تحليل «حقوق الأقليات وواجباتها في الإسلام» ضمن سلسلة «الدروس الرمضانية» بحضور ملك المغرب

العلماء يذكرون بأن الإسلام حارب التمييز بناء على العرق أو الجنس.. وأمر بحماية الجميع

محمد كنون الحسني يلقي درسه الديني بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس في القصر الملكي بالرباط («الشرق الأوسط»)
TT

أبرز محمد كنون الحسني، وهو من علماء المغرب (رئيس المجلس العلمي في مدينة طنجة)، أن ما يميز المغرب في مجال الممارسة الحقوقية سواء في حاضره أو تاريخه، التساكن والتعاون النموذجيان بين المسلمين واليهود برعاية ملوك المغرب. وقال «إن أول ما يواجهنا في التاريخ هو استقبال الأمازيغ قبل الإسلام وكان منهم يهود» مشيرا إلى أنهم استقبلوا اليهود الذين فروا من الاضطهاد الروماني ثم ما لبث أن تكرر استقبال المغاربة لطوائف أخرى من اليهود الذي فروا من الاضطهاد لا سيما من الأندلس.

وقال الحسني «عاش اليهود مع المسلمين في وئام، ومن نتائج تمتعهم بالحرية ما أنتجوه في المغرب من تراث فلسفي وروحي»، وأوضح الحسني أن هذا التراث ما زال يكون تيارا متميزا داخل الثقافة اليهودية في العالم ويدرس ويطبق في أوساط طوائف من اليهود في العالم لا سيما في شمال أميركا. وأشار الحسني الذي اختار «حقوق الأقليات وواجباتها في الإسلام» موضوعا لدرسه ضمن سلسلة «الدروس الرمضانية» في القصر الملكي بالرباط، بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس وعلماء ومفكرين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، إلى أن ما يستشهد به في مختلف الأوساط العالمية المتحدثة عن حقوق الأقليات في هذا الوقت هو الموقف العظيم الذي وقفه الملك محمد الخامس، في وجه الاستعمار، وحمايته لليهود إبان الحرب العالمية الثانية من مشروع النازية، مستحضرا نموذج لجوء اليهود إلى المحاكم العبرية التي عرفت نشاطا طبيعيا في المغرب لا سيما في أحوالهم الشخصية بينما يتقاضون إلى محاكم القانون الجاري به العمل في شتى الميادين وفي مساواة تامة أمام القضاء مع المسلمين وغيرهم.

وأكد الحسني أن الحق والواجب متلازمان في كل تشريع سماوي أو وضعي حيث إنه إذا كان الحق هو كل ما هو ثابت للفرد أو المجتمع أو لهما معا يقرره المشرع لتحقيق مصلحة أو دفع ضرر فإن الواجب هو كل ما يلزم الإنسان مراعاته وحفظه وعدم انتهاكه من حقوق الآخرين وما يلزمه تجاه مصلحته وسيادة مقدساته وثوابته فالواجبات تقابلها الحقوق والحقوق تقابلها الواجبات والإنسان لا يطالب بحق من حقوقه إلا إذا أدى ما عليه من واجبات. ويرى أن الأقلية هي فئة اجتماعية داخل مجموعة ديموغرافية إما عرقية وإما إثنية وإما دينية وإما ثقافية وأن وضعية الأقليات بالذات تتحدد في نقص الحقوق إما بالنسبة للحقوق التي يفترض فيها أن تكون مشتركة مع الأكثرية وإما بالنسبة لحقوق خاصة بها.

وبخصوص المبادئ العامة التي يمكن في ضوئها فهم الإمكانات الحقوقية العظيمة التي جاء بها الإسلام ومن ضمنها حقوق الأقليات أبرز الحسني الذي انطلق في درسه من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة»، أن هذه المبادئ ثلاثة تتعلق أولا بإلغاء الاعتبارات التي تقوم عليها أشكال التمييز كالفرق في العرق أو الجنس واللون والثقافة وثانيا بحماية الأمور الأساسية للمسلمين وغيرهم وثالثا بعدم الإكراه وبالتالي إقرار الحرية في الدين بدليل قوله تعالى «لا إكراه في الدين».

واعتبر الحسني أنه إذا كان الإسلام قد أعطى هذه الفئة كثيرا من الحقوق التي يكرمها بها في بلاد المسلمين فإنه ألزمها بواجبات لا بد من الالتزام بها حتى ينعم المجتمع بالأمن والتماسك والسلام منها التزام أحكام القانون الإسلامي ومراعاة شعور المسلمين وأداء التكاليف المالية وعدم المس بالمقدسات الدينية.

وحول المواد الست التي جاءت في القانون الدولي بخصوص حقوق الأقليات أوضح أن هذه المواد هي الحق في الحماية ضد التعصب والتمييز والعنف العنصري والحق في التمتع بحماية متكافئة بصرف النظر عن الأصل الإثني والعرقي وحق الأقليات في التمتع بثقافتها وممارسة ديانتها والتحدث بلغتها والحق في الاستفادة من التدابير الإيجابية التي اتخذتها الدولة لتشجيع تآلف الأجناس والارتقاء بحقوق الأقليات والحق في طلب اللجوء خوفا من الاضطهاد بسبب العرق أو الدين أو القومية أو الانتماء الاجتماعي أو الرأي السياسي ثم الحق في الطعن واللجوء إلى القضاء.

وأضاف أن الإسلام حدد أسس التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم من الأقليات داخل بلاد الإسلام، وأرشد إلى سبل الحوار والتواصل بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى من أجل بناء مجتمع متماسك ينعم بالسلم والأمان والمساواة والمعاملة الحسنة مشيرا إلى أن هناك نصوصا عديدة يمكن استثمارها في هذا الاتجاه، وكلها تؤيد ما ورد من حرمة حقوق الأقليات الدينية في بلاد الإسلام. وكان الحسني أكد في بداية حديثه أن موضوع الأقليات يهم المسلمين جميعا ويقع اليوم في صميم المواطنة مبرزا أن الإسلام أسس لحقوق المواطنة بالنسبة للأقليات وأنه لا يجوز التشكيك في هذه الحقيقة واستعمال الدين لعرقلة أي حق من هذه الحقوق ما دامت المواطنة قائمة على قوانين تتقرر بالقواعد المرعية ويخضع لها الجميع.