المسلمون الهنود يرون أن العطور تزيد تركيزهم في الصلاة وتنقي أرواحهم

تستخلص من مصادر نباتية خلال شهر رمضان ويزداد الطلب عليها في عيد الفطر

استخلاص العطور من خلاصة الزهور الطبيعية ليدوم عبيرها وشذاها لفترة طويلة («الشرق الأوسط»)
TT

يتزايد الطلب على العطور الطبيعية التي يتم استخلاصها من مصادر نباتية خلال شهر رمضان المعظم في الهند، حيث يشعر كثير من المسلمين الهنود بأن هذه العطور تزيد من تركيزهم في الصلاة وتنقي روحهم. ومنذ عهد أباطرة المغول، والمسلمون الهنود يفضلون استخدام العطور المستخلصة من الزيوت الطبيعية والبتلات والأعشاب.

ويرى محمد آصف أن العطور تستخدم في العلاج، وأشار إلى أنه أنفق أكثر من 5 آلاف روبية على شراء العطور. وأضاف آصف: «يتم استخلاص العطور من خلاصة الزهور الطبيعية ويدوم عبيرها وشذاها لفترة طويلة. وخلال شهر رمضان المعظم الذي نحب أن نقضي معظمه في الصلاة، تساعدنا هذه العطور الطبيعية واللطيفة على التركيز وتعمل على توليد الطاقة».

ومن أشهر العطور الطبيعية والموثوق فيها عطر الجيل وعطر الشامة وعطر الحنة وعطر المسك وعطر المسك والحنة. ويقول محمد أصفر خان، الذي يعمل في محل بشرى للعطور إن سعر عطر «العود»، الذي يتم استخلاصه من خشب معين ينمو في ولاية أسام الهندية، يصل إلى 20 ألف روبية لكل 10 غرامات، مشيرا إلى أن الناس يفضلون عطور الربى والشاه والميحاك، أما أكثر العطور رواجا فهو عطر «جنة الفردوس» الذي يسيطر على نحو 80 في المائة من سوق العطور. ودائما ما تتغير أذواق الناس، ولم يعد يتم استخدام الطريقة القديمة لإعداد العطور من خلال مواقد من النحاس، وأصبح الأمر يعتمد اليوم على خلط مزيج من المكونات والمركبات.

ويزداد الطلب على العطور في عيد الفطر المبارك في كل شوارع العاصمة الهندية دلهي، وينفق الناس مبالغ طائلة لشراء كميات متواضعة من العطر، كي يحتفلوا بالعيد في أبهى صورة. ومن أشهر العطور وأكثرها رواجا عطر «جنة الفردوس» و«خاس» و«شمامة» و«موخالات».

والشيء المثير للاهتمام هو أن بعض الأشخاص يحرصون على شراء عطور نادرة وباهظة الثمن من الخارج، فعلى سبيل المثال يقول المقاول شامشاد أحمد الذي قام باستيراد عطره من المملكة العربية السعودية: «بما أن الإسلام يحرم الكحول والمواد الكحولية، نلجأ بصورة عامة إلى العطور للاستمتاع براحتها بما أنها لا تحتوي على كحول». ويضيف أحمد أن عشقه للعطور جعله يحرص على شراء عطر «العود» من المملكة العربية السعودية هذه المرة، ويتابع قائلا: «يستخلص هذا العطر من نبات العود مع قليل من خشب الصندل، ونادرا ما تجد هذا العطر هنا، ولذا اشتريت كمية كبيرة منه. صحيح أنه تكلف 25 ألف روبية، ولكنه يستحق ذلك».

ومن سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يطيب رأسه ولحيته، ومن عادات المسلمين في الهند أن يهدوا العطور لضيوفهم، ويقال إن العرب هم أول من استخدموا العطور. ولا يقتصر الأمر على ذلك، حيث يشتري البعض العطور لأسباب علمية أيضا. وفي الآونة الأخيرة، أنفق رجل الأعمال جافيد صديقي نحو 15 ألف روبية لشراء كميات متفاوتة من عطر «الفل» وعطر «شمامة»، ويقول صديقي: «النكهات الطبيعية المستخلصة من الزهور والفواكه تساعد الإنسان على التغلب على الضغط والقلق. وتعمل هذه النكهات على تقليل التوتر وتساعد الشخص على التركيز على العبادات بصورة أكبر». ويشير صديقي إلى أنه سوف يهدي أصدقاءه بعض العطور في عيد الفطر المبارك، مضيفا: «قليلون هم من يعرفون فوائد العطور، ولذا قررت أن أهدي بعض أصدقائي المقربين عطورا في عيد الفطر».

يذكر أن عددا كبيرا من العائلات الهندوسية تعمل في تجارة العطور منذ ما يزيد على قرن من الزمان، مع العلم بأن نحو 70 في المائة من زبائنهم من المسلمين. وهناك متجر عطور يعود تاريخ إنشاؤه إلى أكثر من قرن من الزمان يسمى «لالا سيتارام إيوديا براساد» وتديره عائلة هندوسية، ويبيع هذا المتجر العطور للمتدينين الذين يزورون الضريح المقدس عند المسلمين في أجمير. ويجذب هذا المحل كثيرا من العملاء الكبار ومعظمهم من المسلمين. ومنذ الوهلة الأولى، تبدو متاجر بيع العطور وكأنها متاحف مليئة بالمقتنيات الأثرية، حيث يوجد بها 1500 نوع مختلف من أنواع العطور، بالإضافة إلى مجموعة من الأواني المصنوعة منذ نحو قرن من الزمان والقوارير المصنوعة من جلد الإبل المستوردة من فرنسا والشرق الأوسط.

أما أغلى عطر في الهند فيصل سعره إلى 8 آلاف روبية لكل 10 غرامات ويباع بشكل جيد هنا، ويشكل الباكستانيون الغالبية العظمى من مشتريه. ويقول راجيندرا غوبتا، وهو الجيل الرابع من أصحاب هذا المتجر في المنطقة التي يسودها السكان المسلمون: «تتمتع عائلتنا بعلاقات ممتازة مع الباكستانيين الذين يقدرون قيمة العطور ويشترونها بكميات كبيرة». وثمة علاقة ممتازة بين العائلات الهندية من الهندوس والعملاء من المسلمين الباكستانيين، حيث يؤكد غوبتا: «دائما ما يهنئوننا في أعيادنا ودائما ما نهنئهم في أعيادهم».

وعلى عكس الروائح الحديثة، فإن العطور لا تحتوي على الكحول، لذا فهي تلقى استحسان المسلمين الهنود الذين لا يفضلون استعمال الماركات العالمية الشهيرة لاحتوائها على الكحول. ويحقق باعة العطور أرباحا هائلة هذا الشهر، معتمدين على الروائح العطرية الخاصة التي يتم إحضارها إلى المدينة. ويوضح سانديب، الذي تعمل أسرته في هذا المجال منذ 100 عام تقريبا: «تتضاعف مبيعات العطور مرتين أو ثلاثة أثناء شهر رمضان، حيث تأتي معظم الأسر المسلمة المرموقة لشرائها». وتحدث عن أسماء بعض أبرز العطور وأسعارها قائلا: «أشهر هذه العطور هي المجموعة وجنة الفردوس والمسك والمعطر وشمامة. ومتوسط سعر هذه العطور يتجاوز 100 ألف روبية للتر الواحد، أي أن الزجاجة الواحدة منها تتكلف نحو 4 إلى 5 آلاف روبية. كما يتوقف السعر أيضا على كمية ونوعية العطر الذي تشتريه».

وقد سجلت صفحات التاريخ أن إمبراطور المغول أكبر كان يحتفظ إلى جانب سريره بـ100 قنينة من هذا العطر المقطر والمركز، وكانت توضع، كما جرت العادة، إما في قناني زجاجية ملونة أو في أوان مزينة بالجواهر. كما يشير بدر الحسن، تاجر عطور، إلى أنه في عهد المغول، كانت الأميرة ممتاز بيغوم تستحم في حوض مليء ببتلات الأزهار، مما كان يساعد على عزل الرائحة في فصل الصيف، وقد استغل المغول هذه الفكرة وقاموا بإحضار العطور إلى الهند.

ويتم تقطير الزيوت المستخلصة من الخشب والأعشاب داخل قاعدة خشبية ثم تترك لتتعتق، وقد تمتد فترة التعتيق من سنة واحدة إلى 10 سنوات، على حسب العقارات النباتية المستخدمة والنتائج المطلوبة، وتخلو هذه العطور الطبيعية من أي مواد كيميائية.

ويبدأ سعر العطور الهندية من 50 روبية وقد يصل إلى ألف روبية، في حين أن العطور الفرنسية والعربية تتكلف 40 ألف روبية، كما بدأ الشباب الهندي في الإقبال على استعمال العطور لأنها صديقة للبيئة. وقد ظلت العطور حتى الآن منحصرة في الروائح التقليدية مثل روائح المسك والياسمين والأزهار، إلا أن باعة العطور البارعين ينتجون روائح مقلدة من الماركات الشهيرة من أجل الزبائن المسلمين الذين يريدون روائح خالية من الكحول ولكن سعرها «في المتناول».

وما إن يأتي رمضان حتى يقيم بائع العطور المخضرم جان سينغ متجر العطور الذي يملكه على جوانب الطرقات بالقرب من المساجد الكبيرة، ولم يفته هذا النشاط التجاري في شهر رمضان منذ 22 عاما، حيث يلقى رواجا جيدا يبيع خلاله 70 نوعا مختلفا من العطور خلال هذه الفترة. وهو يقول: «أكسب نحو 20 ألف روبية أثناء شهر رمضان».

ويقول سيد مبارك حسين، وهو موظف حكومي في دلهي، مشيرا إلى إحدى جزئيات السنة النبوية: «نظرا لأن النبي محمد كان يحب العطر، فقد اتخذ استعماله بين المسلمين شكل السنة، لذا لا يذهب مسلم إلى الصلاة دون أن يضع كمية قليلة من العطر على جسده، والمقصود من هذا التعطر هو تطهير الروح».

وداخل دائرة النبلاء المسلمين في الهند، كان التعطر سمة أساسية في زينتهم، سواء بنفحة من رائحة الغابة النضرة، أو رائحة الطين المحروق قبل هبوب الرياح الموسمية، أو شذا أنواع غريبة من الزهور، وقد دأبت عائلات المسلمين على ذلك منذ أجيال. وتقول ممتاز رباني، التي تعيش في حي المسلمين القديم بالعاصمة، إنه ليس أمامها أي خيار آخر سوى استعمال العطور، حيث يمنع والداها استعمال أي شيء يحتوي على كحول داخل المنزل، وتضيف: «أنا سعيدة لأنه أصبح بإمكاني استعمال إحدى الروائح الشهيرة في العطور إلى جانب الروائح التقليدية».

وفي مومباي، يقول حسين العطار، الذي يقوم بتصدير الزيوت الطبيعية إلى أوروبا والشرق الأوسط (رغم أنه لا يصنع أي منتجات مقلدة)، إن النشاط التجاري للمقلدين يشهد ازدهارا كبيرا، متسائلا: «لماذا تتحدثون عن الهند فقط؟ إنه نشاط تجاري رائج في الشرق الأوسط وفي فرنسا أيضا، حيث يسر الزبائن أن يحصلوا على عطر ممتاز وبعشر ثمن العطر الأصلي».