ظواهر رمضانية جديدة في المغرب منها الأئمة «النجوم» وأجانب يشهرون إسلامهم

رمضان في مراكش.. شهر تتأقلم فيه المدينة الحمراء مع توجهها السياحي

الآلاف يقبلون لأداء صلاة التراويح بمسجد «الكتبية» في مراكش (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
TT

جرت العادة أن يخصص فصل الصيف للاصطياف وتنظيم الأاس في المغرب، غير أن تزامنه مع حلول شهر رمضان يفرض على المغاربة أن يعدلوا في برامجهم؛ حيث يرحلون أعراسهم ومهرجاناتهم وإجازاتهم إلى تواريخ سابقة أو لاحقة، حتى يتفرغوا للصيام والعبادة. شهر الصيام، الذي يغطي، هذه السنة، الثلث الأخير من يوليو (تموز) وثلثي أغسطس (آب) يتميز، أيضا، بارتفاع كبير في درجات الحرارة، التي وصلت مستويات قياسية.

ويحظى رمضان، عند المغاربة، بهالة خاصة، تجعلهم يحافظون على رضاهم وخشوعهم، وهم يباركون مقدمه، سواء حل في برد الشتاء أو في حر الصيف.

جرت العادة في المغرب أن يحل رمضان فتتغير عادات الناس، على مستوى الأكل والشرب والعمل والمعاملات، لدرجة أن منهم من يتمنى لو أن كل شهور العام رمضان. وبحلول الشهر الكريم، تنشط الحركة التجارية، كما يتزايد الإقبال على محلات بيع الأزياء التقليدية، الشيء الذي يجعل هذه الأزياء، التي تقاوم إعصار الحداثة، تنتقم لنفسها من سراويل «الجينز»، وغيرها من الملابس العصرية.

وتميزت الفترة الأخيرة، في المغرب، ببروز ظاهرتين لافتتين للانتباه، ترتبط الأولى بما صار يعرف بالأئمة «النجوم»، الذين حباهم الله الصوت الجميل، والذين يؤمون المصلين للتراويح، بينما ترتبط الثانية بتحول شهر رمضان إلى توقيت يتتبع خلاله المراكشيون، بشكل خاص، والمغاربة، بشكل عام، أخبار الأجانب الذين يشهرون إسلامهم، بهذا المسجد أو ذاك.

صيف مدن الرباط والصويرة وطنجة، وغيرها من المدن الشاطئية، يختلف عن صيف مدن فاس ومراكش ومكناس وطاطا، وغيرها من المدن الداخلية. حرارة الصيف، في مراكش، مثلا، لا تطاق. المراكشيون لا يصدقون الأرقام التي تعلنها مديرية الأرصاد الجوية، والتي تتحدث عن سقف 49 درجة مئوية، لذلك تجدهم يضيفون عشر درجات كاملة إلى ما يعلن من أرقام، متحدثين عن 59 أو حتى 60 درجة.

وعلى الرغم من أن الشمس لا تكاد تغادر سطح المدينة، فإن تبرم المراكشيين من ارتفاع درجات الحرارة يجد مبرره في تزامن الصيف مع شهر رمضان الكريم. المراكشيون لا يتخلون عن حس الفكاهة، حتى في وقت الصيام، لذلك تجد بينهم من يقول إن الصوم درجات، وأن صوما تحت درجات حرارة تقل عن الثلاثين درجة ليس من نفس قيمة الصوم تحت درجات حرارة تفوق الخمسين.

من حسن حظ المراكشيين أن المدينة الحمراء هي في الواقع مدينة خضراء، من خلال العدد الكبير من الحدائق والمتنزهات، سواء في وسط أو في ضواحي المدينة، لذلك يفضل بعضهم قتل ساعات الصوم تحت ظلال أشجار حدائق «المنارة» و«مولاي عبد السلام» و«أكدال» أو حتى «أوريكا» ومنهم من يربط الصيف برمضان فيرفع أكف الدعاء بالشكر والامتنان لعباقرة كوريا واليابان، وغيرهما من البلدان المتقدمة تكنولوجيا، الذين اخترعوا للعالم شيئا اسمه المكيفات.

وتحولت النافورات التي تؤثث لملتقيات شوارع مراكش إلى مقصد للعشرات من الشباب والأطفال، ممن لا يتحملون الأسعار التي تفرضها المسابح العادية.

تبدو ساحة جامع الفنا أفضل مؤشر لضبط وقياس علاقة شهر الصيام بمراكش. جولة قصيرة في أرجاء هذه الساحة الشهيرة تؤكد أنه لا شيء يمكن أن يغير من طقوسها ويومياتها. كل حرفيي الساحة تجدهم في الموعد، حتى إن صباحات رمضان لم تمنع «السقائين» من الوجود بالساحة، بزيهم المميز والقِرَب التي يعلقونها وهم يقدمون الماء للسياح والأطفال وينتظرون أن يجود عليهم الناس بما تيسر. لا أحد من الصائمين يتعجب من نزول «بائعي الماء» إلى الساحة الشهيرة لعرض بضاعتهم على السياح، غير آبهين بطقوس شهر الصيام. الجميع صار مقتنعا بأن وظيفة الديكور ورغبة رواد الساحة في أخذ صور للسقائين أو معهم، هي أشياء غطت على الحاجة إلى إرواء العطش.

غير بعيد عن المكان الذي وقف فيه السقاؤون، بزيهم الأحمر وكؤوسهم النحاسية، جلس سياح، في مطعم يقع بالقرب من سينما «مبروكة»، بممر «البرانس»، يلتهمون ما لذ وطاب من مأكولات ومرطبات، في منتصف النهار.

في مراكش، لا يبدو أن شهر الصيام يطرح مشكلا بالنسبة للسياح، خاصة أن عددا كبيرا من المقاهي والمطاعم لا يغلق أبوابه خلال ساعات الصوم، مقترحا على السياح غير المسلمين، كل أصناف المشروبات والمأكولات.

ولأن للسياحة متطلباتها وللاستقرار بالمدينة أسئلته التي تستدعي واجب التمعن في الفروقات الثقافية والحضارية بين «السكان الأصليين»، من جهة، و«السكان الجدد» وسياح المدينة، من جهة ثانية، فإن شهر رمضان يشكل، بامتياز، لحظة مهمة لقياس مدى تأقلم هذه المدينة، التي أسسها الأمير المرابطي يوسف بن تاشفين قبل ما يزيد على 950 سنة، مع ما يتطلبه توجهها السياحي، على مستوى تلبية طلبات الزوار و«المقيمين الجدد»، من أكل وشرب ووسائل ترفيه. وفضلا عن أكثر من مليون ونصف المليون سائح، يعيش بمراكش آلاف المقيمين الأجانب، يتصدرهم أزيد من 7 آلاف مقيم فرنسي.

ويقول يوسف، وهو نادل، يعمل بأحد مطاعم ممر (البرانس)، «إن معظم رواد المطعم هم سياح أجانب من دول غير إسلامية، لذلك يفتح أبوابه بشكل عادي خلال شهر رمضان، محترما توقيت الوجبات من إفطار صباحي وغداء وعشاء، كما أن هناك مطاعم ومقاهي، تشتغل خلال هذا الشهر مقدمة خدماتها للأجانب».

وأضاف يوسف، قائلا إن «كثيرا من الأجانب يجدون حرجا في التدخين أو تناول وجبة غذاء أو ارتشاف مشروب، في وقت يكون فيه المغاربة الصائمون يحثون الخطى لقضاء حوائجهم، في انتظار أذان المغرب»، مشيرا إلى أن «الأجانب، الذين يقصدون المطعم لتناول وجبتي الإفطار أو الغداء، يتعجبون من قدرة المغاربة على الصوم وقضاء ساعات اليوم الطويلة من دون أكل أو شرب».

وفي أحد المطاعم الشعبية، التي تقدم مأكولاتها في الهواء الطلق، وسط جامع الفنا، قال النادل أحمد إن «بعض الأجانب، ممن يصادف وجودهم بمطاعم الساحة موعد الإفطار، يطلبون نفس ما يطلبه الصائمون المغاربة من شوربة (حريرة مغربية) وحلويات (شباكية) وتمر وبيض، وغيرها». وأضاف أحمد أنه يعرف بعض «الأجانب المسيحيين»، الذين صاروا يسايرون «المراكشيين المسلمين» فيصومون أياما من شهر رمضان، أو يتجنبون الأكل أمام جيرانهم المسلمين، خلال ساعات الصوم، بل ويحرصون على تقليد المراكشيين في لباسهم التقليدي ونمط أيامهم الرمضانية، كما يشاركونهم فرحة الاحتفال بعيد الفطر. ويرى أحمد أن الأجانب «يأتون متشبعين بقيم غربية تتلخص في احترام معتقدات الآخر؛ حيث يكون كل واحد حرا في تصرفاته واختياراته، وبالتالي فهم لا يجدون أي حرج في التأقلم سريعا مع أجواء مراكش، ما دام أن المراكشيين والمغاربة يحترمون عقيدة غير المسلمين ولا يتحرجون من أن يدخن السائح الأجنبي سجائره أو يأكل وجبة طعامه في الشارع العام، وقت صيامهم».