المركز الثقافي الإسلامي في لندن الملجأ الكبير للجالية المسلمة لاستعادة روحانية الحياة الدينية

يقدم المساعدات المالية والاجتماعية ويفتح أبوابه لغير المسلمين طوال العام

المركز الثقافي الإسلامي في لندن من المعالم الإسلامية المهمة بالعاصمة البريطانية («الشرق الأوسط»)
TT

على وقع أصداء صوت القراء الأزهريين المجددين لمدرسة القراء المصريين، الأعلام، المنشاوي وعبد الصمد والحصري، تكسو أجواء الروحانية مسجد المركز الثقافي الإسلامي في وسط العاصمة البريطانية لندن، وسط توافد الألوف من الجالية المسلمة لأداء الصلوات، ومتابعة المحاضرات، وكذلك الأنشطة الاجتماعية والعامة. ويعيش المركز الثقافي الإسلامي في لندن موسما حافلا بالأنشطة الدينية على مستوى العام، وفي شهر رمضان المبارك على وجه الخصوص.

ويشعر الداخل لمقر المركز بهذه الروحانية للمساحة الكبيرة المخصصة له، بالإضافة إلى تصميمه الإسلامي المتميز ويتكون المركز من المسجد، ومبنى الإدارة، وقاعات المحاضرات، ومتجر الكتب، والمطعم، بالإضافة إلى حديقة ومواقف للسيارات، وهو ما يؤهله ليكون مرجعا مناسبا وحيويا للجالية المسلمة في لندن، ويحتوي المركز على 15 موظفا، بخلاف المدرسين الذين يدرسون المواد الإسلامية والعربية في عطلة نهاية الأسبوع (السبت والأحد) في بريطانيا، وصل عددهم أيضا لـ15 مدرسا.

ويُعترف بالمركز الثقافي الإسلامي كمؤسسة بريطانية إسلامية كبيرة، تعد من أوائل المؤسسات الإسلامية في لندن، وتتمتع بشهرة واسعة خاصة بين أفراد الجالية المسلمة، ويدعمه في ذلك موقعه الاستراتيجي، حيث يقع في وسط العاصمة البريطانية تقريبا. وافتتح المركز منذ وقت طويل، حيث كانت بداياته عام 1944.

وتضم المنطقة التي يقع فيها المركز كثيرا من الجالية المسلمة، ويسهل تواصلهم مع المركز في ظل وجود مساحات كبيرة بجوار المسجد التابع للمركز، حيث مواقف للسيارات، ولذلك يتوافد الألوف للمركز طوال العام ويزدادون في شهر رمضان المعظم الذي يحرص المسؤولون خلاله على تقديم بعض البرامج منها محاضرة يومية يلقيها عدد من المتخصصين، سواء عن الجوانب الدينية أو الجوانب الحياتية الأخرى كالصحة والعلاقات الاجتماعية، وتستمر طوال شهر رمضان، كما أنه يقدم 800 وجبة إفطار صائم يوميا، لتتجاوز الألف وجبة خلال عطلة نهاية الأسبوع، بالإضافة إلى وجود مطعم يقدم وجبات قيمة وبسعر مناسب للموجودين في المسجد، ما بعد صلاة المغرب وحتى وقت متأخر من الليل.

ويحرص المركز الثقافي الإسلامي على وجود عدد من القراء المعروفين لإمامة الصلوات في المركز على مدار السنة، لا سيما في شهر رمضان، ويتداول على المركز الكثير من القراء المشهورين من مختلف الدول الإسلامية، ووجد في هذا العام مجموعة من قراء الأزهر المعروفين، أمثال الشيخ الشحات شاهين، والشيخ محمود عصفور، كما تساهم وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية، بإرسال عدد من الدعاة وكذلك القراء للمساعدة في التناوب على إمامة صلاة التراويح، مثل الشيخ عبد الرحمن بن عبد الكريم، والشيخ محمود عبد الحي، والشيخ محمد عبد السلام، وتشارك مؤسسة الحسن المغربية من المغرب في إيفاد بعض القراء أيضا، والهدف من تنويع الأئمة هو سماع قراءات مختلفة، وكل شيخ حسب أجوائه الخاصة به، والتي توفر الخشوع والأجواء الروحانية بطعم مختلف للمصلين، الذين يتفاعلون مع جهود المركز بحضور عدد كبير منهم.

ويحرص عدد من الجالية المسلمة على نشر نسخ القرآن الكريم في بريطانيا، ولذلك يجدون دعما كبيرا من المركز الثقافي الإسلامي في ذلك، حيث يستفيد المركز الإسلامي من الأعداد الكبيرة من المصاحف التي تصله من مركز الملك فهد لطباعة المصحف، ويدعم هذا التوجه وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية، وكذلك مكتب الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة السعودي، ليقوم المركز بتوزيعها على الجالية المسلمة التي تساهم في نشر القرآن الكريم، في طباعة ذات جودة عالية وبمختلف اللغات، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل هناك عدد من الكتب الدينية التي يجدها مرتادو المركز الإسلامي، وكذلك المساجد في لندن، والمراكز الإسلامية الأخرى والمدارس وبعض السجون.

وفي مناسبات عديدة على مدار السنة وتزداد في شهر رمضان يتم توزيع التمور والتي تعد رمز الوجبات الغذائية لدى المسلمين، ويأتي ذلك بدعم من الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، ويستفيد من ذلك مجموعة من الجمعيات والمساجد والمراكز الإسلامية في بريطانيا.

وطمعا في دعم الأسر المسلمة المحتاجة، فإن المركز الثقافي الإسلامي في لندن لديه لجنة متكاملة في تحصيل الزكاة، وتوزيعها على المحتاجين من الجالية المسلمة، كما هو الحال مع زكاة عيد الفطر التي تستقبلها جمعيات الإغاثة، وجمعيات الأيتام.

وكون مجلس الأمناء للمركز يتكون أعضاؤه من مجموعة من سفراء الدول الإسلامية والعربية والخليجية بقرابة الـ19 دولة، فهذا يهيئ دعما ماديا جيدا للمركز، كما يشير مديره الدكتور أحمد الدبيان الذي وضح: «سفارات الدول العربية عامة، لا سيما الخليجية تقدم دعما جيدا لنا في المركز وهو ما يساعدنا كثيرا في تقديم شيء من رسالتنا وواجبنا تجاه الجالية المسلمة، والحقيقة أن الدعم المكثف الذي يأتينا من دول الخليج في مقدمتها السعودية، يجعلنا نشعر بمزيد من الاطمئنان حول قدرتنا على مواصلة التواصل مع الجالية المسلمة، وما يقوم به الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز السفير السعودي في لندن من اهتمام وتواصل مع المركز، هو بمثابة التميز لمركزنا، ولا تقل أهمية علاقاتنا الأخرى مع دول مثل باكستان ومصر والمغرب والأردن واليمن والكويت وعمان والإمارات وقطر والبحرين وغيرها من الدول الإسلامية الأخرى».

ويتمتع المركز الثقافي الإسلامي في لندن بمصداقية ومكانة ما بين عدد كبير من الجالية المسلمة في بريطانيا، وكذلك الدوائر الرسمية في بريطانيا كوزارة الخارجية، والداخلية وعدد من الدوائر المدنية التي تعنى بالجانب الاجتماعي، ويرتبط بعلاقات أخرى مع جمعيات ومنظمات إسلامية أخرى، والتي تستفيد من مقر المركز في تنفيذ بعض البرامج، كما هو الحال مع رابطة العالم الإسلامي التي نظمت برنامج «نبي الرحمة» الذي يهتم بالتعريف برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يشمل ذلك معرضا دائما يسلط الضوء على كل ما يتعلق بالرسول الكريم، ويدعم المعرض البرنامج العالمي للتعريف بالنبي محمد ونصرته.

وتتنوع مساعدات المركز الثقافي الإسلامي في لندن للجالية المسلمة بأشكال أخرى، فعلى سبيل المثال يقدم المركز المصاحف والكتب للمراكز الإسلامية الأخرى، وكذلك المساعدات المالية أيضا. ويشير الدكتور الدبيان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك بعض السجون أيضا تقدم طلبات لمساعدات مالية لبعض مساجينها من الجالية المسلمة، ونحن نبادر في ذلك، ولدينا إمام من المغرب مختص في جوانب السجون، ولذلك يتوجه لها ويوفر برامج إرشادية للمساجين ومساعدتهم بدعم من المركز، كما أن المركز يقيم دورات للتعريف بالإسلام لعدد من الإدارات الحكومية البريطانية، كما حدث مع شرطة لندن، وموظفي قصر باكنغهام، وموظفي البريد.

ويلقى الجانب التعليمي نصيبه من الاهتمام من قبل القائمين على المركز، حيث تم تهيئة مدرسة خاصة لدراسة العلوم الدينية للطلبة الذين لا يدرسون المواد الإسلامية ومواد اللغة العربية في المدارس البريطانية الأخرى، ويأتي ذلك على مدار يومين هما عطلة نهاية الأسبوع، وتتعاون أكاديمية الملك فهد في لندن، لاستضافة البرنامج المعد من قبل المركز الإسلامي في مقر الأكاديمية، كما أن المكتبة العامة في المركز والتي تضم أكثر من 18 ألف كتاب ومجلد تفتح أبوابها على مدار السنة لمرتاديها.

ويعلق الدكتور أحمد الدبيان «نحن نجتهد للقيام بدورنا، ولكننا لا نستطيع بمفردنا تغطية كافة احتياجات الجالية المسلمة، فالجالية تكبر مع الوقت وتكبر احتياجاتها معها، وأتوقع أن الجانب التعليمي هو أهم احتياجات الجالية المسلمة، وأنا لا أقصد الجانب الديني كأداء الصلوات وبناء المساجد، فهذه متوفرة نسبيا ولله الحمد، ولكن أقصد الجانب التعليمي البحت، فهذا هو الجانب الأهم الذي يواجه الجالية بجانب الوضع الاجتماعي والمتعلق بالحفاظ على بناء الأسرة المسلمة».

ولا تتوقف خدمات المركز عند الجالية المسلمة، بل تتعدى ذلك تجاه غير المسلمين، حيث تقام ندوات حوار الأديان بصورة دورية مع عدد من أتباع الديانات الأخرى كالهندوسية، والنصرانية، وكذلك اليهودية، وهذه الخطوة شجعت الكثير من غير المسلمين للقدوم إلى المركز لطرح بعض الأسئلة أو إبداء الصورة التي يحملونها عن الإسلام والتي تكون مشوهة في غالب الأحوال إعلاميا، ويتاح لهم من قبل المركز مشاهدة المسلمين وهم يؤدون الصلوات الأخرى، وكذلك بعض الجوانب الأخرى كقراءة القرآن، واستماع الخطب. ويكشف منسوبو المركز للسائلين الصورة الحقيقية للإسلام، ويهدف المركز إلى إظهار حقيقة الدين الإسلامي كخطوة أساسية، حتى في عدم رغبة السائلين اعتناق الدين، ومع ذلك فإن المعدل السنوي للذين يعلنون إسلامهم لدى المركز يقارب 350 فردا، بحسب مدير المركز الدكتور الدبيان.

وكنتيجة للجهد الذي يقوم به المركز الثقافي الإسلامي في لندن مع غير المسلمين، فإن هناك الكثير ممن يتأثرون بسماحة الدين ليعلنوا إسلامهم، ويحرص المركز على استمرار التواصل مع هذه الفئة، من خلال دورات وبرامج توفر لهم، ويطلق عليها برامج المسلمين الجدد، يتم خلالها تقديم الدعم والاجتهاد في حل كافة الإشكالات، بما فيها الإشكالات الفكرية والاستفسارات كمسلمين جدد.

ويرى عدد من الجالية المسلمة أن المركز الثقافي الإسلامي في لندن بمثابة شريان الترابط مع بقية الجمعيات والمراكز الإسلامية الأخرى، وقد تكون هذه الرؤية قد تفعلت بعد أن نجح المركز بجهود مشتركة مع بقية الأطراف في الوصول إلى مواقيت موحدة سواء لبدء شهر رمضان المبارك أو عيدي الفطر والأضحى، وكذلك فيما يتعلق بأوقات الصلوات في بريطانيا، خاصة أن المواقيت مختلفة من مسجد لآخر باختلاف المذاهب، وهو من شأنه أن يؤدي إلى قلة المصلين في المساجد بسبب تأخر بعض المواقيت، لا سيما صلاة العشاء التي تؤدى في وقت متأخر في بعض المساجد، في ظل ارتباط المصلين بأعمال في أوقات مبكرة في اليوم التالي.

وأوضح مدير المركز الثقافي الإسلامي في لندن ما حدث: «بالنسبة للأهلة فإن أغلب المسلمين في العالم يعتمدون على رؤية مكة المكرمة، فإذا رؤي الهلال هناك، وبدأ الصيام في السعودية، وكذلك فيما يتعلق بالأعياد، وقد تمسكنا نحن في المركز الثقافي الإسلامي في لندن بهذا الرأي الذي يسير عليه أغلب المسلمين، وفيما يتعلق بمواقيت الصلاة، فقد حصل شبه إجماع في بريطانيا على رأي حزب العلماء الذي اجتهد في متابعة الشفق والشروق والغرب، بالعين المجردة، ليتم تحديد التوقيت الجديد، وهذا فيه يسر كبير ولله الحمد، وهذه مسألة اجتهادية وهناك بلا شك آراء أخرى».