تناول أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، في أحد الدروس الرمضانية التي تنظم بالمغرب خلال شهر رمضان المبارك «الأبعاد التعاقدية للبيعة في تاريخ المغرب»، انطلاقا من قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، واعتبر التوفيق أن هذه الآية مؤسسة لموضوع البيعة، حيث يرى المفسرون أن سياقها هو ما أمر الله به من حكم بالعدل.
وتمحور الدرس حول الإجابة عن سؤال ما موقع البيعة من الدستور، وما موقع الدستور من البيعة. وقال المحاضر «للبيعة عقد وتعاقد بين الحاكم والمحكوم على امتداد تاريخ المغرب، والدستور اتخذته الأمة لضبط هذه العلاقة في النصف الأخير من حياته مع استمرار البيعة حاضرة في ضمير الأمة وعقيدتها». وقد أدرج لمعالجة موقع العلاقة بين البيعة والدستور ذكر البيعة في أصلها الشرعي، وذكر البيعة في تاريخها المغربي. حيث أبرز أن الآية تؤسس لعلاقة تعاقدية ثلاثية الأطراف، أولها أن مصدر التشريع هو الله ورسوله، وثانيها المحكومون الذين لهم مصالح في إجراء الأحكام، وثالثها هم الحكام بمختلف صفاتهم.
وشدد التوفيق على أن أهم ما يجمع بين البيعة والدستور هو المضمون المتمثل في تنصيص البيعة على الكليات الخمس، وهي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض، مشيرا إلى أن فصول الدستور الجديد تلتقي في الغايات مع المبادئ التي نصت عليها البيعة، وأنها تكاد تكون متطابقة. كما أوضح أن إدماج الدين في الدستور المغربي هو إغناء وملاءمة له، وفرصة جيدة وفعالة لتطبيق البيعة بشكل لم يسبق له مثيل، وأردف قائلا «لأن ما سيتحقق من الدستور من إصلاح للدنيا في جانب العدل والتنمية والحقوق سينعكس إيجابا على الدين»، مشيرا إلى حسن فهمه والاستفادة من وازعه، إذ إنه لا قيام للدين إلا بإصلاح الدنيا، فهذه الأخيرة هي التي فتنت الناس عن الدين في كل العصور.
وقال التوفيق إن «الشورى نزل بها القرآن ومارسها النبي والخلفاء الراشدون، وهي بالنسبة للمؤمنين واجب، وليست مجرد توصية أخلاقية».
وتولي الحكم، من وجهة نظره، يتم بإحدى طريقتين، أولاهما البيعة التي يقدمها الخاصة وهم أصحاب الحنكة والنظر في السياسة، والثانية ولاية العهد التي بدأت مع الأمويين، على أن المتولي لا يقبل إلا بعد تحصيل البيعة.
وأشار إلى أن إدارة الوثائق الملكية تتوفر على رصيد من نصوص بيعات سلاطين الدولة العلوية يقارب المائة بيعة، موضحا أن الباحث إذا نظر في هذه الوثائق وجدها صنفا مهيكلا كوثيقة تعاقد سياسي، فهي من إنشاء كبار العلماء ولغتها بديعية وصيغتها احتفالية، لكنها مع كل ذلك صارمة في النص على ما يقوم به مثل هذا العقد من الأركان.
وبخصوص ضمانات التزام المبايع بشروطه، قال التوفيق إن الجواب يتأتى باستعراض بعض وقائع التاريخ التي لها علاقة بالممارسة الفعلية للحكم في سياق البيعة، وأنه مما يعين على الجواب فحص مؤسسة الحكم المنبثقة عن البيعة وهو المخزن الذي «لو درس بعلم لبرز في سياقه التاريخي وإكراهاته كنظام ذي وجه إنساني في باب المعروف»، مشيرا إلى العديد من ملامحه ومنها صفة التفويض وصفة التفاوض والتحكيم في المنازعات ومراعاة الأعراف الضامنة لأنواع المعروف والأخذ بالعفو وإسدال التوقير والاحترام رعيا للخدمة أو العلم أو النسب الشريف وتعهد العلاقة الروحية مع الأمة وصيانة نظم الدولة وتراتيبها الإدارية والرجوع إلى المشاورين والنصحاء.
وقال إن النص على حماية الدين في الدستور المغربي يجعله متضمنا للبيعة من دون أن يتجاوزها، لأنها بقدر ما تدور على الشروط تدور على الشخص. وتطرق التوفيق في الختام إلى ثلاثة أمور، أولها أن القاموس الإسلامي يتضمن مصطلحا شعوريا لا ينبغي خلطه بمصطلح التقديس في التاريخ السياسي الغربي وهو مصطلح الحرمة في قوله تعالى «ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه»، وثانيها وجوب الالتفات في التشخيص السياسي إلى إشكالية العلاقة بين الوقائع والحقائق، بين المؤسسة والشخص. وثالث هذه الأمور أن الدين بشموليته جوهري لأنه يعطي المعنى للحياة.
يذكر أن «الدروس الرمضانية» التي يحضرها العاهل المغربي الملك محمد السادس، يشارك فيها علماء من جميع أنحاء العالم، وتتطرق إلى قضايا راهنة من منظور إسلامي.