د. حسن الهنداوي لـ «الشرق الأوسط»: التفكر والتدبر والتذكر الوارد في القرآن هو المعرفة.. والجهل نسيان

علاقة المسلم بالقرآن في رمضان تتسم بالحميمية لا الهجران

د. حسن الهنداوي.. وخصوصية العلاقة بين القرآن ورمضان («الشرق الأوسط»)
TT

علاقة المسلم بالقرآن الكريم في شهر رمضان المبارك، سؤال يتردد مع كل موعد جديد مع الشهر الفضيل المختلف في كل شيء عن بقية الشهور، كما تتسم العلاقة بين رمضان والقرآن بخاصية فريدة، فشهر رمضان، كما قال الداعية الإسلامي الدكتور حسن الهنداوي لـ«الشرق الأوسط»، «هو شهر القرآن، فالله سبحانه وتعالى اختار هذا الشهر من بين اثني عشر شهرا لينزل فيه القرآن (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، ثم بين أنه (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه) و(إنا أنزلناه في ليلة مباركة) و(إنا أنزلناه في ليلة القدر). وهذا النزول كان نزولا كليا، بمعنى أن القرآن العظيم نزل جملة واحدة، كما ذكر العلماء، من بيت العزة، ومنها نزل منجما على مدى 23 سنة». وكان بالإمكان التغاضي عن ذكر القرآن في الحديث عن صوم رمضان، «ذكره لم يكن اعتباطا وإنما لحكمة تلازم العلاقة بين الصوم والقرآن، بين رمضان والقرآن، فالصائم يجب أن يتذكر أن رمضان مرتبط بنزول القرآن، وكذلك حياته يجب أن تكون ترجمة للقرآن الكريم، ولكم في رسول الله أسوة حسنة، فقد كان خلقه القرآن كما روي عن السيدة عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها». وقال الدكتور الهنداوي إن هذا القرآن أنزل للتدبر وإن تدبره يورث الخشية من الله تعالى، «قال تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس)، فقراءة القرآن تحقق الخشية، أو أن الغاية والهدف من قراءته هو تحقيق الخشية، كما أن الغاية والهدف من الصوم هو تحقيق التقوى. قال تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، و(لعل)، تعني أن الحكمة والغاية والقصد من ذلك هو حصول التقوى. والعبادة وتقوى الله هي الغاية من إرسال الرسل بل من خلق الإنس والجن، قال تعالى (وما خلقت الجن الإنس إلا ليعبدون)، فالغاية من الخلق هي العبادة، والغاية من العبادة حصول التقوى. ففي سورة البقرة (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)، أي اعبدوا من أجل حصول التقوى».

وأضاف «رمضان دورة سنوية موسمية لتحقيق قصد التقوى، لذلك يمثل الصيام وقراءة القرآن دفعا هائلا باتجاه القصد... على كل مسلم أن يسأل عن العلاقة بينه وبين رمضان والقرآن أو علاقته بالقرآن في رمضان شهر القرآن، فعلاقة المسلم بالقرآن في رمضان يجب أن تكون حميمية كعلاقة رمضان بالقرآن تماما، مع العلم أن علاقة المسلم بالقرآن يجب أن تظل قوية، ولكن في رمضان أوجب. والرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله عنه (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) كان أعبد الناس في رمضان وغير رمضان، ولكن في رمضان تزداد طاعته لله وعبادته له، فقد روى الصحابة أن (الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان)، فهو في العام كله عابد طائع منفق، ولكن في شهر رمضان تزداد عبادته وطاعته وذكره وقراءته للقرآن، بل يزداد في العشر الأواخر من رمضان اجتهادا في العبادة أكثر من سائر أيام الشهر، فيعتكف في العشر الأواخر من رمضان، يشد مئزره ويوقظ أهله، لذلك لا بد أن تكون علاقة المسلم بالقرآن أقوى في رمضان من سائر الأيام».

وأوضح الدكتور الهنداوي أن «رمضان هو تدريب الإنسان نفسه على تقوية العلاقة مع القرآن للتزود لبقية الشهور الأخرى، أي خزان يقوي روافد الإنسان الروحية بالقرآن في بقية شهور السنة، ويعطيه حماسا وشحنة تقويه على تحسين العلاقة مع القرآن الكريم. كيف نفهم هجر البعض للقرآن الكريم (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)؟! شهر رمضان محطة للتزود (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا)، لذلك جعل الله محطات يتزود منها، (الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن)، فهناك محطات يومية هي الصلوات الخمس ومحطات أسبوعية هي الجمعة ومحطات موسمية هي رمضان لتكفير خطايا بني آدم».

وقال «شهر رمضان شهر التقوى وشهر التزود من هذه التقوى لبقية الشهور الأخرى.. الإنسان مهيأ في رمضان برحمة الله تعالى لهذا الغرض وهو غرض التزود من التقوى، ففتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار وتصفيد الشياطين في الشهر الكريم لإعانة الإنسان على التزود من رمضان لرمضان ولغيره من الشهور. ونلاحظ هذا التغيير في سلوكيات كثير من المسلمين في رمضان، فهناك من يقلع عن شرب الخمر في رمضان، وهناك من يصلي ولم يكن يصلي من قبل، ولكن الفائز من هؤلاء هو من أقلع ببركة شهر رمضان وعزيمته عن شرب الخمر وواظب على الصلاة بعد رمضان، وهؤلاء من حصلت لهم التقوى بفعل الصوم وبركة القرآن وشهر رمضان. ومن عاد لما كان عليه، يعني أنه لم يتزود ولم ينتفع بالفرصة التي أتاحها الله سبحانه له ولغيره في رمضان من فتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار وتصفيد الشياطين والمناداة: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر». وأشار الدكتور الهنداوي إلى أن ابن القيم قسم هجر القرآن على 5 مراتب، وهو هجر السماع، وهجر التلاوة ، وهجر التداوي به، وهجر العمل به، وهجر التدبر «هجر السماع هو الإعراض عن سماع القرآن وهو خلاف الاستماع الخاص بقراءة القرآن في الصلاة. وهو على عين الفرض والوجوب لقوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)، فالغاية والقصد من الاستماع إلى القرآن هو حصول الرحمة. أما الصوم فلحصول التقوى. ومن على قلوبهم أقفالها فبعضهم يسرع لإقفال الجهاز عند سماع القرآن، وهو تشبه بالكفار (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون). النوع الثاني من مراتب هجر القرآن هو هجر التلاوة، وهو عدم تلاوة القرآن بصوت مسموع، تحقيقا لقوله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا). وهناك أجر لمن يتقن تلاوة القرآن، وهناك أجر لمن يشق عليه قراءة القرآن، ففي الحديث (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة البررة الكرام، والذي يقرأ القرآن يتعتع به وهو شاق عليه فله أجران)؛ أجر القراءة وأجر المشقة. والسماع مناسب أكثر لمن لا يستطيع القراءة والكتابة، ويمنحه رمضان فرصة الاستماع إلى القرآن في صلاة التراويح، أما من يستطيع القراءة والكتابة فله فرصة الارتقاء إلى درجة تجويد القرآن وإحسان تلاوته.

والصنف الثالث من هجر القرآن، هو هجر التداوي بالقرآن، والقرآن ليس كتاب طب وإن اشتمل على إشارات طبية، ولكن طب القلوب وطب النفوس لا يقل أهمية بل هو سبب للأمراض العضوية أحيانا والعكس صحيح، وهنا يأتي القرآن لمنع حصول الأمراض النفسية ومنع تحول العضوية منها إلى نفسية فتزداد حالة المريض سوءا. وكثير من الأطباء النفسانيين يداوون المرضى الراغبين في الانتحار بقراءة القرآن سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. لقوله تعالى (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور)، فالقرآن جاء للناس كافة، وليس للمسلمين فحسب».

علاوة على ذلك «أكبر مرض يصيب الإنسان نسيانه أنه مسلم في الأصل قبل أن يخلق الله الكون وعندما كان الناس في عالم الروح، وفي الفلسفة أن المعرفة تذكر والجهل نسيان، ولذلك يرفض كثير من الذين أسلموا أن يقال لهم مسلمون جدد ويقولون إنهم عادوا للإسلام، فالله كما يذكر في القرآن أشهد الناس على أنفسهم وهم في عالم الروح ألست بربكم قالوا بلى، والمرء يولد على الفطرة أي يولد مسلما ولكن أبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه أو كما ورد في الحديث. والقرآن شفاء لما في الصدور سواء كان ذلك وسوسة من الشيطان أو من الكفر الطارئ على الإنسان بحكم البيئة التي نشأ فيها». والمرتبة أو الصنف الرابع للهجر هو «هجر العمل بالقرآن والتحاكم إليه. وعلى المسلم أن يحرص على هذا الأمر، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يقرأ، فعليه أن يستمع ويسأل، فلا عذر بالجهل في كل الحالات، وإذا قرأ فعليه أن يعمل. فإحياء علوم الدين يكون بالعمل وبعرض المرء حياته كلها على القرآن الكريم. فكل آية يقرأوها يجب أن يتأكد إن كان يعمل بها أم لا. قال تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ولا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). (ولا يكون في صدرك حرج منه) بالفعل لا القول والسماع فقط». المرتبة أو الصنف الخامس هو «هجر التدبر، وهو «أعلى مرحلة في التعامل مع القرآن الكريم، وقد ورد التدبر في عدة مواضع من القرآن الكريم (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)، وقوله (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)، وقوله تعالى (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب)، فالغاية والقصد من إنزال القرآن هو التدبر والتذكر، تذكر قول، بلى، عندما أشهد الله بني آدم على أنفسهم وهم في عالم الأرواح، ولنتذكر أن المعرفة تذكر.. والجهل نسيان».