قصر الصفا

صالح المغامسي

TT

الدور والقصور تشرف بما يكون فيها من فضل، وبما يعود على الناس من نفع، وبمن يؤمها ويسكنها من الشرفاء، وقصر الصفا قصر ملكي، على مقربة من المسجد الحرام، مطل على البيت العتيق، جرت سنة ملوك هذه البلاد أن يقضوا فيه العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، إلا أن قصر الصفا في أيامنا هذه ستشرئب إليه أعناق المسلمين جميعا الليلة، إذ يعقد فيه المؤتمر الاستثنائي لدول منظمة التعاون الإسلامي، بدعوة كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أيده الله، فالدعوة نبيلة الطريقة والغاية، والداعي ملك موفق، والحاجة ملحة، والليلة ليلة شريفة مباركة تواترت في حقها آثار عدة، والمكان مطل على بيت الله العتيق، الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا.

ولم يبق إلا أن يستشعر قادة المسلمين مسؤوليتهم أمام الله ثم أمام الأمة، وهذه وصايا إن بلغت من كتبت لهم وأخذوا بها نفعت بإذن ربها:

أولاها: أن تحكيم شرع الله أعظم مطالب الشعوب المسلمة، ولا يحق لحاكم أيا كان حاله أن يحول بين الأمة وبين حكم ربها، وتحكيم شرعه في الدماء والأعراض والأموال، ولا بد من سعي حثيث جاد في هذا السبيل، فكل القوانين الوضعية هباء أمام حكم رب الأرض والسماء.

ومنها أنه إذا استصحب القادة أن الله جعل بيته العتيق مثابة للناس وأمنا، فليدركوا أن من حق شعوبهم أن تعيش في أمن يكون فيه قيام أمر دينها ودنياها.

وهذا الأمن لا يصنعه شيء مثل العدل، وهو أعظم واجبات الراعي وأجل حقوق الرعية. ومن الوصايا أن يدرك القادة - وفقهم الله - أن الأمة تعيش تفرقا عظيما، وضعفا شديدا في ميادين شتى، عسكرية واقتصادية وسياسية، وليس لها خيار إلا أن تتحد وتنبذ الفرقة وراء ظهرها، ولا بد من قيام حلف إسلامي واسع يكون قادرا على القيام بأعباء الأمة، فهذه سوريا يئن شعبها تحت وطأة طاغية الشام، والعالم الإسلامي ما زال مختلف الكلمة حول أحقية هذا الشعب المجاهد المبارك في أن ينصر أو يترك أو يعادى، فإذا كان القادة مختلفين حول هذا الشأن البين الواضح، فكيف بالأمر الملتبس والشأن المبهم؟! ومن يرون نصرة الشعب السوري، وهم كثر، لا يملكون القدرة على نصرته حق النصرة، فبمناقشة مثل هذه القضايا وفصل الخطاب فيها، يعظم شأن القادة في أعين الشعوب المسلمة ويكبر الأمل، وإلا فإن الجراح ستزداد، والثقة في قادة الأمة ستضعف إن لم تفقد بالكلية.

الاقتصاد اليوم أمضى من السلاح فتكا، وأشد أثرا، ومع ذلك فالأمة ليس لها سوق اقتصادية مشتركة تقوم على تنظير الربانيين لا على دعاوى الربويين، بل لا هذا ولا ذاك، وإلا لما تجرأت - مثلا - دولة ميانمار - على شعب بورما المسلم تذيقه سوء العذاب.

أثر الربيع العربي سيكون حاضرا بلا شك في أروقة المؤتمر، فقد ذهب قادة لفظتهم الشعوب قبل الأرض، فمنهم من نفي ومنهم من سجن ومنهم من قبر، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وسيحضر المؤتمر قادة هم ألصق بشعوبهم ممن سبق، وبقي قادة ما زالوا - بحمد الله - مناط حكم ومحل ثقة وأفراس رهان، وقادة يرجون أمر الله، فهل سيكون هذا المؤتمر استثنائيا حقا؟

ذلك ما نرجوه من الله في ليلة ترجى أن تكون ليلة القدر.