«الزمزمي» مهنة حاضرة.. وتقاليد غائبة

أبناء مكة يقدمون «شربة زمزم» وفق الطقوس القديمة

أحد أبناء مكة يقدم «شربة زمزم» وفق الطقوس القديمة («الشرق الأوسط»)
TT

في وقت توارى فيه عمل «الزمزمي» عن الأنظار، لتتجلى سقيا زوار البيت العتيق في أبهى صورها. يبدو أن مهنة الزمزمي لا تزال حية في أذهان أبناء شيوخ الطائفة. وهو حال هشام زمزمي الذي لم يمنعه سيل التداعي لصور تؤرخ لطقوس المهنة وأدواتها الحاضرة، والتي أمست جزءا من تراث البيوت المكية؛ فلا يكاد يخلو بيت من طاسة نحاسية، منقوشة بآيات من القرآن، يعطرها الزمزم المبخر بالمستكا.

وفي حين اختفت كثير من أدوات الزمزمي؛ إلا ما أمسى جزءا من ديكور تزين بها الساحات الخارجية للمنازل، ظلت صورة الزمزمي بلباسه التقليدي حاضرة لا تغيب «غبانة» وهي عمامة على الرأس، و«سديري أبيض» بجيوبه الثلاث، و«البقشة» التي هي شال صوفي يلف على الخاصرة، ويربط من الأمام من خلال احتفاظ بعض أبناء الطائفة بـ«تقليد ارتدائها على الأقل في المواسم الدينية، وخصوصا أثناء غسل الكعبة» كما أوضح زمزمي.

الزمازمة باعتبارها مهنة تشرف بها أهل مكة، بصورها العتيقة المجدولة بأسماء عائلات، ورثت مهنة الأجداد للأحفاد؛ والتي تجاوزت حاجز الـ150 عاما؛ في حين تركت كتابة مستقبل المهنة مرهونا بأصالة حاضر، يمثله القائمون على سقيا زمزم بالرئاسة العامة لشؤون الحرمين؛ من خلال توليهم القيام بمهام الرفادة للزائرين عبر ما توفره من حافظات زمزم المبردة وغير المبردة؛ والتي يبلغ تعدادها 22 ألف، قابلة للزيادة حسب الحاجة كما أوضح عبد الحميد المالكي مدير إدارة سقيا زمزم.

وفيما يستدعي ابن الزمزمي وميض الذكريات ؛ التي كانت مستقر الزمازمة بأزيارها المغربية، ومرافعها المصنوعة من الحديد أو الخشب، الحاملة لدوارق وشراب منقوشة بأسماء الله الحسنى وتجهيزها للشرب. يبدو أن الوجه المشرق للمشربيات الرخامية الموزعة؛ في أرجاء المسجد الحرام يأبى إلا أن يكون حاضرا من خلال 114 مشربية، التي تحمل أكثر من ألف وأربعمائة وخمس وأربعون صنبورا؛ لتسيل ماء غدقا في أوردة المعتمرين.

فيما جاء اعتماد أوقات الدوام في سبل زمزم خلال أيام وليالي الشهر المبارك، متمشيا مع الحاجة الاستهلاكية التي تصل لأكثر من ألف وتسعمائة متر مكعب، كما أوضح المالكي، ليست قاصرة على الزائرين، بل تشمل احتياجات المواطنين وهو ما يبدو واضحا في تحديد 4 ساعات للدوام في سبيل الملك عبد العزيز بمنطقة كدي، 24 ساعة عمل لمجمع الغزة، فيما تم تجهيز مجمعات خاصة لتعبئة الجوالين خارج المسجد الحرام؛ لتغطي الحجم الكبير من استهلاك زمزم.

ولأن تاريخ السقيا خط أولى سطوره وقع خطوات هاجر، وصرخات وليدها في بيداء مكة الطاهرة. لن تفاجأ أبدا بمن يمد لك يدا محملة بحبات الرطب، وبالأخرى شربة زمزم هنيئة تروي عطش الصوم وتدعو لك بالمغفرة والرضوان.