الإفطار الجماعي في المساجد بالسعودية.. عادة لا تنقطع وتحرص الأجيال على تناقلها

تقوم في الغالب على التطوع وفاعلي الخير

في السعودية الإفطار في المسجد بات عادة تتناقلها الأجيال (تصوير: خضر الزهراني)
TT

تتسع مهمة المساجد خلال شهر رمضان المبارك في السعودية تحديدا لتشمل الندوات والمحاضرات وموائد الإفطار، بعد أن اقتصرت مهمتها على أداء الصلوات والعبادة طوال العام، فتجدها تضم خلال الشهر الكريم جموعا غفيرة على موائد الإفطار من مختلف الأقطار والجنسيات، حتى بات الإفطار الجماعي في المساجد معلما بارزا خلال شهر رمضان.

وأكثر ما يجمع هؤلاء الصائمين على الموائد الرمضانية في المساجد بحثهم عن الأجواء الأسرية التي يفتقدونها في الشهر الكريم، لا سيما أن رمضان ينفرد عن باقي الشهور بميزة جمع الأهل والأصدقاء والمعارف.

وتعتبر ظاهرة الإفطار في المساجد ظاهرة قديمة جدا، حيث يقول صالح المدفعي «كنا نذهب لصلاة المغرب حاملين بعضا من التمر واللقيمات، وننتظر أذان المغرب في المسجد ونفطر مع الجيران، ثم نعود بعد الصلاة إلى منازلنا لإتمام الإفطار مع الأسرة».

واستطرد المدفعي «الآن تطورت هذه العادات الحسنة خلال السنوات الأخيرة حتى أصبح أهل الخير يسارعون إلى تفطير الصائمين في المساجد من خلال الموائد والسفر الرمضانية».

واعتبر المدفعي أن تلك الظاهرة عادات قديمة يجب أن تعمل الأجيال على المحافظة عليها، حيث تم الاعتياد عليها في الأحياء، لا سيما أن الصلة أصبحت منقطعة هذه الأيام بين سكان الحي الواحد، معتبرا الأمر يعود بسعادة غامرة عندما يرى أهالي الحي مجتمعين على مائدة الإفطار في المساجد ينتظرون أذان المغرب.

وظاهرة الإفطار في المساجد ظاهرة محمودة لما فيها من التعاون على البر والتقوى، لا سيما أنها سبب لجمع الناس على صلاة الجماعة في المسجد، إضافة إلى إطعام للفقراء والمساكين، وأجر إطعام ابن السبيل الذي يمر من الحي ويفطر مع سكانه.

إلا أن المسن يوسف الذي يسكن أحد أحياء مدينة جدة والذي لا يزال محافظا على الذهاب للمسجد قبل أذان المغرب حتى لا تفوته صلاة الجماعة، يستنكر بعض المساجد التي تقوم بفرش السفر داخلها، وإن كان في مكان محدد، كونها تعمل على تلوث المصلى ويقول: «لا بأس بإحضار حبات من التمر واللبن والماء للإفطار في المسجد، ولكن هذه الوجبات وإن كانت بسيطة فإنها تلغي مكانة وقدسية المسجد وتلوثه، فيجب على المسؤولين تشديد الرقابة لمنع تلوث المساجد».

بينما يرى محمد أحمد أحد المسؤولين عن موائد الإفطار في مسجد الإحسان بالبلد أن ضيوف هذه الموائد غالبا ما يكونون من المغتربين الذين تركوا أسرهم وذويهم بحثا عن عمل، أو من المواطنين الذين وجدوا في إفطار المساجد جوا أسريا افتقدوه في منازلهم، وهناك بعض من أهالي الأحياء يجدون في إفطار المساجد فرصة لتوثيق صلة الجيران ببعضهم البعض.

وأضاف «من ضيوف هذه الموائد أيضا بعض المارة الذين لم يسعفهم الوقت للذهاب لبيوتهم ومشاركة أسرهم الإفطار فيجدون في موائد المساجد ما يقضي حاجتهم، ومهما كانت الأسباب فجميعها تعني أن شهر رمضان هو شهر التكافل والمودة والتقارب بين أبناء الأمة».

وفي نفس السياق يقول حاتم علي أحد الشباب المتطوعين لتجهيز الإفطار في المساجد طيلة شهر رمضان «هذه الولائم هي لضيوف الرحمن وليست مخصصة للمحتاجين فقط، بل تتسع لتشمل أهالي الحي الواحد وبعض المارة الذين يضطرون لأي سبب أن يفطروا بعيدا عن أسرهم، إضافة إلى المغتربين الذين يقضون الشهر الكريم بمفردهم».

وأضاف علي «هناك الكثير من سكان الحي الواحد يعمدون إلى الإفطار في المسجد مع جيرانهم ومعارفهم، ولكن لا يقتصر الإفطار في المساجد على الأجانب والعمالة الوافدة، لا سيما أن هناك الكثير من السعوديين الذين يفضلون الإفطار في مسجد الحي مع الجيران والمعارف إذ يجدونها فرصة للتقرب من الجيران وتبادل الأحاديث معهم».

وتتهيأ المساجد قبل دخول شهر رمضان لاستضافة أهالي الحي على مائدة الإفطار يوميا، وذلك بتخصيص زوايا خاصة داخلها أو خارجها لوضع الموائد الرمضانية، بالتعاون مع جهات خيرية كالجمعيات والمستودع الخيري وفاعلي الخير الذين يتكفلون بتوفير هذه الوجبات بالكميات المناسبة طيلة أيام الشهر الكريم من خلال التنسيق مع القائمين عليها، حيث قدم المستودع الخيري بجدة حتى الآن ما يقارب (192000) وجبة إفطار للصائمين في 18 مسجدا موزعة على 14 حيا، إضافة إلى 6 مستشفيات، والمنافذ البحرية والبرية كما شملت هذه الوجبات المسلمين الجدد في مكاتب الجاليات، وتحتوي جميعها على (ماء وتمر ورز ودجاج وسمبوسة وعصيرات وفواكه وألبان).

وأوضح فيصل عبد الرحمن الحميد المدير العام للمستودع الخيري بجدة لـ«الشرق الأوسط» أنه روعي في التخطيط لبرنامج «إفطار وإعمار» المنفذ من قبل المستودع أن يقدم ميزة خاصة للمتبرعين، وذلك باستقطاع جزء من تبرعاتهم للمساهمة في مشروع الوقف الخيري كأجر دائم لا ينقطع، إضافة إلى أن ينفذ وفق خطة متكاملة من خلال تكليف عشرات الفرق الميدانية والمكونة من أكثر من 200 شخص يتولون مختلف أعمال البرامج الرمضانية، إضافة إلى تحديد مواقع المستفيدين وعدد الوجبات المطلوبة بدقة ووضوح، مستندين بذلك إلى نتائج وبيانات عمليات البحث الميداني التي يتم تحديثها بشكل مستمر.

ويتم التحضير لهذه الولائم بعد الانتهاء من صلاة العصر، حيث تفترش أراضي المساجد بسفر طويلة لا تخلوا مكوناتها من الماء والتمر واللبن والسمبوسة والشوربة، إضافة إلى وجود طبق رئيسي يومي، ويتعاون المواطنون والمقيمون وممثلو الجمعيات الخيرية على توزيع السفر والوجبات في المساجد.

إلى ذلك يقول محمد أحمد «نستعد قبل شهر رمضان المبارك لاستقبال التبرعات الخاصة بإفطار الصائمين ونحدد الجهات التي تتكفل بإحضار هذه الوجبات ويتم ذلك بالتنسيق مع إمام المسجد».

وأضاف أحمد «نستقبل في بعض الأحيان وجبات إفطار من أفراد دون الحاجة للجمعيات الخيرية إذ يتبنى أحد فاعلي الخير إحضار وجبات الإفطار طيلة الشهر الكريم وتكون هذه الوجبات شاملة المياه والعصائر والتمور واللبن وحتى الأكواب والأطباق إضافة إلى الطبق الرئيسي.

ويبين محمد أنهم يبدأون بتجهيز هذه الولائم بعد صلاة العصر مباشرة، حيث يحضر المتطوعون من شباب الحي ويتقاسمون العمل بينهم ويبدأون بفرش السفر خارج المسجد ووضع الوجبات عليها، وبين أن عدد الوجبات التي يقدمها المسجد تتراوح من 150 إلى 180.

وقال: «عادة ما تحدد كمية الوجبات والولائم وفقا لعدد المفطرين وأهالي الأحياء وأحيانا وفقا لمساحة المسجد في حال تم تخصيص زاوية أو ركن للإفطار داخله».

وحول القائمين على تحضير هذه الولائم في المساجد، يقول حاتم «إن أغلب القائمين على ذلك هم من شباب الحي المتطوعين يتعاونون طيلة الشهر الكريم على تجهيز سفر الطعام الخاصة بالمسجد، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الألفة بين أهالي الحي الواحد كما يساعد على التعارف بينهم، لافتا إلى أن بعض الجهات المتبرعة أحيانا تقوم بتكليف أشخاص يعملون على تجهيز هذه السفر».