المدرسة العمرية في دمشق سميت بـ«الشيخة» لأنها أول جامعة إسلامية في بلاد الشام

الأحداث الدامية في سوريا تثير مخاوف السوريين من تعرضها للتدمير والخراب

جانب من المدرسة العمرية الأثرية في دمشق («الشرق الأوسط»)
TT

تثير الأحداث الدامية في سوريا مخاوف السوريين من أن هذه الأحداث قد تعرض مناطق أثرية للتدمير والخراب، كمنطقة الصالحية على سفوح جبل قاسيون بدمشق، حيث توجد مباني المدارس التاريخية التي ازدهرت حركة تأسيسها في العصر الأيوبي حتى إن شارعا يطلق عليه في المنطقة اسم حي المدارس.. في هذه المنطقة التي تعج بمفردات التاريخ والتراث تتموضع مباني المدرسة العمرية التي تعتبر أول جامعة إسلامية في بلاد الشام, كما تصنف على أنها أكبر وأهم ما تبقى من مدارس دمشق القديمة، حيث تبرز أهميتها من كونها ذات طراز معماري جميل وتتموضع على مساحة كبيرة من الأرض، على الرغم من قيام بعض السكان المجاورين بتجاوز أبنيتهم المشيدة فيما بعد على أرض ومباني المدرسة العمرية. كذلك عرفت المدرسة منذ تأسيسها قبل مئات السنين بأنها «الشيخة» أي الجامعة، حيث كانت أول جامعة في بلاد الشام، تدرس فيها العلوم الدينية وتستقبل الطلاب في حجراتها ليلا ونهارا وتقدم لهم المدرسة، حسب نظامها الداخلي، الطعام والمأوى مجانا، إضافة للمصروف اليومي.

وقد عانت المدرسة في القرن العشرين الماضي من الإهمال والتهدم, حتى منتصف تسعينات القرن الماضي، حيث باشرت الجهات المعنية ترميم المدرسة بغية إعادتها إلى ما كانت عليه من طراز معماري جميل، وكذلك تأسيس مركز للدراسات الإسلامية في المدرسة. وظل العمل يسير بشكل جيد حتى أوائل عام 2001، حيث تم صرف نحو عشرة ملايين ليرة من خلال تبرعات الجمعيات الخيرية وموازنة مديرية أوقاف دمشق وبإشراف مديرية الآثار العامة، وأنجزت نسبة لا بأس بها من أعمال الترميم التي أشرفت عليها لجنة شكلت من وزارة الأوقاف السورية ضمت باحثين تاريخيين ومهندسين. ومع بداية عام 2001 توقف العمل بالترميم لإشكالات مالية أهمها نقص وعدم توفر المال اللازم للترميم، ولإشكالات إدارية حصلت مع لجنة إنجاز الترميم, وقد أنجزت اللجنة أعمال ترميم الأقواس والغرف وبعض الأبنية داخل المدرسة. غسان كلاس باحث سوري أنجز قبل فترة دراسة تاريخية وعلمية عن المدرسة العمرية أوضح في هذا المجال: «احتفالا بالقرن الخامس عشر الهجري تبنت وزارة الأوقاف افتتاح المدرسة العمرية وترميمها، وشكلت لجنة لإعادة بنائها وإعدادها مركزا للبحوث الإسلامية بالمحافظة على ما هو أثري لترميمه، وشراء بعض الأبنية المجاورة لضمها إلى المدرسة ليكون المجموع حرما كبيرا يعيد للمدرسة مجدها وعزها. وقد وضع في عام 1990 حجر الأساس لمشروع إقامة (مركز البحوث الإسلامية) في هذا المبنى التاريخي، يحتوي على مكتبة وقاعة محاضرات وغرف مطالعة وبحث ودراسة وتأليف وتحقيق علمي, فأزيحت الأنقاض وحفظ ما بقي من آثار، ووضعت الخطط الهندسية المتكاملة للمشروع والنظام الداخلي للمركز, ولكن ليتوقف العمل بعد ذلك ولتعود المدرسة إلى حال سيئة».

ويوضح عدد من المؤرخين أن المدرسة العمرية بنيت من قبل الشيخ أبو عمر بن أحمد بن محمد بن قدامة الذي هاجر والده من نابلس بفلسطين وبنى حي الصالحية في دمشق، وقام ابنه ببناء المدرسة العمرية سنة 557هـ حيث سميت بالشيخة أو الشيخية - يقول كلاس - ومن هذه المدرسة تخرج الآلاف من الفقهاء والعلماء والمحدثين وضمت غرفها وخلاويها التي قاربت 360 غرفة نحو الألف طالب في وقت واحد. وكان مدرسوها وشيوخها من أعاظم الشيوخ، فهي أشبه بجامعة تضم كليات لمختلف فئات الطلبة. وقد أوقف المحسنون الأوقاف اللازمة عليها لكي تفي بمتطلبات مناهجها في التعليم. وكان الطالب لا يقبل فيها إلا بشروط معينة، في مقدمتها أن يتمتع بالسلوك الحسن والأدب والتقوى. وكان لها مكتبة خاصة بها عامرة بآلاف الكتب من كل الفنون، حتى ضمت نفائس الكتب ونوادرها.

وظلت المدرسة العمرية تخرج الباحثين والفقهاء، ولكن عانت بعد ذلك الإهمال، وتذكر المصادر التاريخية أنه في عام 1910 كان فيها 110 غرف، والحجرات المأهولة بالطلبة خمس، وفيها عشرون طالبا، وباقي الغرف بين الفقراء وحجراتها قديمة جدا وضيقة. وفي عام 1935 ذكر الباحث التاريخي أسعد كلاس أنه لم يبقَ من بناء المدرسة إلا غرف الطابق الأرضي تسكنها طائفة من النوبة والسودان والمغاربة. وعن محاولات إصلاحها وترميمها - قال كلاس - بدأت تلك المحاولات (إيكو شار) سنة 1942 وفخري البارودي عام 1945، وقد طرأت عليها تطورات وتبديلات ذكرها المؤرخ أحمد قداحة في دراسته عنها، وهي أن قسما منها أزيل بفتح شارع واسع في جهتها القبلية أو قسما آخر من جهة الشمال ضم إلى دور السكن وآخر سطا على الحديقة في غربها والدير في شرقها فتهيأ أنه لم يبق من المدرسة غير جدارها القبلي الحجري وآخران في غربها وشرقها، والطابق تحت الأرض الذي ذهب به الشارع الجديد.\