((ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى)) [النازعات:22].
ثم أعرض عن الهداية وسعى في الغواية، وصد عن متابعة موسى، وأمعن في الفساد في الأرض قتلا وظلما وإذلالا واستعبادا.
((فَحَشَرَ فَنَادَى)) [النازعات:23].
فجمع الناس وأعلن مناديا بباطله صارخا بفريته وكذبته السخيفة من ادعاء الألوهية، قاتله الله.
((فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) [النازعات:24].
فقال فرعون للناس: أنا ربكم الذي رباكم بالعطايا، وأنا عال فوقكم لا رب فوقي. كذبا منه وزورا. وقصده أن يعبد من دون الله.
((فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى)) [النازعات:25].
فنكل الله به غاية التنكيل، وعاقبه أشد العقاب، في الدنيا بالإغراق، وفي الآخرة بالإحراق، أو عاقبه بكلمتيه الكاذبتين.
((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)) [النازعات:26].
إن في عقاب الله لفرعون ومحقه وإهلاكه عظة عظيمة لمن اتقى ربه وخاف مولاه، فهذا مصير كل طاغية، وهذه نهاية كل مجرم جبار.
((أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا)) [النازعات:27].
أتظنون في تقديركم أنكم أشق في الخلق، وأصعب في الإيجاد، وأعظم في الصنعة من خلق السماء التي بناها الله بإحكام، وسواها بإتقان؟
((رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)) [النازعات:28].
بناها فرفعها وأعلى سقفها فجعل سمكها في جرمها عاليا كما بين السماء والسماء، فسبحان مجمل هذا البناء.
((وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا)) [النازعات:29].
وجعل الليل مظلما، ومحا الليل بنور الشمس، فغاير بين الوقت، ولم يجعله سرمدا بتوقيت معين، فلم يسبق الليل النهار، ولا النهار الليل.
((وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)) [النازعات:30].
والأرض بعد رفع السماء فرشها للكائنات، ومهدها لعيش الناس، وبسطها مع كرويتها لتقوم على ظهرها الحياة.
((أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا)) [النازعات:31].
وأخرج الماء من الأرض في عيون وآبار وأنهار من بين الصخور، ومن تحت الجبال، وأنبت فيها المرعى الأخضر متاعا للحيوان.
((وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا)) [النازعات:32].
وثبت الجبال كالأوتاد للأرض فلا تتحرك، ولا تضطرب، ولا تهتز، ووزع الجبال بحكمة على أطراف الأرض؛ لتستقر لمن يعيش على ظهرها.
((مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)) [النازعات:33].
وجعل ذلك كله منفعة لكم ومتاعا لأنعامكم، فطاب سكنكم، وقر عيشكم، وقامت حياتكم، فالإنسان والحيوان في نعمة ورغد.
((فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى)) [النازعات:34].
فإذا حان قيام الساعة، وهي الداهية العظمى، والطامة الكبرى، طمت على الأبصار بهولها، وعلى الأسماع بصوتها، وعلى القلوب بخوفها.