عالمة تحلل في «درس رمضاني» مقومات الأسرة في الإسلام بحضور ملك المغرب

قالت إن العائلة في الإسلام هي القاعدة الأساسية للعمل الاجتماعي

العاهل المغربي محمد السادس مرحبا ببهيجة الشدادي بعد أن ألقت درسها الرمضاني في حضوره («الشرق الأوسط»)
TT

دعت بهيجة الشدادي إلى إنشاء مرصد للأسرة المغربية يتتبع أحوالها ويصدر الدراسات التي تعين العلماء والمربين وغيرهم على تحقيق مقاصدها، ومعالجة جميع أنواع الخلل الذي ربما يصيب وظائفها، كما دعت إلى العناية بمرحلة ما قبل الزواج وكذا مرحلة الزواج، وأوضحت أن هذه العناية تستدعي تأهيل الشباب للحياة الأسرية من عدة نواح، وتقديم الإرشاد الأسري للمتزوجين، مما يعزز الإقبال على الزواج ويرفع من نسب النجاح في الأسر، ويقلل من نسب الإخفاق والطلاق.

وترى بهيجة الشدادي، وهي عضو في المجلس العلمي لمدينة القنيطرة، أن الأسرة في بنيتها المختلفة أو علاقاتها الداخلية، يمكن أن تؤثر على الدولة من جهة، وعلى المؤسسات الدينية من جهة أخرى، وأوردت ما ذهب إليه أحد المتخصصين في التاريخ القديم، الذي يعتقد أن الأطفال الذين تربوا في كنف الحب الشديد للحرية، جعل هؤلاء الأطفال يتأهلون لتحدي الزعماء الأقوياء المتسلطين، وفي سياق ذلك، قالت الشدادي، إنه يجب الالتفات إلى الأهمية التي ستكون للأسرة في مستقبل المجتمعات عامة، وفي المستقبل السياسي للمجتمعات الإسلامية خاصة، ولا سيما في الاقتراب أو الابتعاد عن المقومات الدينية للأسرة.

وأكدت بهيجة الشدادي، التي اختارت «مقومات الأسرة في الإسلام»، موضوعا لدرسها ضمن سلسلة «الدروس الرمضانية»، ضرورة طرح كل ما يتعلق بالتصور الإسلامي للأسرة من حيث التساؤل حول مصير الأسرة أمام مختلف التطورات الجارية في العالم، وأبرزت أن من تدبير الله لخلقه أن جعل للأسرة من الجاذبية والتأثير ما لم يجعله لأي مؤسسة مجتمعية أخرى، كما جعل لها تأثيرا اجتماعيا وسياسيا يتمثل في تحديد نمط العلاقات فيما بين الشرائح وفيما بينها وبين الدولة.

وأوضحت أن الله سبحانه وتعالى شرع للناس تشريعات ووصايا تكفل لوظائف الأسرة الطبيعية، وأولها تشريعه الذي ضمن به لمن التزمه تأسيسا للأسرة سليما، والثاني يكمن في الضوابط التشريعية التي شرعها الله للسلوك الأسري كي تمنعه من المضارة ومقومها التأطيري «حدود الله»، أما التشريع الثالث فهو الوصايا التي أحاط بها الأزواج ليرتقوا بتعاملهم الأسري من المستوى المادي المحض إلى مستوى أرفع وهو حسن التدبير.

وبخصوص المقومات الثلاثة للأسرة، أشارت الشدادي إلى أن العقد هو المقوم التأسيسي للأسرة، حيث فرض الله التعاقد بين الزوجين وفق أركان للعقد وشروط وضوابط راعى فيها مصلحة الزوجين أولا ثم مصلحة الأسرة برمتها، وأردفت قائلة، إنه فوق عناية الإسلام بعقد الزواج ظاهرا وباطنا وتأكيده لخصوصيته، فقد سما به وجعله أرقى ما يمكن أن يتعاقد عليه الناس وأعظمه حرمة حتى سماه الله «ميثاقا غليظا»، وأشارت إلى أن المقوم الثاني هو «حدود الله»، التي تضمن للأسرة الاستقرار وتصون حقوق أفرادها من العدوان، وأوضحت أن مقوم القيم بصفته مقوما ثالثا تغدو به الأسرة أيسر وأجمل، وتحقق مصلحتين كبيرتين هما مصالح الحاجة التي تجلب التوسعة والتيسير للأسرة ورفع الضيق عنها، والمصالح التحسينية التي ترقى بها الحياة الأسرية إلى مقام أزكى وأطهر.

وتطرقت بهيجة الشدادي إلى قيم أخرى ترتقي بالأسرة إلى أعلى مراتب المودة والرحمة، وركزت فيها على السماحة والتراضي والأناة والإيجابية. وشددت على أن الذي يكفل انتقال هذه القيم من الآباء إلى الأولاد هو ممارستها عمليا وبشكل مطرد في الحياة الزوجية، لا مجرد الإرشاد إلى فضلها، وأن الله تعالى جعل الإيمان والقضاء وسيلتين متكاملتين رهينا بهما تنفيذ تشريعاته ووصاياه الأسرية وتحقيق مقاصدها. وأبرزت أن الدستور الجديد للمغرب يؤكد على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها، وأن مدونة الأسرة التي جاءت لتفعيل جوانب من ثوابت الإسلام في مجال صيانة الحقوق داخل الأسرة، تباهي في الوقت نفسه التشريع الكوني في هذا المجال.

يذكر أن بهيجة الشدادي ألقت درسها الذي انطلقت فيه من قول الله تعالى «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»، في القصر الملكي بالدار البيضاء، في حضور العاهل المغربي الملك محمد السادس وثلة من العلماء والمفكرين من مختلف دول العالم الإسلامي، وذلك ضمن سلسلة «الدروس الرمضانية».