بن لادن يهدد بلغة جديدة والأصوليون يقولون إن بوش يخدم أهداف «القاعدة»

TT

فيما بثت قناة «الجزيرة» الفضائية للمرة الأولى اول من امس النص الكامل بالعربي والانجليزي لشريط زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن على موقعها الانترنتي، والذي يبلغ طوله 18 دقيقة، حسب جهاد بلوط المتحدث الرسمي باسم المحطة، طالبت مواقع اصولية في استفتاء على الإنترنت امس شبكة «سحاب» التي اعدت الشريط بعدم تسليم شرائط بن لادن والظواهري الى المحطات الفضائية، التي تختصر من تلك الشرائط حسب رؤيتها الخاصة. وقال بلوط في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» امس ان ما تم بثه من شريط بن لادن يبلغ 6 دقائق فقط، ولا يمكن بث الشريط كاملا خلال النشرة الاخبارية التي يبلغ طولها في العادة نحو 40 دقيقة. واضاف ان السياسة التحريرية لـ«الجزيرة» تنص على مشاهدة أي شريط فيديو واستخلاص ما فيه من أهم النقاط، والاستعانة بالمحللين لإبداء آرائهم في توقيت بث الشريط الذي تزامن مع الانتخابات الاميركية، وما يحمله من مفاهيم ومضامين موجهة الى الشعب الاميركي. ونفى ان يكون الشريط قد عرض على الاميركيين قبل بثه في «الجزيرة». وقال ان ما قيل بهذا الشأن ليس سوى «كلام جرائد».

وتفاخر بن لادن، الذي بدا باللباس العربي وبعباءة ذهبية اللون، قائلا إن غزو الولايات المتحدة للعراق قد ورطها في حرب تخدم أهداف «القاعدة» في تجنيد المقاتلين وتخدم أهدافه هو شخصيا في استنزاف الاقتصاد الأميركي ودفعه الى الإفلاس. وجاء في شريط بن لادن الذي تم بثه بالكامل على الإنترنت، وكان موجها اساسا الى الاميركيين محاولا التأثير عليهم قبل ايام من التصويت في الانتخابات الرئاسية التي جرت الثلاثاء الماضي: «إن القاعدة أنفقت 500 ألف دولار في الحدث بينما خسرت أميركا على أقل تقدير في الحدث وتداعياته أكثر من 500 مليار دولار أي أن كل دولار من القاعدة هزم مليون دولار». وقال بن لادن ان الرئيس الأميركي جورج بوش استدرج الولايات المتحدة الى مستنقع في العراق، وهدد بالانتقام لقتلى العراق حيث قتل أكثر من 850 جنديا أميركيا في عمليات قتالية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عليه العام الماضي وأطاح نظام صدام حسين. وتوقع الأصوليون أن يصدر تنظيم «القاعدة» شريطاً يعلق فيه على اختيار الشعب الأميركي لرئيسه الجديد وقد يكون المرة المقبلة بصوت الدكتور أيمن الظواهري. وقال بن لادن في الشريط المؤرخ في 24 اكتوبر (تشرين الاول) مهاجما بوش ان «سواد الذهب الاسود غشى بصره وبصيرته فقدم المصالح الخاصة على مصالح أميركا العامة فكانت الحرب وكثر القتلى واستنزف المال الأميركي وتورط بوش في مستنقع يهدد مستقبله». وهدد بن لادن في الشريط بهجمات جديدة على غرار هجمات 11 سبتمبر (أيلول). ويضيف بن لادن: «الأمر الأخطر على أميركا أن المجاهدين اضطروا بوش أخيرا إلى اللجوء لميزانية الطوارئ لمواصلة القتال في أفغانستان وفي العراق مما يدل على نجاح خطة الاستنزاف إلى درجة الإفلاس». وقال «أقول لكم لقد قتل من أهلنا أكثر من 15 ألفا وجرح عشرات الالوف كما قتل منكم أكثر من ألف وجرح عشرات الالوف. جميع هؤلاء القتلى من الطرفين تلطخ دماءهم يدي بوش من أجل النفط ولتشغيل شركاتهم الخاصة». وتابع بن لادن قائلا: «تذكروا أن لكل فعل ردة فعل»، مضيفا أن «تنظيم القاعدة سيمضي في قتال الولايات المتحدة لاستنزاف أميركا الى درجة الإفلاس ان شاء الله». ويوضح: «قد قيل درهم وقاية خير من قنطار علاج، واعلموا أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وأن العاقل لا يفرط في أمنه وماله وبيته من أجل سيد البيت الأبيض». وتحدث بن لادن في الشريط بصراحة عن الأسباب وراء شن هجمات 11 سبتمبر التي قتل فيها اكثر من ثلاثة آلاف شخص، مستشهدا بغزو اسرائيل للبنان عام 1982، وقال انه «لابد أن تتغير السياسة الأميركية اذا أراد الأميركيون تجنب الهجمات». الى ذلك، يقول الاصوليون ان تنظيم «القاعدة» وزعيمه بن لادن لا يهتمان بفوز بوش أو منافسه جون كيري، فهما وجهان لعملة واحدة، حسب منطق بن لادن. لكن الاصوليين يعتقدون أن بوش «أنسب لإيقاظ الأمة الإسلامية وتوحيدها على معاداة أميركا في فترة رئاسته، وأن فوز بوش سيحرك الماء الراكد وسيزيد من روح العداء لأميركا وتبني مشروع مقاومة القوات الأجنبية في بلاد المسلمين». ويشير الدكتور هاني السباعي، مدير مركز «المقريزي للدراسات» في لندن في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الاوسط»، الى ظهور بن لادن بزيه العربي وبعباءته الذهبية اللون، وهو يلقي بيانه المرتقب في الوقت المناسب الذي اختاره بعناية بعد أن راجت الإشاعات التي تقول إن بوش عشية الانتخابات الأميركية سيعرض زعيم «القاعدة» في قفص كما فعل تيمورلنك مع السلطان العثماني بايزيد الملقب بـ«الصاعقة».

ويضيف الاصولي المصري: «نلاحظ أن بن لادن لم يرتد سترته العسكرية مثلما كان يفعل من قبل وفي ذلك إشارة إلى استقراره وشعوره بالطمأنينة مع تشتيت أنظار المخابرات الأميركية ومن يتعاون معها.. هل هو موجود في أفغانستان أم في باكستان أم بين القبائل الأفغانية والباكستانية؟ وهي رسالة تيئيس وإغاظة للحكومة الأميركية وحلفائها. ويوضح الشريط ايضا أن بن لادن متابع لكل صغيرة وكبيرة في المجتمع الأميركي، وأنه معهم حتى في انتخابات الرئاسة». ويضيف السباعي: «من الناحية الموضوعية، فان خطاب بن لادن موجه للشعب الأميركي وليس للحكومة الأميركية كما فعل من قبل في خطابه للشعوب الأوروبية وليس للحكومات الأوروبية لأنه يعلم أن مصيرها مرتهن ببقاء الإدارة الأميركية ويريد أن ينبههم إلى أن هذه الحكومات الغربية لا تعمل لصالح شعوبها». ويرى بن لادن في شريطه ان على ان الشعب الأميركي أن يتحمل تبعات اختياره لحكومته التي تنشر الخوف والرعب بسبب سياساتها الخارجية وحروبها لحماية دولة إسرائيل التي تهتم بها الحكومة الأميركية (جمهورية أو ديمقراطية) أكثر من اهتمامها بأمن الشعب الأميركي ومصالحه، كما يقول.

وتحدث الاصوليون عن رسالة مبطنة من بن لادن لـ«تفكيك الولايات الأميركية وتحريضها على الثورة والانفصال عن الحكومة المركزية التي تستأثر بثروات الولايات من خلال شن حروب لا يستفيد منها الشعب الأميركي إلا بقتل أبنائه». واستغرب الاصوليون في لندن عدم تطرق بن لادن في خطابه لآيات قرآنية وأحاديث نبوية كبياناته السابقة.

ويقول السباعي «ليس هذا أول شريط يتكلم فيه بن لادن عن الأمور السياسية كما يظن بعض المحللين فكل شرائطه سواء المرئية أو السمعية أو حتى الخطب المكتوبة كانت تدور حول السياسة وتحتوي على قدر كبير من المعلومات التي تدل على متابعة تنظيم القاعدة لأحداث العالم جيداً كما ذكر قبيل الحرب على العراق وأهداف الحرب الأميركية وتكلم في هذا الشريط عن فضائح شركة هاليبرتون».

وقال الإسلامي المصري: «أكد بن لادن على نسبة أحداث هجمات سبتمبر لنفسه ولتنظيمه وأنه كان على علم تام بكل تفاصيل عملية البرجين بل هو واضع الخطة مع محمد عطا قائد الانتحاريين. وأشار عليه بإنجاز العملية في عشرين دقيقة». ويعتبر السباعي هذا «ردا دامغا على الذين ما زالوا يهيمون في خيالات وأوهام المؤامرة ولا يريدون أن يعترفوا بالحقيقة التي هي أن تنظيم القاعدة هو الذي نفذ تلك الهجمات». وقال الاصوليون في منتدياتهم امس ان بن لادن «ينطلق من منطلق قوة وليس منطلق ضعف»، مذكرين باشارته إلى ديمومة الصراع بقوله «إن الأسباب التي دفعت للقيام بأحداث سبتمبر لا تزال قائمة» واشارته الى «الطريقة المثلى لتجنب منهاتن أخرى» وقوله: «فكما تهدرون أمننا نهدر أمنكم». ويرى الاصوليون ان هذه هي نفس العبارة الشرعية «النفس بالنفس والعين بالعين».

ويرى الاصوليون «أن الأمة تتجرع الويلات من جراء الحملات الاميركية المتكررة على العالم الإسلامي. حتى أحداث سبتمبر وغزوة منهاتن كانت من باب جهاد الدفع ورد العدوان وليس من باب جهاد الطلب.. فجهاد الطلب غائب عن الأمة الإسلامية منذ قرون أي قبل سقوط الخلافة العثمانية بقرنين ونصف تقريباً».

ويتساءل الاصوليون: لماذا يقاتل بن لادن الاميركيين من دون غيرهم؟ ولماذا لم يوجه عملياته الى السويد مثلا؟ والإجابة، في نظرهم، معلومة. ويتساءلون ايضا: لماذا ذكر لبنان ولم يذهب إليه بدلاً من أفغانستان؟ ولماذا لم يبادر بن لادن آنذاك بالتوجه الى لبنان ومقاتلة الإسرائيليين بدلاً من أفغانستان؟

يجيب السباعي عن تلك التساؤلات بقوله «بن لادن يتكلم عن الأحداث التي أثرت في نفسه وليس عن حدث واحد، ومن ضمنها وبشكل مباشر اجتياح الإسرائيليين للبنان عام 1982 بإذن الأسطول السادس الأميركي. يتكلم من مطلق أنه جزء من أمة يتألم لآلامها ويفرح لفرحها ولا يهتم بحواجز (سايكس بيكو) وتقسيماته». ويرى الأصوليون ان بن لادن في ذلك الوقت كان مشغولاً بقتال الشيوعيين في أفغانستان، كما أنه لم يكن له تنظيم عسكري في ذلك الوقت فقد ذهب إلى أفغانستان «تلبية لفريضة الجهاد في تلك الفترة بنفسه وماله، رغم أنه وغيره من المجاهدين كانت قلوبهم تعتصر ألماً على فلسطين وقدسها الأسير ويتململون لاجتياح لبنان عقب اجتياح الشيوعيين لأفغانستان عام 1979». ورداً على بعض المحللين العرب الذين يتهمون بن لادن والحركات الاصولية بـ«المتاجرة» بقضية لبنان وفلسطين، كشف السباعي عن إرسال بعض المجموعات إلى لبنان منذ عام 1988 تقريبا «بصورة منظمة وللإطلاع على الأوضاع وإقامة معسكرات، لكن للأسف الشديد لم تفلح هذه المحاولات بسبب طبيعة التنظيمات العسكرية في لبنان، إذ كانت خليطاً من ماركسيين وشيوعيين وإسلاميين ومنظمات فلسطينية على مختلف مشاربها ومعظم هذه المنظمات مرتبطة بحكومات عربية». أما بالنسبة لفلسطين، فيقول السباعي ان كل الحركات «حاولت الدخول الى فلسطين ولكنها لم تفلح إلا فرادى نظراً للسياج المفروض عليها، وقد كان كثير من الشباب الفلسطيني في أفغانستان بل إن عبد الله عزام الزعيم الروحي لـ«الأفغان العرب» هو الذي حرض الشباب في العالم الإسلامي للذهاب إلى أفغانستان وقتال الشيوعيين وكانت عينه على فلسطين لأنه يعلم جيداً أن أرض أفغانستان أفضل مناخ لتدريب أكبر عدد من الشباب واكتساب خبرة قتالية ليتسنى لهم عقب عودتهم خوض معركة فاصلة مع العدو الغاصب ومن ثم تحرير فلسطين».