مدفع الإفطار والمسحراتي وصلة الرحم.. ذكريات تفرح القلب

الشيخ هشام يحيى خليفة

TT

شهر رمضان له في حياة كل إنسان ذكريات خاصة تختلف في وقائعها عن سائر الذكريات باقي أيام السنة، لأن رمضان شهر مميز لدى المسلم، وتتغير فيه الكثير من عاداته وسلوكياته. وما من رمضان إلا ويترك بصمات في ذكريات الإنسان العادي، فكيف بمن يكون لهم رمضان شهرا مليئا بالعمل والدعوة والدروس والاحتفالات! ذكريات رمضان في ذهني ومخيلتي تنقسم إلى ما هو مفرح وإلى ما هو محزن، وما يتعلق بي كفرد أو ما يتعلق بالمجتمع.

أما الذكريات المفرحة، فمنها اجتماع العائلة يوميا عند غروب الشمس لتناول طعام الإفطار، الكل يساعد الكل وحركة دائبة في البيت لا تراها إلا في شهر رمضان.

وأذكر أشخاصا يدخلون المسجد لا يدخلونه إلا في رمضان، وتكون الفرحة كبيرة عندما يدفعه ما يعيشه من روحانية العبادة والطاعة في شهر رمضان لأن يستمر ويواظب على الطاعة بعد ذلك طيلة أيام السنة.

ولا أنسى اجتماع أناس، وبأعداد كبيرة، لأداء الصلوات وخاصة صلاة التراويح وحضورهم مجالس العلم اليومية.

أذكر أجمل صور التكافل والتضامن الاجتماعي من أصحاب الخير مع باقي أبناء المجتمع، فترى تنافسهم في تقديم وجبات إطعام صائم وإخراج الزكاة ودفع الصدقات. فيحضّر الفقراء والمساكين أنفسهم لموسم الخيرات والمبرات ليتقبلوا المنح والعطايا التي تساعدهم على مواجهة أعباء الحياة في هذا الشهر الكريم.

هناك ذكريات متنوعة تفرح القلب لخاصيتها في شهر رمضان كمدفع الإفطار، ومدفع الإمساك عند السحور، والمسحراتي وصوته ومدحه الشجي، واجتماع الأصدقاء، والأقارب وتواصلهم وصلة الرحم فيما بينهم.

أما الذكريات المحزنة، فمنها وجود أناس لا يملكون خبز يومهم، ولا يجدون ما يأكلونه، وكذلك دول وشعوب مسلمة وغير مسلمة تعاني الجوع والحرمان. وقد تجد بعض الأغنياء يسرفون في مآدبهم التي تلقى في سلة المهملات بعد أن يأكلوا منها الشيء اليسير. ومما يحزنني ذكريات الحرب التي عشناها في لبنان، وكم من مرة عشنا الخوف من القتال والقصف ساعة الإفطار، فما كان الناس يهنأون لا بطعام ولا بشراب! وأتذكر الآن شعوبا شقيقة تعاني المعاناة نفسها كشعب سوريا الشقيق، وأتذكر أننا نفطر ونحن نعيش حريتنا في أوطاننا، ولكن شعب فلسطين يعيش رمضان؛ إما تحت الاحتلال الصهيوني أو يعيش مهجرا في الشتات.

وأتذكر في مسيرتي الدعوية الطويلة على مدى أربعين سنة يوم أمضيت شهر رمضان عام 1974 في الدعوة الإسلامية في جمهورية غامبيا بغرب أفريقيا، وكان الجو حارا جدا مع أمطار استوائية غزيرة. وكنت حينها مضطرا للذهاب إلى القرى النائية والأرياف البعيدة حيث لا تتوافر طرق مواصلات سليمة، ولا يوجد مطاعم. فكنت أتناول طعام أهل البلد، المختلف تماما عن طعامنا. ورغم هذه المعاناة، كنت أشعر بالسرور والفرح عندما أجد من الأهالي استقبالا حافلا ورائعا. ويزداد فرحي وسروري وأشعر بأن تعبي لم يذهب سدى عندما أترك بصمات العلم والنفع والهداية والإرشاد فيما بينهم.

وكذلك لا أنسى صيامي رمضان في أستراليا عام 1991، حيث أيضا كنت في واجب الدعوة إلى الله تعالى. وكان رمضان في أستراليا يختلف تماما وعلى نقيض ما كان عليه في أفريقيا. إلا أن القاسم المشترك بين رمضان في لبنان أو في أفريقيا أو في أستراليا أو في دولة الإمارات العربية حيث أيضا أمضيت عددا من شهور رمضان في الدعوة والإرشاد، تجد أن القاسم المشترك أنك تطيع الله وتقوم لله وتتعب من أجل رضا الله، وأنك تسمو حال صومك لتحقيق الخير والنفع لجسدك ولقلبك وعقلك وروحك ولنفع وخير الناس والمجتمع.

* المدير العام للأوقاف الإسلامية اللبنانية