحراسة لفض المظاهرة، مما أسفر عن إصابات طفيفة بين المسيحيين المتظاهرين.

وشهدت المظاهرة الثانية للمطالبين بالزواج الثاني اشتباكات بين المتظاهرين وأفراد قالوا إنهم بلطجية أحضرهم أمن الكنيسة لتفريقهم، وهو ما نفته الكنيسة الأرثوذكسية بشدة، وقالت مصادر كنسية لـ«الشرق الأوسط»: «إن طرفي الاشتباكات هما المطالبون بالسماح بالزواج الثاني، ومسيحيون يرفضون ذلك الأمر».

وتسببت أزمة الزواج الثاني للمسيحيين في عدد من الأزمات الطائفية؛ إذ يلجأ أحيانا أحد الزوجين إلى إشهار إسلامه للحصول على الطلاق، ليعود بعدها إلى المسيحية، أو يبقى مسلما. وتندلع الأزمة الطائفية بمجرد إشهار الإسلام، وكان آخر تلك الأزمات تلك التي اندلعت في حي إمبابة الشعبي بمحافظة الجيزة في شهر أبريل (نيسان) الماضي، بسبب إسلام سيدة مسيحية تدعى عبير فخري، التي جرى احتجازها بكنيسة مارمينا، فاندلعت اشتباكات بين المسلمين والمسيحيين، أسفرت عن 12 قتيلا و200 مصاب.

وفي شهر ديسمبر (كانون الثاني) الماضي، ألزمت محكمة القضاء الإداري في حكم نهائي لها البابا شنودة الثالث، بابا المسيحيين الأرثوذكس بمصر، بتزويج شخص مطلق، للمرة الثانية، وهو الحكم الذي رفضت الكنيسة تنفيذه.

مارينا غطاس، سيدة مسيحية تبلغ من العمر 35 عاما، كانت تتظاهر أمام الكاتدرائية تطالب بتطليقها من زوجها، الذي هاجر إلى كندا منذ 4 أعوام وانقطعت أخباره تماما.

وقالت مارينا لـ«الشرق الأوسط»: تزوجت شابا رشحته لي الكنيسة وكنت أبلغ من العمر وقتها 26 عاما وكان يعمل مهندسا وفصلته الشركة التي كان يعمل بها، فأدمن المخدرات وأهملني وابنه ورفض الإنفاق علينا. وتابعت: «في إحدى مشاجراتنا تركت منزل الزوجية وأقمت بمنزل والدي، لأفاجأ بعدها بأن زوجي هاجر إلى كندا ولا أعرف عنه شيئا منذ 4 أعوام».

وقالت مارينا: قدمت للمجلس الإكليريكي شهادات من جيراني بأن زوجي كان يسيء معاملتي، وإخطارا من مصلحة الجوازات بتاريخ سفره، وطلبت الطلاق، فرفضت الكنيسة. وتساءلت: هل يعقل أن أظل مرتبطة طوال عمري بإنسان لا أعرف حتى مكانه؟

أما «س.ع»، وهو مسيحي أرثوذكسي في الـ40 من عمره، رفض نشر اسمه كاملا بسبب حساسية موقفه؛ لأنه قدم للمجلس الإكليريكي صور زوجته في أحضان رجل غريب، فقد طلب الطلاق استنادا إلى تلك الواقعة، إلا أن الكنيسة رفضت اعتبار تلك الصور دليلا على الزنى، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كيف أعيش مع زوجتي بعدما رأيت دليل خيانتها بعيني؟».

من جانبه، أكد الأنبا مرقص، أسقف شبرا الخيمة وتوابعها رئيس لجنة الإعلام بالكنيسة الأرثوذكسية، رفض الكنيسة التام لمطلب السماح بالطلاق والزواج الثاني. وقال مرقص لـ«الشرق الأوسط»: «من له مشكلة في الأحوال الشخصية تدرس بطريقة سليمة وتأخذ شكواه مجراها قبل البت فيها». وأضاف: «لا نستطيع، بأي حال من الأحوال، مخالفة تعاليم الكتاب المقدس ولا تستطيع قوة على الأرض أن تجبرنا على ذلك»، مشيرا إلى نص الإنجيل الذي يقول: «من طلق امرأته لعلة غير الزنى فيجعلها تزني، ومن تزوج امرأة مطلقة فإنه يزني». وأشار مرقص إلى أن «من يرفض الالتزام بنص الإنجيل عليه اللجوء للزواج المدني، لكن في هذه الحالة يجب ألا يطلب اعتراف الكنيسة بهذا الزواج».

وأكد الأنبا مرقص سلامة موقف المجلس الإكليريكي العام، نافيا ما تردد عن وقف العمل فيه، أو إقالة الأنبا بولا المشرف عليه، قائلا: «كل ما هناك أن المجلس يأخذ إجازاته السنوية في شهر أغسطس (آب) من كل عام»، مشددا على سلامة إجراءات المجلس الإكليريكي وآلية اتخاذ القرارات به.

ويطالب المسيحيون الراغبون في الزواج الثاني بعودة العمل بلائحة 1938 للأحوال الشخصية التي أصدرها المجلس الملي في عهد البابا الراحل كيرلس السادس، التي أباحت الطلاق لـ9 أسباب هي: «الغياب، الجنون أو المرض المعدي، الاعتداء الجسدي، إساءة السلوك والانغماس في الرذيلة، إساءة العشرة والنفور، ترهبن أحد الزوجين، الزنى، الفرقة، تغيير الدين»، إلا أن تعديلا طرأ على تلك اللائحة عام 2008 في عهد البابا الحالي شنودة الثالث قصر الطلاق على سبب واحد هو الزنى؛ وذلك استنادا لنص الإنجيل، وأجبر التعديل المسيحيين الذين حصلوا على أحكام بالطلاق قبل تاريخ صدور هذه اللائحة على رفع قضايا جديدة أمام القضاء وفقا لأحكام التعديل الأخير.

ويرى المسيحيون العلمانيون أن التعديل الذي طرأ على اللائحة عام 2008 أدى إلى لجوء الراغبين في الطلاق للحل السهل، وهو تغيير الملة أو الدين، بعدما عقَّدت الكنيسة حياتهم، على الرغم من أن المسيح جاء من وجهة نظرهم لتكون حياتهم أفضل.

بينما يرى المتدينون أنه لا اجتهاد مع النص وقد نصت جميع الأناجيل على عدم جواز الطلاق إلا لعلة الزنى. بينما يعتقد فريق ثالث أن الحل ربما يكون في إقرار الحكومة المصرية لقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين الذي قد يحل الكثير من أزمات الزواج والطلاق لدى المسيحيين، وهو القانون الذي ظل حبيس أدراج البرلمان لسنوات طويلة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

من جانبه، قدم المحامي المسيحي نجيب جبرائيل، أحد المستشارين القانونيين للكنيسة، للبابا شنودة، رؤية لإصلاح عمل المجلس الإكليريكي الذي قال إنه يشوبه بعض القصور، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «السبب في حالة الغضب على المجلس أنه ينظر نحو 200 ألف حالة سنويا، وهو عدد كبير جدا».

وأضاف جبرائيل: «المجلس الإكليريكي مسؤول عن إعطاء تصاريح بالزواج في كل أنحاء مصر وللمسيحيين المغتربين في العالم كله، وهذا العدد نقدره بنحو 18 مليون مسيحي، فإذا كان 1% فقط من هذا العدد لديه مشاكل في الأحوال الشخصية، فإن هذا المجلس سيواجه سنويا نحو 180 - 200 ألف مشكلة، والمجلس الإكليريكي ينعقد مرتين فقط في الأسبوع يحضر إحداها الأنبا بولا، بالإضافة إلى عدم عقد المجلس في أيام الأعياد المسيحية، كما يسافر الأنبا بولا في رحلات رعوية كثيرة خارج مصر، فتقريبا هو يحضر 24 اجتماعا للمجلس على مدار العام، فهل تكفي لحل هذا العدد كله من المشاكل، خاصة أنه مطالب بفحص كل حالة بنفسه قبل إصدار القرار؟».

وطالب جبرائيل البابا شنودة بإصدار قرار بتعيين 4 أساقفة متفرغين لعمل المجلس الإكليريكي، والاستعانة في تشكيل المجلس بعدد من المدنيين المتخصصين في الأحوال الشخصية لمعاونة الأساقفة بالإضافة إلى اختصاصيين نفسيين واجتماعيين وأطباء. وقال: «أدعو لعقد المجالس الإكليريكية 3 مرات أسبوعيا، أسوة بقضاة المحاكم، بالإضافة إلى التوافق على المبادئ العامة والإرشادية وقواعد حل مشاكل الأحوال الشخصية، خاصة في حالات إعطاء تصاريح الزواج».

أما كريمة كمال، الكاتبة المتخصصة في شؤون الكنيسة، فاعتبرت أن حل أزمة الزواج الثاني هو السماح للمسيحيين بالزواج المدني. وقالت كريمة لـ«الشرق الأوسط»: «أي مسيحي ومسيحية سيذهبان إلى الشهر العقاري لتوثيق زواجهما المدني سيقابل طلبهما بالرفض طبقا لاتفاق بين الحكومة السابقة والكنيسة».

وأضافت كريمة: «أزمة الزواج الثاني موجودة منذ عدة سنوات، لكنها ظهرت على السطح مؤخرا بسبب زيادة عدد أصحاب تلك المشكلة، وشعورهم أنه تمكن مناقشتها، خاصة بعد الحراك الذي شهدته مصر مؤخرا». وقالت: «النظام السابق سلم المسيحيين للكنيسة وتركهم دون رعاية، وعندما ظهرت الأزمة لم تتدخل الدولة لحلها، على الرغم من أنها مطالبة بقانون مدني يحل الأزمة، وهو ما لم يحدث». وأكدت أن موقف الكنيسة لن يتغير، وقالت: «المسيحيون بشر، ووارد أن تستحيل العشرة بين زوجين مسيحيين، مثل أي زوجين آخرين، فماذا يكون الحل وقتها؟ كل المجتمعات المتحضرة لجأت إلى الطلاق والزواج المدني لحل تلك الأزمة».

وأضافت كريمة: «في بداية المشكلة كان الحل هو تغيير الملة من أرثوذكسي إلى بروتستانتي أو كاثوليكي أو أي ملة أخرى، لكن الكنيسة الأرثوذكسية عقدت اتفاقا مع بقية الطوائف الأخرى لمنع تحويل المسيحيين بين الملل إلا بموافقة الكنيسة الأم، ليبقى الحل الوحيد هو تغيير الدين، وهو ما تنتج عنه مشاكل طائفية كثيرة، وأحيانا مشاكل إدارية مثل الذين يشهرون إسلامهم ليحصلوا على الطلاق ثم يعودون إلى المسيحية مرة أخرى».