نحو تفسير أسهل (24)

د. عائض القرني

TT

إلا ما شاء الله أن ينسخه من القرآن فإنه سوف ينسيك إياه حكمة منه؛ لأنه يعلم ما ظهر وما خفي، فهو أعلم بمصالح العباد ومآل الأمور وأسرار الأشياء.

((وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى)) [الأعلى:8].

ونوفقك في كل أمورك لأيسر الطرق، وأسهل السبل، فسيرتك سمحة، ودعوتك رحمة، ورسالتك بشرى.

((فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى)) [الأعلى:9].

فانصح الناس، وأرشدهم إلى الحق، وادعهم إلى الهدى إذا نفعت الموعظة، وجد في النصح.

((سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى)) [الأعلى:10].

سيستقيم من نصحك التقي، ويعرض الشقي، فمن خاف ربه نفعه الوعظ وأيقظه الزجر، ونبهه التذكير؛ لأن في قلبه حياة، وفي نفسه فطرة سوية وبقية من نور.

((وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى)) [الأعلى:11].

وسوف يهمل تذكيرك كل شقي فاجر، فلا ينصت، ولا يعي، ولا يفقه، ولا يلين قلبه؛ لأنه مطموس القلب، أعمى البصيرة، مظلم النفس، لا أمل في صلاحه.

((الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى)) [الأعلى:12].

فهذا الفاجر الكافر جزاؤه نار جهنم تحرقه بلهيبها، وتشويه بوقودها، وتصهره بنارها؛ لأنه حارب الملة، ورد الوحي، وكذب الرسول، وأمعن في الضلالة.

((ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا)) [الأعلى:13].

هذا الكافر لا يموت في النار، حتى لا يستريح من العذاب، ولا يحيا حياة طيبة، بل هو في أشد العذاب، فهو في النكال مقيم في سواء الجحيم، وأنكد العيش على الإنسان يوم لا يكون حيا فيرجى، ولا ميتا فينعى.

((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)) [الأعلى:14].

ظفر والله وفاز برضوان الله وثوابه، وصارت الجنة مأواه من طهر نفسه من الذنوب وبرأها من العيوب، وأخلصها لعلام الغيوب.

((وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) [الأعلى:15].

وذكر اسم ربه بقلبه ولسانه، وصلى لربه بأركانه، فعبادته قولية وفعلية وبدنية، وذكر الصلاة؛ لأنها عمود الدين، وقرة عيون العابدين.

((بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) [الأعلى:16].

بل تقدمون حب الدنيا على حب الآخرة، فتفضلون الفانية على الباقية، وتعملون للعاجلة وتتركون الآجلة.

((وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) [الأعلى:17].

والآخرة خير وأبقى من الدنيا، فهي دار البقاء والنعماء وحسن الجزاء، والدنيا دار الفناء والبلاء والضراء.

((إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى)) [الأعلى:18].

إن هذا الوحي المحكم والكلام الكريم الحافل بالوصايا النافعة والنصائح المفيدة موجود في الكتب المنزلة التي سبقت القرآن نزولا.

((صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)) [الأعلى:19].

وهي صحف إبراهيم، وصحف موسى، التي أوحيت إليهما من الله، وذكرا - عليهما السلام - لأسبقيتهما وفضلهما، فالرسل والكتب متفقة على محاسن الأخلاق وفضائل الأعمال.