السوريون يتغلبون على مشكلة نقص الغاز باستخدام الميكروويف و«بوابير الجاز»

بسبب الأحداث الدامية في سوريا أثناء شهر رمضان المبارك

مصلح «بوابير جاز» دمشقي مخضرم في سوق دمشق القديمة («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أنه منذ أكثر من ثلاثين عاما دخل التراث السوري بعد استخدامه لعشرات السنين في مطابخ السوريين.. عاد «بابور الجاز» ذلك الموقد المنزلي الشهير إلى الصدارة في مطابخ المنازل، وبات العابر للعديد من أسواق دمشق وبسطاتها يلاحظ عرض الباعة له بأشكاله المتنوعة ومقاساته المتعددة، كما عاد لينزل من رفوف العرض كقطعة أنتيكا لتتم صيانته وإعادة تشغيله من جديد، فبسبب العقوبات الاقتصادية وبسبب الأحداث الدامية التي تشهدها سوريا وصعوبة نقل وتوزيع جرات الغاز المنزلي بين المدن أدى ذلك إلى صعوبة الحصول عليها من موزعي الغاز في الشوارع والحارات والذين كانوا يوصلونها إلى منزل طالبها إلى أن يقوموا بتركيبها لهم في مطبخ منزله.

تتنهد أم فادي صالحاني، وهي سيدة منزل ثلاثينية العمر، معلقة: «أضطر زوجي للوقوف ساعتين أمام موزع الغاز في الحارة ليسجل دورا له في الحصول على الجرة والذي سيكون بعد أسبوعين، ونحن سننتظرها فالمهم أن نحصل عليها، لأنه لا يمكن الاستغناء عن الغاز في الطبخ وإعداد الوجبات ولو أنني عدت لاستخدام بابور الجاز والذي كانت حماتي (والدة زوجي) تستخدمه قبل ربع قرن، وقرر زوجي الاحتفاظ به للذكرى، ولكنه نفعنا في الوقت الحالي مع مشكلة عدم توفر الغاز المنزلي»، تضحك أم فادي معلقة: «شر البلية ما يضحك!.. فأنا أعد عليه حاليا وجبات الإفطار خاصة الأكلات التي تحتاج لفترة زمنية طويلة نسبيا للطهي والبقاء على الموقد، وأنت تعرف أننا نحن السوريين نحب تنويع الوجبات على مائدة الإفطار وتزيينها بكل المقبلات والمشاريب الرمضانية والأكلات الرئيسية التي تحتاج للحم والسمنة والرز أو البرغل وغيرها، حيث يحفل المطبخ السوري بعشرات الأنواع من هذه الأكلات».

والمعروف أن «بابور الجاز» والذي استخدم قبل دخول المواقد التي تعمل على الغاز وما زالت تستخدمه بعض الأسر الريفية السورية يعمل على مادة الجاز التي يحصل عليها السوريون من محطات الوقود أو من باعة يتجولون على طنابر كانوا يبيعون عليها مادة المازوت وباتوا حاليا يعرضون الجاز بزجاجات بلاستيكية على طنابرهم لبيعها للناس في الحارات والأزقة الدمشقية.

والبابور كما يوضح أبو عدنان، وهو أحد المهتمين بصيانة وجمع الأدوات التراثية، يحتاج بشكل دائم للصيانة وتغيير فالاته ورأسه وتنظيفه من المخلفات، فالبابور عبارة عن موقد أرضي له أرجل وسيقان معدنية ويعلوه خزان دائري معدني يعبأ من فتحة بجانبه بالجاز بواسطة قمع بلاستيكي أو معدني (محكل) ويعلو الخزان أنبوب يوصل لرقبة ورأس البابور والذي تعلوه قضبان معدنية ممتدة من الأرجل حيث يتم ليّها في أعلى الرأس ليوضع عليها الوعاء ويصل الجاز للرأس من خلال دفاشة (منفاخ) بسيط يتم تحريكها بقوة بيد المستخدم من الخزان فتصعد نحو الرأس الذي يعطى له لهب النار بواسطة عود كبريت فيشتعل الرأس ويبقى لدقائق قليلة حتى يصبح لون النار أزرق، ويعني ذلك أنه صار في الوضع الجيد للطهي فيتم وضع الوعاء المعدني عليه (الطنجرة) والذي يضم الوجبة المراد طهيها، ولذلك - يبتسم أبو عدنان - فإن «بابور الجاز» يحتاج لأدوات مرافقة له كانت قد انقرضت، ومنها مثلا «النكاشة»، وهي عبارة عن قطعة معدنية بسيطة ورقيقة تنتهي عادة برأس مائل دبوسي يتم من خلالها تنظيف ثقوب رأس البابور من الأوساخ وفتحها بين الفترة والأخرى حتى تبقى ناره زرقاء قوية، وبالتالي يسرع في إنجاز الطهي. إن لاستخدام «بابور الجاز» طريقة مختلفة عن تلك المستخدمة في مواقد الغاز - يسهب أبو عدنان بالشرح - فهي أصعب وأطول زمنيا، حيث تقتضي من الشخص إدخال أداة رفيعة مع جلدة لنفخ الجاز داخل خزانه الصغير حتى يصعد للرقبة ومن ثم لرأسه ويلتقط النار من عود الثقاب، وعملية الضرب والنفخ هذه قد تستمر لدقائق وتحدث صوتا مميزا! وفي مقابل العودة لـ«بوابير الجاز» التراثية في طهي وجبات الإفطار ظهرت وسيلة جديدة وهي الأكثر عصرية.. حيث انتشرت في الأشهر الأخيرة مع أزمة الحصول على الغاز المنزلي «مواقد الطهي الليزرية» والتي تعمل على الكهرباء إذ ازدحمت بها محلات البيع المتخصصة في سوق الكهرباء المتفرعة من ساحة المرجة الدمشقية العريقة وصار المتسوق والزائر يشاهد تنافس البائعين على عرض هذه المواقد الجديدة والعصرية والإعلان عن مزاياها وطاقتها، فكلما زادت طاقتها والتي تقاس بالشمعات (هناك مثلا ألف أو ألفا شمعة) - يشرح أبو رشيد، أحد البائعين في شارع النصر للأدوات المنزلية ومنها هذه المواقد العصرية - عملت بشكل أفضل وسرعت بطهي الطعام وهو بكل الأحوال لا يحتاج لأكثر من دقائق قليلة لتتم عملية الطهي، فهذه المواقد تعمل على الأشعة الهيلوجونية التي تساعد في طهي الطعام بسرعة، ولذلك يشبهها البعض بأفران الميكروويف المعروفة والتي تسخن الأطعمة بدقائق قليلة جدا، ولكن أليس لهذه المواقد الليزرية والهيلوجونية الكهربائية أي أضرار صحية وبيئية؟ يجيب أبو رشيد: «سؤال نتعرض له كل يوم عدة مرات من الزبائن والعابرين والفضوليين، ومعهم حق في ذلك لأن العديد من الناس ما زالوا حتى الآن يحجمون عن استخدام الميكروويف والذي دخل المطابخ السورية منذ أكثر من عشرين عاما معتقدين أن له أضرارا صحية، فما بالك بهذه المواقد الجديدة؟! (يبتسم أبو رشيد)، ولكن حسب الموردين له والمهتمين به فإنه ليس له أي أضرار صحية مطلقا، كما أنه صديق للبيئة بعكس المواقد الأخرى. ولكن مشكلته الوحيدة فقط أنه يحتاج لطنجرة خاصة حيث لا يمكن الطهي عليه بأي طنجرة معدنية أو مصنعة من البورسلان مثلا، ولذلك نحن نقدم الطنجرة عادة مع الموقد كهدية للزبائن، وبالتالي أعتقد أنه حل معقول لمشكلة عدم توفر الغاز المنزلي، ولكن بشرط أن تتوفر الكهرباء أيضا حيث هناك برامج تقنين ويمكن للمرأة أن تبرمج طهيها للطعام على مثل هذه المواقد مع فترات توفر الكهرباء، وخاصة قبل موعد الإفطار بفترة زمنية، بحيث تتمكن من إعداد مائدة الإفطار لأسرتها بكل مفرداتها وأطباقها».