شاشات: بحر وحمّام وسيارات

مشهد من «حمام الهنا»
TT

* ربما - فقط ربما - بدت الفكرة جميلة على الورق رامز جلال يستضيف في كل حلقة من حلقات «رامز قرش البحر» ضيفا (ليس بالضرورة نجما، بل الغالب أنه ليس نجما أولا) ويرسله مع فريق مدرب إلى عرض البحر. بعد قليل سيبدو أن القارب تعطل أو أنه على وشك الغرق، وسيعتقد الضيف أن هناك سمكة قرش ضخمة تدور حول القارب ثم ها هو أحد الأفراد سيسقط، ويتم لفريق متخف تحت سطح الماء ببث ما يشبه الدم الذي ما إن يراه الضيف حتى يعتقد أن ذلك الرجل أو المرأة الذي سقط في الماء قد مات بين أنياب القرش وتقطعت جثته.

الضيف سيصرخ من دون توقف. هو الآن خائف من أن يقع معه ما وقع لسواه. يدعو الله ويصرخ طالبا النجدة ثم يصرخ لمجرد الصراخ و.. لكن كل شيء هو جزء من لعبة هو بطلها من دون أن يدري وها هو الأستاذ رامز يصعد القارب (أو وما تبقى منه) ويعيد الضيف إلى صوابه.

* على الورق.. ربما في التنفيذ، هذا من أكثر برامج رمضان إثارة للضجر. تشاهد حلقة واحدة وتطوي الباقي لأن الباقي شبيه بالحلقة التي شاهدتها مع اختلاف الضيف.

«رامز قرش البحر» (المصرية) يبدأ بالصريخ. صريخ رامز جلال هذه المرة. يصرخ من الكلمة الأولى حتى الأخيرة ويتحدث بسرعة ويبدأ السخرية من الضيف الذي وصل إلى رصيف الميناء. كان معه رامي صبري الذي «بوده أن يصبح عمرو دياب» ثم استضاف عبد الله مشرف الذي «نال جائزة نوبل في السذاجة»، ولا أدري ما قاله عن الممثلة نوال الزغبي خلال التقديم لأني لم أفهمه. خلال محنتها كرر سخريته معلقا على صرخات استنجادها. ضع نفسك مكان أي من هؤلاء تجد أن المقدم يريد تسجيل نجاح سريع على حساب كل منهم.

حتى وإن كان كل شيء مرتبا أساسا والضيف يعرف ما سيدور وكيف سيقع، إلا أن هذه ليست الطريقة لا الرمضانية ولا خارج رمضان التي يمكن تحقيق عمل ترفيهي. كما هو الآن عمل ساخر من دون ضرورة ويستحق الغرق.

طبعا هو ليس وحده في سلة الأعمال الرديئة. شاهدت حلقتين من «حط بالخرج» (التلفزيون الأردني) وأخذت بنصيحة البرنامج.. «حطيته» كله بالخرج.

ماذا تقول في مشهد طويل بين اثنين من الصعيد (رجل وامرأة) يجلسان عند مدخل بيت من تنك يتحدثان عن الطعام بطريقة أفلام الخمسينات. ثم مشهد طويل آخر لرجل يمشي في الطريق والسيارات تمر من حوله. وهو يمشي ويمشي وتنتقل الكاميرا منه وإليه وما زال يمشي دلالة على أنه مهموم. ربما لأنه استنشق الكثير من غاز ثاني أكسيد الكربون.

ثم عودة إلى الصعيدي وزوجته وهما يأكلان، وعودة للرجل وهو يمشي من قبل أن تنتقل الأحداث إلى مكان آخر بسحبة من سحبات تلك الموسيقى التي تشبه موسيقى الجنازات. الإخراج ركيك الحاشية، والإنتاج أكثر فقرا من ميزانية فيلم إخباري قصير. ولا تسل عن العناصر الفنية، لا عناصر ولا فنية.

المسلسل السوري «حمام شامي» (سوريا دراما) لا يقل سوءا، لكن على مستوى الكوميديا.

إذا ما كنت شاهدت حلقات «حمام الهنا» التي كان يضطلع ببطولتها حسني البرازان ودريد لحام وشاهدت «حمام شامي» الذي هو تكملة للمسلسل السابق قبل عقود، ستتمنى مشاهدة «حمام الهنا» كبديل.

تبدأ الحلقة العاشرة، مثلا، بمشهد قدوم امرأة لتخبر بطل الحلقات (المفترض به أنه خليفة دريد لحام، لكنه ممثل أفضل كثيرا في حلقات «ضبو الشناتي») بأنها وجدت له عروسا. تدرك من الكلمة الأولى أن سروره المبالغ به سابق لأوانه. وبعد قليل يتأكد لك ذلك، لكن هذا القليل كثير ويستمر بضع دقائق من الثرثرة التي تخفق في أن ترسم على الشفتين ابتسامة.

لا داعي لاختيار مشاهد أخرى لا في هذه الحلقة ولا في الحلقات السابقة لها أو اللاحقة. كانت هناك وصفة بسيطة وبريئة وسحرية وتلاشت عندما مات حسني البرازان ولحقه به أصحاب تلك الشخصيات النادرة مثل أبو صخر وأبو فهمي وأبو الشباب وانفرط العقد وتوجه دريد لحام لشخصيات جديدة ومسلسلات أخرى.

لا ينفع أن يهدف صانعو المسلسلات مجرد إعادة صنع مسلسل سابق من دون البحث عميقا بما صاغ نجاح ذلك المسلسل. ابحث عن توزيع الشخصيات الصحيح، عن الحكاية التي تستحق أن تسرد، عن العبارات الخارجة من بيئة طبيعية. عن النبرة الصادقة و - الأهم - عن تلك التلقائية التي سادت التمثيل ما يجعل من «حمام شامي» أقرب لأن يكون تمثيل التمثيل.