جامع يلبغا في ساحة المرجة بدمشق يعود للعصر المملوكي.. ويتميز باتساعه وبموقعه الجغرافي المهم

اعتبر الجامع الأجمل والأكبر خارج أسوار المدينة القديمة.. وكتب فيه المؤرخون والرحالة قصائد شعرية

جانب من جامع يلبغا الدمشقي.. موقع استراتيجي وجماليات العمارة («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم مما تشهده سوريا حاليا من أحداث دامية، فإن المساجد التاريخية لا تزال تستقطب بعض السوريين خلال شهر رمضان المبارك، من ذلك جامع يلبغا في ساحة المرجة بدمشق الذي يعود للعصر المملوكي، حيث بناه الأمير المملوكي سيف الدين يلبغا وتميز باتساعه وبموقعه الجغرافي المهم، حيث يطل على عمود المرجة الشهير الذي يعلوه أصغر جامع في العالم وعلى نهر بردى والقلعة والقصور، وقد حوله إبراهيم باشا إلى مصنع للبسكويت لإمداد جيشه بهذه المادة وتهدم سنة 1975 ليعاد حاليا بناؤه من جديد بشكل تراثي جميل مع مجمع تجاري ضخم بجانبه.

في الزاوية الشمالية من ساحة المرجة أول وأشهر ميادين العاصمة السورية في العصر الحديث، حيث تأسست بدايات القرن العشرين الماضي، وبجهتها الجنوبية الغربية كان يوضع مبنى تاريخي ذو قيمة معمارية رائعة ومهمة وهو جامع يلبغا، حيث تعمل حاليا ورش البناء على إعادة بنائه بشكله التراثي الجميل مع بناء مجمع تجاري طابقي ضخم في جهته الشمالية يطل على سوق ساروجة والبحصة.

وجامع يبلغا الذي يعتبر من أكبر مساجد دمشق التاريخية خارج أسوار المدينة القديمة، حيث كان يوضع على مساحة كبيرة من الأرض يطل على عمود المرجة الشهير الذي يعلوه مجسم لجامع يلدز في إسطنبول، وعلى منطقة البحصة المجاورة وعلى ضفة نهر بردى التي تتجه نحو شارع بيروت وجسر فيكتوريا، يعود تاريخ بنائه لعام 748ه - 1347، حيث قام بتشييده الأمير المملوكي سيف الدين يلبغا وقد بني - كما يذكر المؤرخون - على أرض مساحتها 4500 متر مربع، وكان موضعه تلا يشنق عليه وقد شنق عليه معتوه فشطح به حبل المشنقة فوقع على الأرض فمات فلم يعد يشنق عليه أحد منذئذ حتى قرر الأمير يبلغا بناء مسجد مكان تل الشنق، وحسب المؤرخ الدكتور قتيبة الشهابي فإن الجامع كان مركزا للتعليم حوله القائد المصري إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا عندما استولى على دمشق في شهر يونيو (حزيران) 1832 إلى مصنع للبسكويت لإمداد جيشه بهذه المادة. ويذكر المؤرخ الشهير البديري الحلاق أنه وفي منتصف القرن الثامن عشر قام والي دمشق العثماني أسعد باشا العظم قام بنقل بعض أعمدة جامع يلبغا ليكمل بها بناء قصره الشهير (قصر العظم)، وذلك ضمن أحجار وأعمدة رخامية وبلاط نقلها الوالي العظم من أماكن تاريخية ودور دمشقية لصالح بناء قصره. وخلال الأعوام 1928 - 1931 رفعت دائرة الأوقاف أحجار باحته البالية وباشرت بأعمال الترميم فيها، ثم هدمته سنة 1975 لإقامة بناء حديث على أرضه ونقلت بعض آثاره إلى متحف دمشق الوطني. واعتبره الرحالة والمؤرخون القدماء الذين زاروا دمشق من محاسن الشام، حيث كتب فيه النحوي والأديب والعلامة التونسي أبو الفتح المالكي الذي استقر في دمشق سنة 931ه وعاش فيها ودرس في دار الحديث الأشرفية بدمشق، كما تولى نيابة القضاء في المحكمة قصيدة شعرية قال فيها: «كم نزهة في يلبغا تبتغى ودارج لم يخل من دارج - يموج في بركته ماؤها تحت منار ليس بالمايج - مئذنة قامت على بابه تشهد للداخل والخارج!». كذلك وصفه المؤرخ المصري الدمشقي أبو البقاء البدري المولود سنة 847ه والمتوفى سنة 894ه وله كتابه الشهير «نزهة الأنام في محاسن الشام»، حيث تحدث عن جامع يلبغا قائلا «إن جامع يلبغا من أحسن الجوامع ترتيبا ومتنزها، بصحنه بركة ماء مربعة داخلها فسقية مستديرة بها نافورة يتشامخ منها الماء إلى طول قامة إنسان وفوق البحرة مكعب عليه عريشة عنب ملون يصل ماء النافورة إلى قطوفها الدانية وبجانب تلك البحرة حوضان من أنواع الفواكه والرياحين.. وللجامع شبابيك تطل على جهاته الثلاث الأولى على ما تحت القلعة من جهة الشرق والجهة الثانية على منطقة ما بين النهرين الحافلة بالدور والقصور والحوانيت مما لا يخطر على بال، فضلا عن المحال التي تلبي حاجات الناس وما يطلبه كل لسان وتلذ به النفس وتسر به العين من جهة الغرب، أما الجهة الجنوبية فتطل على نهر بردى بأشجار ضفافه وأزهارها».

ولكن ما أقسام الجامع عند بنائه وقبل تهدمه والتي كانت تحاكي أقسام الجامع الأموي الشهير؟ يجيب عن ذلك الباحث والكاتب منير كيال قائلا «يتكون جامع يلبغا من صحن وحرم، فالصحن يشكل مساحة تشغل الجانب الشمالي من المساحة العامة، وبهذا الصحن أروقة تحيط به من جهات ثلاث وهي شبيهة بأروقة الجامع الأموي من حيث إنها مبنية على قناطر محمولة على عمد وعضائد، كما أن للصحن ثلاثة أبواب شرقي يدعى باب الحلق وغربي ينحدر منه درج إلى أول وادي نهر بردى ويدعى باب المنزه والباب الشرقي والغربي يتقابلان على محور واحد وهناك الباب الشمالي المعروف بباب الفرج ويتوسط الواجهة الشمالية للمسجد ومنه يخرج إلى الميضأة وعلى جانبه تقوم مئذنة مشيدة بالحجر وقد جددت أكثر من مرة. أما الحرم فيتألف من رواقين موازيين للقبلة (الجنوب) يفصلهما صف من الأعمدة والعضائد فوقها قناطر تحمل السقف».

أخيرا، جامع يلبغا وبعد أكثر من خمسة وثلاثين عاما من هدمه يعود للحياة، حيث وصلت عمليات بنائه من جديد لمراحلها الأخيرة ليشكل معلما معماريا رائعا ما بين ساحة المرجة ومنطقة ساروجة، خاصة مع المحافظة على تراثيات عمارته من الخارج، حيث تم تلبيس جدرانه ومئذنته بالحجارة البيضاء والصفراء بشكل متناوب، كما زين بالأقواس والزخارف والخيوط العربية والأشكال الهندسية التراثية وجاءت نوافذه المطلة على ساحة المرجة على شكل قناطر وأقواس أعطت المكان جمالا وروعة وقيمة معمارية إضافية، كذلك الحال في قبته التي نفذت بشكل معماري جميل مع زخارف هندسية تراثية رائعة.