«الإفتاء» المصرية: الاعتكاف في رمضان سنة مؤكدة.. ويستحب في العشر الأواخر

«الإخوان» دعت إليه في المساجد.. و«الأوقاف» خصصت 3297 مسجدا لإحيائه

مصريون يعتكفون في المساجد بالقاهرة في العشر الأواخر من رمضان («الشرق الأوسط»)
TT

بينما قررت وزارة الأوقاف في مصر تخصيص 3297 مسجدا للاعتكاف خلال الـ10 الأواخر من شهر رمضان المبارك؛ أفتت دار الإفتاء المصرية بأن «بداية الاعتكاف ونهايته يحددها المعتكف بنفسه، فإن نوى اعتكاف مدة معلومة استحب له الوفاء بها بكمالها، فإن خرج قبل إكمالها جاز؛ لأن التطوع لا يلزم بالشروع، وإن أطلق النية ولم يقدر شيئا دام اعتكافه ما دام في المسجد». وطالب الدكتور محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين المواطنين بالاعتكاف في المساجد وإخلاص العبادة لله، قائلا: «اعتكفوا في المساجد.. عمّروها.. أخلصوا العبادة لله.. وانطلقوا منها كقاعدة للعمل من بيوت الله».

إلى ذلك، أجاز علماء الأزهر اعتكاف المرأة في المسجد بشرط أن يكون اعتكافها في مكان منعزل وآمن ومنفصل بعيدا عن الرجال، كأن يكون في دور ثان من المسجد، فضلا عن عدم انشغال المعتكفات بالأحاديث الجانبية والضحك والكلام؛ لأن هذا لا يحقق معنى الاعتكاف.

وقالت دار الإفتاء المصرية إن «الاعتكاف مستحب في كل وقت، سواء أكان في رمضان أم في غيره، وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره؛ لطلب ليلة القدر بالصلاة والقراءة وكثرة الدعاء، فإنها أفضل ليالي السنة».

وأوضحت الدار في فتوى لها أن بداية الاعتكاف ونهايته يحددها المعتكف بنفسه، فإن نوى اعتكاف مدة معلومة استحب له الوفاء بها بكمالها، فإن خرج قبل إكمالها جاز؛ لأن التطوع لا يلزم بالشروع، وإن أطلق النية ولم يقدر شيئا دام اعتكافه ما دام في المسجد.

وأضافت دار الإفتاء: أنه «يستحب لمن أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس من ليلة الحادي والعشرين من رمضان، ويستحب له أن يبيت ليلة العيد فيغدو إلى مصلى العيد من معتكفه في المسجد، وإن خرج قبل ذلك جاز».

وعن محذورات الاعتكاف، ذكرت الفتوى أنه «لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد؛ إلا لما لا بد له منه، فإن خرج المعتكف من المسجد بلا عذر كنزهة، أو أمر غير ضروري حرم عليه ذلك وانقطع اعتكافه، أي بطل».

وأشارت الفتوى إلى أن المعتكف إذا خرج لعذر، فإن كان خروجه لعذر معتاد، كقضاء حاجة من بولٍ وغائط، وكالخروج للقيء وغسل نجاسة، ووضوء ونحوه من الطهارة الواجبة، فله الخروج لذلك، ولم يحرم ولم ينقطع تتابع اعتكافه؛ لأن كل ما سبق ذكره مما لا بد منه، ولا يمكن فعل أغلبه في المسجد، فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه لم يصح لأحد الاعتكاف.

وقال الدكتور بديع، في رسالته الأسبوعية والتي حملت عنوان «الأعمال بخواتيمها» متحدثا عن الاعتكاف في المساجد، إن «من يفهم طبيعة الحياة الدنيا يدرك أن وقته محدود، وأن عمره قصير، وأن مجال التنافس كبير، وأن المتنافسين كُثُر، وأن الجائزة على قدرٍ من العِظَم ما يجعل الإنسان اليقظ لا يهدأ ولا ينام حتى يحصل على أعظم الجزاء وأعلى درجات الكمال والرضا والنعيم الدائم الذي لا يزول».

من جانبه، قال الدكتور نصر فريد واصل، مفتي الديار المصرية الأسبق، إن «الاعتكاف سنة عند أكثر أهل العلم في العام كله، والاعتكاف الأرجح ما كان في العشر الأواخر من رمضان، وإذا نذر المسلم الاعتكاف صار الوفاء به فرضا، ويرى العلماء جواز الاعتكاف مدة يسيرة في المسجد كساعة أو ساعتين بنية التقرب لله تعالي». وتابع: «الاعتكاف هو لزوم المسجد والإقامة على طاعة الله تعالي فيه وهو سنة مؤكدة، وأفضل وقته في العشر الأواخر من رمضان لطلب ليلة القدر وإحيائها، ويستحب له أن يشتغل بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله ويتجنب الجدال والمراء والفحش والسباب، ويجوز أن يخرج الرجل إلى عمله ثم يعود إلى معتكفه».

وأكد الدكتور عبد المنعم البري، رئيس جبهة علماء الأزهر السابق، أن «الاعتكاف في العشر الأواخر ذخيرة حية لو عرف المسلمون قيمتها لتنافسوا عليها»، مشيرا إلى أن استغلال أيام الاعتكاف قد يأخذ أشكالا عدة أبرزها دعوة الأشقاء والأصدقاء والجيران إلى التزود بالطاعات وفهم القرآن الكريم والسنة النبوية فهما صحيحا وتربية المسلمين فيها على الجد والانضباط في الاعتكاف. وأشار الداعية الإسلامي عادل عبد الشكور بوزارة الأوقاف المصرية، إلى أن الاعتكاف من أقدم العبادات، فقد قال الله تعالى: «أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِين وَالْعَاكِفِين وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»، قائلا: «لقد اعتكف معظم الأنبياء والرسل، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قبيل الرسالة كان يعتكف في غار حراء، وبعد الرسالة كان يعتكف في الـ10 الأواخر من شهر رمضان، وفى العام الأخير قبل وفاته اعتكف 20 يوما».

وقال عبد الشكور، إن «الاعتكاف خلوة روحية في المساجد تستثمر في الصلوات والدعاء والاستغفار ودروس العلم، وليست للنوم أو الخمول والجلوس في المسجد فقط، والاعتكاف في جوهره تقرب من الله عز وجل بالتجرد من الشهوات، ويقتضى صفاء القلب بمراقبة الله والانقطاع للعبادة»، موضحا أن «الاعتكاف من أحب الأعمال إلى الله، وإذا كان مستحبا في كل الأوقات فإنه في شهر رمضان أكثر استحبابا»، لافتا إلى أن للاعتكاف آدابا يجب مراعاتها، وشروطه أهلية التكليف مع الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس، ومن آدابه الاشتغال بالطاعة وتلاوة القرآن الكريم والدعاء والاستغفار.

من ناحية أخري، أكد علماء دين جواز اعتكاف النساء في المسجد بشروط، وقال الشيخ سيد إبراهيم، من علماء الأزهر الشريف بالقاهرة، إنه «يجوز اعتكاف النساء في المسجد؛ فقد كانت أمهات المؤمنين يعتكفن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولكن لا بد من موافقة الزوج إذا كان حاضرا، فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»، فهذا لا يعني أن الأمر على إطلاقه، فقضاء المرأة عدة أيام في المسجد يؤثر بالطبع على بيتها وحاجة زوجها إليها ومتطلبات أولادها، وهي تختلف من واحدة لأخرى.

وأضاف الشيخ سيد إبراهيم من شروط اعتكاف النساء في المسجد، أنه لا بد أن يكون مكانا منعزلا وآمنا، بعيدا عن الرجال، كأن يكون في دور ثان من المسجد، أو يكون مكانا منفصلا؛ حتى نأمن الفتن، بالإضافة إلى عدم جواز إتيان الحائض إلى المسجد، إلا في الضرورة، كأن تكون محفظة في مسجد أو تعطي درسا، أما المكوث في المسجد للتعبد وهي حائض فلا يجوز، وأن هناك شرطا لاعتكاف الرجال والنساء، وهو عدم الانشغال بالأحاديث الجانبية والضحك والكلام؛ لأن هذا لا يحقق معنى الاعتكاف.

وواضح الشيخ إبراهيم، أن الاعتكاف سنة وليس فرضا، وإذا تعارض اعتكاف المرأة مع مهامها كأم وزوجة وراعية في بيتها فلا اعتكاف لها؛ حيث إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يعتكفن، فالمرأة التي كبر أولادها، أو الفتاة التي لا التزامات عليها يجوز لها الاعتكاف بإذن وليها.

وبين الشيخ إبراهيم، أنه لا يوجد مدة معينة للاعتكاف؛ فقد تكون المدة دقائق تنوي فيها المرأة الاعتكاف عند دخولها المسجد فترة مكوثها فيه؛ ولكن لا تنشغل بشيء من أمور الدنيا حتى تشعر بالخلوة.