لمن يدين بوش بولايته الرئاسية الثانية؟

روف.. مستشار بوش أكثر طموحا منه وشعاره «ليس المهم ماذا تقول.. المهم كيف تبدو» * تشيني.. الرئيس يستمع لآراء كل مستشاريه وقبل اتخاذ القرار يسأل «ما هو رأي ديك»

TT

لو كان الرئيس الأميركى جورج بوش اخفق في الحصول على ولاية رئاسية ثانية في البيت الأبيض لكان مستشاره الخاص «الدائم» كارل روف ونائبه «الصامت الكتوم» ديك تشينى أول من تحمل اللوم والمسؤولية. والآن وبعدما فاز بوش يعترف كل فريقه الانتخابي بأن الفضل يعود الى روف وإلى تشيني ضمن دائرة أخرى ضيقة من المقربين من بينهم مستشارته للأمن القومى كوندليزا رايس.

«هاجم.. هاجم.. هاجم»، هذا هو الشعار الأثير لروف ولتشينى ولصقور آخرين في إدارة بوش، وهو الشعار ذاته الذي تمسك به الرجلان طوال السنوات الأربع الماضية بالرغم من كل الانتقادات الدولية والداخلية. كارل روف يهودي علماني ولكنه أيضا فيلسوف سياسي يرى في الدين محركا مهما للجماهير، ويرى في الإعلام والدعاية «الوسيلة السحرية» المؤثرة على الناخبين. كما يرى في «الإشاعات»، خاصة القذرة منها، إدارة للتأثير السلبي على صورة المنافسين، وهو استخدم كل هذه الأدوات طوال عمله مع بوش. أما تشينى الذي يقول المقربون منه إنه «عقل بوش الآخر» و«الجدير بأن يعمل في دفن الموتى بدلا من السياسة بسبب صمته الدائم»، فهو الآخر صقر متشدد ربط مصيره ببوش وتخلى عن طموحاته بأن يكون هو يوما ساكن البيت الابيض. وبالرغم من أن روف دخل روف ست جامعات أميركية، إلا انه لم يحصل على شهادة من أي منها. غير أنه مثقف ومطلع ومولع بقراءة التاريخ والسياسة وفنون الإعلام. وهو لاحقا بسبب ذيوع صيته في الولايات المتحدة قام بتأسيس مكتب متخصص في المشورة السياسية والإعلامية. ويلخص روف فلسفته في العمل بتأكيده أن الشيء الهام ليس ما يقوله السياسي بالضرورة، بل الطريقة التي يظهر بها، والأجواء التي تحيط به، والصورة الذهنية التي تنطبع لدى الجماهير عندما ترى هذا السياسي أو ذاك. وتطبيقا لهذه الفلسفة، ظهر بوش خلال الحملة الانتخابية أشبه ما يكون بالرجل المصمم القادر على تنفيذ ما يقوله والمحاط بالإعجاب والتقدير من كل جانب. في واحد من أهم الكتب السياسية عن روف وهو «عقل بوش»، الذي يتناول قصة روف وتأثيره، يصف المؤلفان جيمس مور وكيم سلاتر هذا الرجل ودوره، فيقولان «كان كارل روف أكثر طموحا من طموح بوش، لذلك قام بإقناعه بالتقدم إلى انتخابات ولاية تكساس كتمهيد لدخول سباق الرئاسة الأميركية». ومن المؤكد أن طموح روف كان أكثر من طموح بوش ذاته، غير أن المستشار الطموح لم يكن يملك شخصيا من المؤهلات الاجتماعية والتعليمية ما يؤهله للمنصب الكبير فوضع كل قدراته في متناول الشاب المدلل جورج بوش كى يعلو به الى قمة السياسة الاميركية، وذلك بعد أن نجح في إقناعه بالتخلي عن الكحول والحياة اللاهية. وقد بدأت علاقة روف بعائلة بوش في عام 1973 عندما انتخب رئيسًا للجمعية الجمهورية، بينما كان بوش الأب رئيسا لمكاتب اللجنة الجمهورية القومية الداعمة للمرشحين الجمهوريين تنظيمًا وتمويلاً. التقط بوش الأب الشاب روف منذ هذا الوقت لينضم إلى فريق الدعاية الخاص به، ويصبح ركنا أساسيا فيه منذ كان نائبا للرئيس رونالد ريغان. وبعد ذلك قرر روف أن يحقق في بوش الابن طموحاته فسانده ودعمه كى يبدأ أولى خطواته في عالم السياسية من المدينة التي يعرفها أكثر من غيرها. ويعرف رجال إعمالها وأمولها وشبكاتها الإخبارية وفضائحها. وخلال سنوات عمل روف على توثيق علاقة بوش بأكثر الشبكات نفوذا في الولاية، كما ساعده على تعزيز علاقاته مع شركات البترول والجماعات المحافظة. غير أن ميزة روف الكبرى كانت انه استطاع في الوقت نفسه أن يحفظ لبوش علاقته مع الأميركيين العاديين من أهل تكساس، عبر خطاب بسيط خال من التعقيد، يداعب التركيبة الأخلاقية والقيمية المحافظة لأهالى الولاية الجنوبية. ولم يدخر روف أى جهد، وقام بتهيئة التربة السياسية في ولاية تكساس لفوز بوش. وقام بشن حملات شعواء ضد منافسي بوش المحتملين، وجمع المعلومات القذرة التي يعرف جيدا مدى تأثيرها لدى الرأي العام. وأدت هذه الأساليب إلى إقناع أهالى تكساس بأن بوش هو الرجل المناسب لمهمة الحاكم. ويقول روف عن فلسفة عمله كمستشار سياسى وإعلامى لبوش «لا يهمني ما يقوله مرشحنا جورج بوش. المهم أن يظهر ضمن صورة حاشدة، حافلة، مزدحمة بالجماهير والناس في إطار كرنفالي، على أن يدخل إلى المسرح في خطوات رئاسية الإيقاع». أما الصامت الدائم تشينى، فأثره هو الآخر لا يقل أهمية عن روف. ويقول «جون إم» في كتابه «الطموح والقوة» إنه بينما كان بعض القريبين من ديك تشيني يفكرون في المهنة الأكثر ملاءمة له، أجمعوا على أن أنسب مهنة له هي متعهد دفن الموتى، نظرا لطبيعة شخصيته التي تتسم بإقصاء العاطفة والتزام الصمت والحذر. ومنذ عمل تشيني مع بوش الأب، رأى آل بوش أن الرجل متعدد المواهب ولا يمكن التفريط فيه وانه الشخص المناسب أكثر من غيره كي يعمل في الدائرة الضيقة القريبة من الرئيس. فهو شديد الخبرة، قضى في البيت الأبيض أكثر سنوات عمله، كما انه جمهوري محافظ وصقر قريب الشبه آيديولوجيا ببوش الابن والأب. كما انه كتوم متحفظ وهذه أكثر الصفات جاذبية بالنسبة لبوش الذي لا يريد أن يعمل الى جانب ثرثار يفضح كل ما يقع في دائرته الضيقة. أما خبرة تشينى السياسية والاقتصادية والعسكرية، فلا جدال فيها، فقد قضى معظم سنوات حياته بين ردهات البيت الأبيض وبالقرب من دوائر الإدارة الأميركية ابتداء من منصب عادي أثناء فترة رئاسة نيكسون، مرورا بمنصب نائب مساعد الرئيس الأميركي فورد، فمساعدا له. وقد كان في هذه الفترة (34 عاما) أصغر من يتولى منصب كبير موظفي البيت الأبيض. ولاحقا أصبح وزيرا للدفاع عام 1989 في فترة رئاسة جورج بوش الأب، ثم رئيساً تنفيذياً لشركة «هاليبرتون»، شركة الخدمات النفطية العملاقة، على مدى 5 سنوات، فنائبا للرئيس الأميركي بوش الابن عام 2001. وعندما تولى منصبه كنائب للرئيس خلال ولاية بوش الأولى كان دوره حيويا، كان ببساطة دماغ الرئيس ومفكرته. ويقول المقربون من الرجلين إن أكثر سياسات بوش، خاصة على الصعيد الخارجي، صيغت من خلال تشيني، وعلى رأسها غزو العراق وسياسات مكافحة الإرهاب بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ومن بينها المحاكم العسكرية وإنشاء وزارة حماية أمن الوطن. ومع بداية تولي تشيني لمنصب نائب الرئيس الأميركي عمل على بسط نفوذ أكثر لمصلحة السلطة التنفيذية على حساب التشريعية، ونجح في هذا بالفعل بشكل يرضي الرئيس بوش على الأقل الذي تمكن من إنشاء محاكم عسكرية من خلال طلب رئاسي وليس من خلال الكونغرس الأمريكي، كما استطاع تعطيل التحقيق مع الاستخبارات الأميركية إزاء فشلها في وقف هجمات سبتمبر قبل وقوعها.

ومع تعاظم سلطات تشينى أصبح لقب «رئيس مشارك» أحد الألقاب التي تطلق مزاحا عليه. وبالفعل فالرئيس الأميركي يستمع لكل آراء مستشاريه. ولكنه يسأل سؤالا مهما قبل أن يتخذ القرار قائلا: «ما رأي ديك؟».