الحضرة الكاظمية في بغداد تستقطب آلاف الزوار للمشاركة في طعام الإفطار

وصفوها بأنها أهم طقس رمضاني يعزز تلاحمهم

جموع من الزائرين للصحن الكاظمي في مدينة الكاظمية بجانب الكرخ من بغداد (أ.ب)
TT

اعتادت آلاف من العوائل العراقية، خلال شهر رمضان الكريم، التوجه لزيارة الأضرحة والمزارات والمراقد الكثيرة المنتشرة فيها، ومن أهمها الحضرة في مدينة الكاظمية، كإحدى أهم المناطق الدينية في (شمال العاصمة بغداد)، التي يؤمها الزوار من كل مكان ويقيمون صلاة الجماعة فيها وولائم الإفطار المتشاركة ما بينهم في طقوس دينية محببة، رابطها التواصل والتراحم وتوزيع المأكولات والحلويات والمشروبات في فترة الإفطار، في حركة مستمرة تتواصل مع ساعات إعلان أذان الفجر.

تقع مدينة الكاظمية شمال العاصمة بغداد، وعلى بعد 5 كلم، في الجانب الغربي منها، وعلى الضفة الغربية لنهر دجلة بجانب الكرخ. ويحدها من جهة الشرق نهر دجلة، وترتبط بجانب الأعظمية بجسر حديث يعرف بجسر الأئمة، وترتبط من جهة الجنوب في منطقة الشالجية بجسر الصرافية (المعروف بالجسر الحديدي) بجانب الرصافة. وكانت تربطها بالعاصمة بغداد بسكة حديد حتى عام 1946.

وتبدأ معالمها الجمالية بقبتيها الكبيرتين المطليتين بالذهب الخالص، وتحتضنهما أربع منائر ذهبية تتسامى في علوها لتضفي على المكان هيبة وجلالة، ذلك هو مرقد الإمامين موسى بن جعفر الكاظم وحفيده محمد الجواد اللذين أكسبا المنطقة المحيطة بهما حالة من القداسة والشرف حتى استمدت المنطقة اسمها من هذين الإمامين، فسميت بالكاظمية أو مدينة الجوادين نسبة لكرمهما وجودهما.

الزائرة أم مريم، رافقت عائلتها الكبيرة، وافترشت لها مساحة واسعة من حضرة المرقد، كانت قد انتهت للتو من تناول طعام الإفطار، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «اعتدت كل عام على زيارة مرقد الإمام موسى بن جعفر، وأطلب حاجاتي منه فيستجيب لي، تجمعنا هنا برفقة العائلة يعد أهم طقس نمارسه في رمضان، وتناول طعام الإفطار مع العوائل العراقية المؤمنة التي تواصل صلاتها في هذا المكان المقدس».

وأضافت: «في بعض زيارتنا نقوم بارتياد المطاعم القريبة من المكان، وهي مطاعم شعبية تقدم وجبات الإفطار المنوعة وأبرزها طبق الكباب الشهير هنا، والمعمول بالخضراوات والبصل، واللبن الرائب، وبعدها تناول الحلويات الشهيرة، ومن أهمها الزلابية وحلاوة الدهينية، إحدى الحلويات الشهيرة واللذيذة التي يصنعها أهالي الكاظمية على نحو خاص».

وعن الإجراءات الأمنية المرافقة لتدفق الزوار، قال أبو ياسر الموسوي: «إنها جيدة ولا بد منها على الرغم من التأخر في تفتيش الزوار وحاجاتهم، لأن المنطقة سبق أن استهدفها الإرهاب أكثر من مرة، وعبر طرق مبتكرة وخبيثة لإدخال العبوات تتركز بعضها في بطاريات الهواتف الجوالة، ولأجل ذلك هناك تشديد أمني كبير لمنع إدخالها وحفظها في غرف الأمانات قبل الدخول».

قال أبو حسنين (60 عاما) صاحب مطعم الحسنين بالقرب من سوق الدروازة بالمدينة: «يتم تهيئة وجبات الإفطار منذ وقت مبكر، لأن المدينة تشهد يوميا تدفق آلاف الأشخاص ونسبة غير قليلة منهم تتناول وجبة الفطور في المطاعم، وتتناول عددا من الأطباق الشهية، أبرزها طبق الكباب والتكة والشوربة والمقبلات وأطباق أخرى».

وأضاف: «المطاعم تعج يوميا بالمئات من الأشخاص عند وقت الإفطار».

وتقام في هذه الأماكن الصلوات والحلقات الدينية والأدعية، بمشاركة عدد من رجال الدين، إضافة إلى ممارسة لعبة المحيبس الشهيرة بين فريق من الحي وفريق من حي مجاور.

وتشارك أعداد كبيرة من قوات الجيش والشرطة في تأمين الحماية وتفتيش الزوار، لتهيئة أجواء آمنة لهم، وتحديد حركتهم في شوارع محددة، وإغلاق الأخرى، سواء بكتل إسمنتية أو أسلاك شائكة وسيارات للأجهزة الأمنية، بينما تقوم دوريات أخرى بالتجول في الشوارع وفي محيط الأضرحة.

وقال مؤيد الخالدي، أحد عناصر الشرطة بالقرب من المكان: «نعمل على تأمين الحماية للزوار يوميا، على الرغم من التدفق الكبير لأداء الزيارة طوال أيام شهر رمضان الكريم. وهناك تعاون من الزوار لتسهيل حركتهم وحمايتهم».

نبذة عن قصة إعمار الحضرة الكاظمية في سنة 769هـ قام السلطان أويس الجلائري بتعمير المشهد، وذلك لتصدعه جراء تتابع الفيضانات فبنيت قبتان ومنارتان، وفي سنة 914هـ وما بعدها قام الشاه إسماعيل الصفوي بعد احتلال بغداد بعمارة المشهد وتجديده وتوسيع الروضة وتبليط الأروقة، وفي سنة 941هـ دخل سليمان القانوني بغداد محتلا لها وأمر بإكمال بعض النواقص الصغيرة.

وفي سنة 1032هـ، فتح الشاه عباس الكبير بغداد، وزار المشهد الكاظمي، وأمر بإعادة وتشييد ما خربته الحروب والفتن، وما لحق بالمشهد من إهمال، وقام الشاه حقي بن عباس الصفوي من بعده في سنة 1045 ببعض الإصلاحات، وما زالت أعمال التوسع والبناء جارية في عدة مشاريع للتطوير والإعمار، بهدف إدامة وصيانة هذا الصرح الذي يؤمه المسلمون من مختلف البلدان، لمكانة أهل البيت في نفوس المسلمين.