الشيخ محمد جميل: القدوة الحسنة ينبغي أن تكون قيمة مشاعة بين الأجيال

رئيس المجلس العلمي في مدينة أغادير: بينها العناية بالأسرة والمجتمع المدني ومقاومة الفساد

الشيخ محمد جميل أثناء إلقائه درسه الرمضاني بمسجد محمد الخامس في طنجة («الشرق الأوسط»)
TT

أبرز الشيخ محمد جميل، وهو من علماء المغرب (رئيس المجلس العلمي في مدينة أغادير)، أن التربية النبوية تعد من أكبر معجزات الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأنه من ثمار هذه التربية أن البلاد بأكملها استقبلت الإسلام عن حب ورضا واختيار، مشيرا إلى أنه يصح اعتبار تخليق الحياة العامة مشروعا كبيرا يضاف إلى المشاريع الضخمة التي تنتظر الإنجاز.

ويرى جميل أنه إذا طبقت القدوة الحسنة تطبيقا أمثل وفق هذا المشروع فإنها تسري إلى أوصال الحياة العامة، بما أنها انعكاس للحياة الخاصة، مبرزا أن منطلق التخليق أن يصلح كل آخذ ما أخذه فيبقيه صالحا ويعطيه صالحا فيتسلسل الآخذون والمعطون هذا التسلسل الذهبي. وزاد قائلا إن القدوة الحسنة ينبغي أن تكون اليوم قيمة مشاعة بين الأجيال وفي الحياة العامة، بهدف تحقيق التغيير الإيجابي المتوقف على تغيير أحوال النفوس كما قال الله تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

وأشار جميل إلى أن أولى الناس بتخليق الحياة العامة هم العلماء والآباء والأمهات والأساتذة والمربون والكتاب والمسؤولون عن تدبير الشأن العام، يرقبهم في أداء تلك الأمانة من جعل الله مقاليد الأمة بيديه بعد أن يكون أمثلهم. وأكد جميل، الذي اختار «القدوة الحسنة وأثرها في تخليق الحياة العامة» موضوعا لدرسه، في مسجد محمد الخامس بطنجة، بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس، أن القدوة الحسنة أثرت في تخليق الحياة العامة عبر تاريخ هذه الأمة، وأن جبين هذه الأمة رصع عبر التاريخ بعلماء وصلحاء وخلفاء أعطوا الحضارة والثقافة صبغتها الخاصة المتمثلة في صبغة الاقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) فأصبحوا هم بذلك قدوة، موضحا أن المسؤولين عن تدبير الشأن العام يرعون حرمة الدماء والأعراض والأموال، ويقيمون حولها سياجا من الأمن، ثم ينشرون ما يحبب ذلك، كما أنهم يحمون الآداب العامة، ويحسنون تدبير الشأن العام.

وبين المحاضر أن تتبع مقالات العلماء في أمر القدوة الحسنة يفضي إلى أنهم جميعا أدركوا ما للقدوة الحسنة من أثر في بناء الأجيال، ومن ثم قوي اهتمامهم بها في مختلف تخصصاتهم، مضيفا أن لعلماء أصول الفقه تأصيلات تؤسس لأثر القدوة وعلاقتها بالتشريع. وأوضح جميل أنه على مدوني السيرة استثمار وقائعها لإبراز أثر القدوة الحسنة المأخوذة من سيرة الرسول الكريم في تسديد خطوات الأمة في كل اتجاه تسير فيه، مبرزا أن مقاصد الاهتمام بسيرته (صلى الله عليه وسلم) أربعة، هي: معرفته نسبا ووصفا وخلقا وطريقة معيشة، ومحبته (صلى الله عليه وسلم)، والاقتداء به، والدعوة إلى سنته، وهي مقاصد مترابطة يفضي بعضها إلى بعض وبعضها ثمرة بعض. وأشار إلى أن هذا النهج في عرض وقائع السيرة يؤكد أمرين متلازمين في حقه (صلى الله عليه وسلم)، يتمثل أولهما في أنه عليه الصلاة والسلام يتصف بكل السمات الإنسانية مع عصمته مما يخل بمقام النبوة، وثانيهما أن سيرته (صلى الله عليه وسلم) لا تستعصي على الناس.

واستعرض عددا من الخطوات في طريق العودة إلى إشاعة القدوة الحسنة في صفوف أجيالنا، من بينها إيلاء مزيد من العناية للأجيال في المؤسسات التعليمية، والعناية بالأسرة في جوانبها التربوية، وتفعيل دور وسائل الإعلام وحمايتها من تسرب شوائب، والعناية بالمجتمع المدني ومقاومة الفساد، مشيرا إلى أنه لا يصد عن الفساد إلا وازع قوي، وأن القدوة الحسنة المشاعة وازع قوي، مبرزا أنها هي القادرة على الحد من الطغيان والفساد اللذين يجعلان المجتمع يفترس فيه القوي الضعيف. وأضاف قائلا «إن هذه الخطوات ترتكز على عناصر تهدي وتحمي مسار القدوة الحسنة أهمها عنصرا الدين والأخلاق».

وخلص محمد جميل إلى أنه «لما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) مجمعا للرسالات السابقة كان حريا أن تتجمع فيه كل معاني القدوة الحسنة التي اجتمعت في الأنبياء والرسل المذكورين والمأمور بالاقتداء بهم، وذلك يعطي ثلاث نتائج، هي أن الإسلام جامع لكل الأديان ومصدق لها ومهيمن عليها، وأن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) جامع لكل محاسن الأنبياء والرسل وزائد عليها بمحاسن، وأن هذه الأمة هي وارثة النبوات والرسالات، ومن ثم فهي المأمونة على قيم معيارية لا تتبدل ولا تتغير، وبذلك أعد الله هذه الأمة لزرع الإيمان بالله ورسالاته في أنحاء الأرض وللاستقامة على فضائل النبوات»، موردا لتعزيز هذه النتائج الثلاث قوله تعالى «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا».

يذكر أن محمد جميل تحدث في بداية درسه عن تقارب المعنى بين الأسوة والقدوة، موضحا أن مادة «القدو» تدل على اقتباس بالشيء ومقادرة، وذلك يشير إلى أن هناك أصلا تتم مقادرة فرع به، ومؤدى هذا أن الذي يقتدي بأحد يتخذه أصلا ومثالا في أقواله وأفعاله وأحواله، أما الإسوة والأسوة (بكسر الهمزة وضمها) فمعناها الخصلة أو الحالة التي يكون عليها الإنسان، فمعنى الأسوة ما يتأسى به فيقتدى به كما قال القرطبي، مؤكدا أن هذه المعاني اللغوية للمادتين تلحظ بيسر في موضوع الدرس «القدوة الحسنة» مع إضافة قيد الحسن المضاد للقبح.

وأبرز أن القرآن الكريم استفاض في ربط القدوة بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن سار على سننهم، وأنه إذا لوحظت سمة «العصمة» أوجب ذلك التسليم بحسن كل ما نسب إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام، والثقة بالمثال الذي يؤخذ منهم، مضيفا أن تعبيرا ثالثا يأتي في هذا السياق وهو «الاتباع» الذي تردد في النصوص الشرعية أكثر من المادتين السابقتين.