د. توفيق ضو لـ«الشرق الأوسط»: أول رمضان بعد الثورة شهد إقبالا كبيرا على بيوت الله.. والنساء كن على أسطح المساجد

داعية تونسي مقيم في فرنسا: رمضان مدرسة الإيجابية بكل معانيها

د. توفيق ضو الداعية التونسي المقيم في فرنسا («الشرق الأوسط»)
TT

يتميز دور المسلم في رمضان عن دوره في بقية الشهور، فهو شهر مضاعفة العبادة وقراءة القرآن، حتى إن بعض المسلمين يرون في رمضان فرصة للتربية الروحية، بينما يؤكد آخرون من بينهم الدكتور توفيق ضو الداعية التونسي المقيم في فرنسا أن «دور المسلم لا يقف عند التربية الروحية والاستزادة من أعمال الخير فحسب، بل مدرسة الإيجابية بكل معانيها».

وقال الدكتور ضو لـ«الشرق الأوسط»: «هذا أمر جيد، لكن الله عز وجل لم يفرض علينا رمضان لهذا فحسب، فالتربية الروحية لها مقامها الرفيع جدا، لكن هناك التربية الاجتماعية أيضا التي يغفل عنها كثير من الناس، فحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، كان في السلوك والمعاملة قرآنا يمشي على الأرض، أو كان خلقه القرآن بتعبير السيدة عائشة رضي الله عنها، التي قالت أيضا عن خلقه الاجتماعي إنه كالريح المرسلة، فهو يجتهد في العبادة والطاعة، لا سيما في رمضان وبالأخص في العشر الأواخر، من الناحية الروحية، ويجتهد في أعمال البر التي لا تنفصل عن الأولى، وهذا ما نحتاجه إلى جانب التربية الروحية أي النشاط الاجتماعي». وأشار إلى أن فاعلية المسلم في شهر رمضان لا تكون على المستوى الفردي فحسب، بل «فاعلية المسلم في المجتمع تكمن في دوره مع إخوانه، ومع أبناء أمته، فهو يتمتع بالإيجابية في كل شيء وبكل ما تعني الكلمة من معنى».

وحول انصراف الكثير من الصائمين إلى النوم أو الراحة في شهر رمضان، قال الدكتور ضو «العجيب أن أغلب المعارك التي انتصر فيها المسلمون كانت في رمضان، وهذا يبين لنا المفارقة العظيمة بين المفهوم الذي فهمه عامة المسلمين من رمضان وهو الجانب المادي ووضع أنواع المأكولات والبهارات وأسعار المواد الغذائية، والمفهوم الراقي الذي يركز على الجانب الروحي فحسب، وفهم سلفنا الصالح لدور المسلم في رمضان بأنه تحقيق الإنجازات التاريخية وهو الفهم الأرقى، فمعركة بدر الكبرى كانت في رمضان، ومعركة عين جالوت كانت في رمضان، والفتح الأعظم كان في رمضان، ولم يمنع رمضان سلفنا الصالح من أن يكونوا إيجابيين فعالين في حياتهم العامة، فلم يجعلوا من رمضان شهرا للكسل والدعة والسلبية، وليس أيضا للكسب الروحي فحسب، بل نجد أن الشيخ عبد الرحمن خليف، المشرف السابق على جمعية تحفيظ القرآن الكريم، رحمه الله، كان شديد النشاط في رمضان، وينظم دروسا دينية ومحاضرات ليلية في شتى المساجد، درسا عند السحر، ودرسا عند المغرب، ودرسا عند العشاء، ودرسا بعد التراويح، ودرسا بعد صلاة الفجر، وآخر بعد العصر، ولا تدخل مسجدا إلا وتجد حلقة من حلق الذكر والدراسة». وتابع «حبذا لو تعاد هذه الحلقات وتنتشر في جميع المساجد».

كما انتقد التركيز على المدن وإغفال الريف في بعض المناطق «هناك تركيز في بعض المناطق على المدن وعدم اهتمام بأهل الأرياف الذين يشكلون أغلبية في بعض الدول، وهم من يعمل لتوفير الطعام من حبوب وخضر وغلال وغيرها لأهل المدن، فلا ينبغي أن ندفعهم لترك أرضهم ومواشيهم والنزول إلى المدن ليبحثوا في مسألة فقهية، بل يجب الذهاب إليهم».

وعن الدور الإيجابي الذي يجب أن يفهمه المسلم ويقوم به ذكر أنه «ينبغي أن يتخذ من رمضان فرصة ثمينة عزيزة وهي تبليغ كلمة الله. إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير، إذا لم نتخذ من رمضان فرصة لتعليم الناس الخير، فمتى؟». وأوضح أن الإنسان يبلغ أوج النشاط الروحي في رمضان، ويكون بذلك مهيأ لتقبل النصيحة «الناس ينشطون روحيا فالروح تسمو والنفس تسمو، والأنفس تصبح طاهرة قريبة من مولاها، فالأبدان تقشعر لذكر الله، والعيون تنهمر من خشية الله، فحري بنا نحن الدعاة إلى الله والأئمة وكل من له قليل من العلم، أن نغتنم هذه الفرصة العزيزة الغالية فرصة رمضان لنجعل من هؤلاء الناس الروحانيين عمليين في المجتمع إيجابيين يتخذون من رمضان فرصة للجهاد في سبيل الله». وأردف «والجهاد له عدة معان، ومن بينها جهاد الكلمة، قال تعالى (وجاهدهم به جهادا كبيرا)، وبداية جهاد النبي صلى الله عليه وسلم جهاد كلمة. فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم 13 عاما في مكة وهو يجاهد الناس بالكلمة الطيبة (يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)».

وبخصوص التفاوت في فهم الإسلام نقل عن بعض الشباب فهما يحتاج لنقاش طويل «بعض الشباب قالوا لي إن هذا لا يمكن أن نطبقه في وقتنا الحاضر، لماذا؟ لأن رسالة الإسلام قد تمت ويجب أن نبلغه كاملا وننفذه كاملا»، ورد قائلا «هؤلاء يحلمون، كل مشهد وكل مقطع وكل مرحلة من مراحل حياة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم نحتاج إلى أن نقتدي بها ونتمثل بها في حياتنا. لا سيما في مثل وضعنا وبمثل المرحلة التي تعيشها تونس».

وعما إذا كانت هذه الإيجابية التي يطالب بها تشمل المشاركة في الانتخابات المقبلة في تونس يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، شدد على أنه «على كل مسلم مثقف وغير مثقف، كل مسلم واع، أن يدرك أنه إذا لم يشارك في هذه الانتخابات ويقوم بدوره الفعال الإيجابي فإنه سيترك بذلك الساحة على مصراعيها لكل من هب ودب بل لكل عدو متربص لا يعرف الله ورسوله ولا يعطي قيمة لدين الله، عندئذ نبقى نتباكى في المسجد ونقول ربنا انصرنا. وربما يعاقبنا الله ولا ينصرنا لأن الله منح لنا فرصة للانتصار ولم نهتبلها، ولم نفهم دورنا ولم نكن إيجابيين، فلم نغتنم هذه الفرصة ولم نقم بالواجب الذي كان علينا».

وحول العلاقة مع السلطات، أفاد بأن «الصديق وعمر بن الخطاب قالا للأمة لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نقبلها. فلا بد أن نقول للمسؤول هذا حلال وهذا حرام، هذا حق وهذا باطل. نحن لا ندعو إخواننا للفوضى ولا ندعو إخواننا للتسيب، بل ندعوهم للانضباط واحترام القانون، أي القانون الذي لا يخالف شرع الله، القانون الذي ينظم حياتنا، ويجعل من أبناء شعبنا إخوانا مسلمين متعاونين متكاتفين متآزرين متحابين متلاحمين متحدين قائلين للمنكر لا».

وعودة للدور الاجتماعي في رمضان الذي يوصف بأنه الخزان الذي يوزع على بقية الشهور، أشار إلى أن الغرب استفاد من نظام الوقف الإسلامي، بينما تمت محاربته ومصادرته والاستيلاء عليه في تونس «ففي أوروبا عامة وفرنسا بالذات نجد أغلب الأعمال الاجتماعية والأعمال الخيرية يقوم بها عامة الشعب، عن طريق الجمعيات، وبما أن رمضان فرصة للتضامن والتكافل، حيث نجد الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمد يده في رمضان بالجود والكرم وكان أشد من الريح المرسلة، فلنتخذ من رمضان منطلقا للفعالية نتحد ونجتمع ونشكل لجانا أو جمعيات أو هيئات وغيرها لنتآزر من خلالها ونوحد أعمال الخير، والناس تحفظ إحسان المحسنين وتقدر مشيهم في حوائج الناس. ابن عباس قطع الاعتكاف ليمشي في حاجة أحد المسلمين، وقال (سمعت حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول من مشى في حاجة أخيه كتب له أجر الاعتكاف في مسجدي هذا شهرين)، هؤلاء الناس فهموا معنى الفعالية، والأمة في حاجة ماسة لهؤلاء الإيجابيين ونلتمس منهم الدروس».

وعن الأوقاف المصادرة في تونس والدور الاجتماعي الذي يمكن أن تسهم فيه مستقبلا بعد استردادها، تحدث الدكتور ضو عن ذلك بحسرة «كانت هناك أوقاف تعنى بالمرأة الغضبى، المرأة التي يغضبها زوجها لا تذهب إلى بيت أبيها وأمها، فلربما أشعلا نار الفتنة ويصل الأمر إلى الطلاق، وإنما تذهب إلى دار النساء الغضبى، تذهب إلى هناك لتستريح ويهدأ من روعها حتى تعود إلى بيت زوجها، وتمول هذه الدار من الأوقاف. وبعض الأوقاف تعنى بالمرضى بما في ذلك التهوين والتخفيف عن المرضى، وكانت هناك مطاعم خيرية فضلا عن المدارس والمستشفيات وغيرها». وعن سبب توقفها، أفاد بأن ذلك يعود لسببين «الحكام الظالمين المارقين الذين تزيوا بزي الإسلام وأظهروا على طرف اللسان حلاوة وأضمروا الكراهية للإسلام، ثم سلبية المحكومين قال تعالى (فلما آسفونا انتقمنا منهم)، وآسفونا بمعنى أغضبونا. كان على الناس ألا يسمحوا بمصادرة الأوقاف، فذهاب الأوقاف كان طامة كبرى، والحمد لله الذي أزاح عنا الظلمة الكبرى. والآن لا بد من خطوة لاسترجاع ماضينا واحترام الإنسان لأخيه الإنسان حتى لو اختلفنا في الآيديولوجيا».

وحول ثورة تونس أكد على أن «تونس لم تخط أي خطوة للأمام بعد الثورة.. الخطوة الكبيرة والأهم هي انتخابات المجلس التأسيسي وتوعية الناس بواجبهم حيال الانتخابات، فهي التي ستبني لمستقبل تونس، هي التي ستأتي بالأوقاف وبالجمعيات القانونية وبالحرية الكاملة، وتمنع الظلم وتحق الحق وتزهق الباطل إن شاء الله، فالانتخاب شهادة سيسأل عنها المسلم يوم القيامة».

كان رمضان هو أول رمضان بعد الثورة لذلك فهو «أول رمضان نشم فيه ريح الحرية، لكن هذا العام نرى الناس مستبشرين، هناك إقبال ما شاء الله على المساجد، صدمت بالحضور في أحد الأرياف فحمدت الله على ذلك، النساء كن على الأسطح، فقبل 20 سنة كان الحضور قليلا ونحو 90 في المائة من الحضور من الشيوخ، والآن 80 في المائة من الشباب»، كما يؤكد الدكتور ضو.