عمال البناء والأفران ومصانع الحديد في المغرب الأكثر معاناة خلال نهار رمضان

تزامن الصيف مع الشهر الفضيل خلال هذه السنة جعل صومهم صعبا

عمال بناء يعملون في نهار رمضان القائظ في المغرب (تصوير: أحمد العلوي المراني)
TT

ثمة مهن شاقة يعاني أصحابها كثيرا في نهار شهر رمضان الكريم خلال هذه السنة، نظرا لتزامن الشهر الفضيل مع ذروة فصل الصيف. يتحمل أصحاب هذه المهن جوعا وعطشا فوق طاقتهم، أمام لهيب النار التي يقفون أمامها في مصانع الحديد والصلب أو محلات الحدادة أو أمام أفران الخبز أو تحت هجير الشمس في مواقع للبناء.

وقال رشيد عيداوي وهو شاب في عقده الثالث، ويعمل بأحد أفران الخبز في حي يعقوب المنصور المأهول بالسكان في العاصمة المغربية «أغلب عمال الأفران يفضلون العمل في المساء، بعد الإفطار أو عقب صلاة الفجر مباشرة». ويؤكد أن الطاقة الإنتاجية لبعض عمال الأفران تقل في رمضان، الأمر الذي يستدعي أحيانا زيادة أجرتهم لإغرائهم بالعمل، خاصة أن الإقبال على الخبز والحلويات يكون كبيرا خلال رمضان. وعلى الرغم من الإغراء المادي فإن ذلك لا يكون كافيا لإقناعهم بالعمل أمام حرارة فرن مرتفعة في نهار صيف قائظ.

وبالنسبة لعمال البناء يبدو الوضع أكثر صعوبة. وفي هذا السياق يقول أحمد العياشي، وهو عامل بناء يعمل في بناية في طور التشييد بالرباط، إن هناك عمالا في هذه المهنة يجدون أنفسهم في حالة صعبة بين إكمال صيامهم، أو مواصلة العمل، وقال إن قليلين جدا الذين يعملون اليوم بأكمله. وحول طرق التغلب على حرارة الطقس، يقول العياشي «لا يوجد لدينا أي حل، وفي الغالب لا نستطيع أن نكمل عملنا». لكن العياشي يقول «إن هناك من يضطرون إلى العمل ليلا، حيث يشرعون في العمل بعد صلاة التراويح مستعينين بالأضواء الكاشفة، ويستمرون في العمل حتى الساعات الأولى من الفجر، أو قبل موعد السحور». ويروي حسين نفري بعض تفاصيل يومه الرمضاني في أشغال البناء قائلا «بعد تناول وجبة السحور وأداء صلاة الفجر ننطلق إلى عملنا نسابق ضوء النهار، ونعمل في الغالب خلال الفترة التي تمتد من الفجر حتى قبل منتصف النهار».

وعلى الجانب الآخر، يقول عمر الخادري وهو مقاول بناء «ليس في استطاعتي التوقف عن العمل أثناء رمضان لأنني في حاجة إلى استمرار العمل من أجل تسديد نفقات كثيرة». وأضاف أنه ومع العمال الذين يعملون معه خلال شهر رمضان يعملون بطاقة أقل بكثير من الأيام العادية، متجنبا بذل جهد كبير حتى لا تخور قواه في ساعات الصوم.

يعمل لحسن العافي وهو حارس لبناية قيد الإنشاء، على تلطيف حرارة الصيف بطرق تقليدية مستخدما قطعة قماش يضعها في إناء ماء ثم يغطي وجهه أثناء النوم فوق سرير متواضع داخل خيمة نصبها بجوار البناية آملا في أن تحد نسمات الهواء الباردة من وطأة حرارة الطقس. عادة ما يستيقظ العافي في الصباح الباكر لمتابعة عمال البناء وحراسة المعدات، وهو يقول إن عمله المستمر في الحراسة لا يجعله يتقاعس عن أداء واجباته الدينية إذ يواظب على أداء الصلاة في المسجد القريب من البناية. مشكلة العافي أنه يضطر في النهار إلى البقاء تحت أشعة الشمس خارج البناية، يراقب كل شيء في حين ينهمك عمال البناء في عملهم المعتاد، وهذه هي الفترة الشاقة في نهار الرمضان.

وهناك آخرون يعملون في ظروف أكثر قسوة من عمال البناء وأفران الخبز، وهم عمال أفران صهر الحديد التي تصل درجة حرارتها إلى معدلات قياسية، وفي هذا الإطار يعتقد هشام الصبار الذي يعمل في مصنع للحديد والصلب في حي بن سودة في فاس (وسط المغرب) أن «مهنة الوقوف أمام أفران الحديد والصلب للصهر من أكثر المهن مشقة في العالم، ومن يشك في ذلك ليجرب الوقوف أمام الفرن ولو لساعة واحدة، وإذا كان صائما فإن المعاناة لا توصف». والمفارقة أن العاملين في هذه المهن يقضون عشر ساعات يوميا أمام الجحيم، ويجري اختصار هذه الساعات لثماني ساعات خلال شهر رمضان الكريم، لكن هناك أيضا الساعات الإضافية حيث يلزم العمال على العمل أحيانا في النهار أو الليل، حتى خلال شهر رمضان بسبب ضغط الطلب.

يقول الصبار إن كثيرا من العاملين في هذه المهن يعانون أمراضا بسبب ارتفاع معدلات حرارة الأفران، وتزداد معاناتهم خلال شهر رمضان، مشيرا إلى أن أغلب العمال في هذه المهنة يتعرضون لمخاطر بسبب الصيام والمجهود الشاق الذي يقومون به، وهو يرى أن الحل هو خفض ساعات العمل وزيادة عدد العمال.