سهى عرفات: حزينة وغاضبة في حداد

TT

بملابسها السوداء وشحوبها البالغ، ظهرت سهى عرفات متأثرة وهي تودع ياسر عرفات زوجها ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. وما بين ظهورها الدائم خلال الاسبوعين الماضيين الى جانب عرفات في المستشفى، واختفائها خلال السنوات الاربع الماضية عندما كان ابو عمار محاصرا في مقره برام الله، حدثت الكثير من التطورات. فسهى التي لطالما قالت انها تزوجت من «اسطورة»، في اشارة الى ابو عمار، لم تتحمل كثيرا الحياة بين القادة السياسيين والعسكريين للمنظمة، الذين لم يخف الكثير منهم عدم سعادتهم بزواج «أبو القضية الفلسطينية» من امرأة تصغره بنحو ثلاثين عاما. والمقربون من سهى التي ولدت لعائلة مسيحية غنية معروفة، يقولون انها شعرت على الدوام انها ليست في بيئتها المناسبة تماما على الرغم من انها عملت في المنظمة عدة اعوام قبل الزواج من عرفات. وربما كان صعبا عليها أن تعيش فعلا في الضفة الى جانب زوجها الذي يعرف كل المقربين منه مقدار انشغاله، وكيف ان حياته العائلية تظهر هامشية جدا الى جانب هذا الانشغال. وبعد الكثير من الخلافات بين الطرفين غادرت سهى الى باريس لتعيش هناك في ترف أثار غضب الكثيرين من الفلسطينيين لتناقضه مع أسلوب الحياة المتقشف لزوجها الراحل وأبناء الشعب الفلسطيني.

غير ان صورة سهى ليست تماما كما يمكن ان تبدو للوهلة الاولى. فحتى الذين لم يحبوا كثيرا فكرة زواجها من ابو عمار يعترفون بوطنيتها الكبيرة وقوة شخصيتها وثقافتها. كما ان المقربين منها يقولون عن كل الاشاعات حول ثروتها الطائلة من عرفات «محض أكاذيب».

وكانت سهى قد التقت عرفات أول مرة عندما كانت طالبة في جامعة السوربون قبل عشرين عاما. وعينها عرفات في ذلك الوقت مسؤولة للعلاقات العامة في منظمة التحرير الفلسطينية أثناء إقامته في منفاه في تونس. واصبحت بعد ذلك مستشارته لشؤون الاقتصاد قبل ان يتزوجا سرا عام 1990 وأعلنا زواجهما بعد ذلك بعامين. ولاحقا ولدت ابنتهما الوحيدة زهوة عام 1995 في مستشفى خاص في باريس الا ان حياتهما الزوجية تدهورت بسرعة، حتى وصلت الى الانفصال الفعلي وان لم يكن الرسمى. ولم يقل ابو عمار اي شيء عن اسباب تدهور علاقاتهما. اما هي فلم تكن تفوت فرصة في وسائل الاعلام الا لتؤكد ان علاقتهما جيدة جدا وانه ليس هناك مشاكل بينهما. وغالبا ما كانت تعلل عدم زيارتها الى عرفات في مقره برام الله بعد فرض الحصار عليه بالصعوبات التي تضعها اسرائيل وانشغال ابو عمار. وقبل فترة اشتكت سهى بأن زوجها لم يقدم لها المجوهرات إطلاقا وانه يعيش كعازب. وقالت «عندما أشتكي من الاهمال يقدم لي هدايا ورموزا من الثورة الفلسطينية»، الا انها نفت بشدة ان زواجها يتعرض لصعوبات ووصفت عرفات بأنه «أسعد زوج».

ورغم تعليمها واسلوب حياتها الغربيين، قالت سهى انه «لا شرف يعلو» شرف التضحية بأحد ابنائها من اجل النضال، واعربت عن دعمها للعمليات الانتحارية الفلسطينية، وهو ما أثار عليها موجة من الانتقادات الغربية. كما أثارت سهى غضب الشعب الفلسطيني عندما غادرت منطقة الشرق الأوسط في مطلع عام 2001، اذ رأوا في ذلك خيانة لقضيتهم. وبعد ذلك اصبحت سهى توزع وقتها بين باريس وتونس التي كانت مقرا لمنظمة التحرير الفلسطينية. ورغم بعدها عن عرفات قالت سهى قبل حوالى ستة اشهر انها مستعدة للعودة الى الاراضي الفلسطينية «لحظة يطلب ذلك مني».

وظهرت السيدة الفلسطينية الاولى على الساحة مجددا لاصطحاب زوجها المريض الى مستشفى فرنسي لتلقي العلاج الطبي. ولازمت فراش زوجها المريض طوال فترة وجوده في المستشفى الفرنسي لتعكس صورة الزوجة المخلصة التي لا تفارق زوجها الذي يعاني من مرض خطير. غير انها ووسط كل الاضطراب أثارت خلافا حادا مع القيادة الفلسطينية باتهامها القادة الفلسطينيين الثلاثة محمود عباس وأحمد قريع ونبيل شعث قبيل توجههم الى باريس لزيارت عرفات في مستشفاه، بأنهم يعتزمون دفنه حيا. ولم توضح سهى ما الذي تقصده، غير ان تصريحاتها فتحت الباب امام الاقاويل من كل نوع، بما في ذلك الخلافات المالية بينها وبين قادة المنظمة. ولم تكن المرة الاولى التي تسبب فيها سهى متاعب للقيادة الفلسطينية وتربك زوجها بسبب افتقارها الى الدبلوماسية. فقد تسببت سهى بإحراج لزوجة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، هيلاري كلينتون، التي تكن لها الاعجاب اثناء وجودها في الضفة الغربية، عبر توجيه انتقادات لاسرائيل التي اتهمتها بزيادة حالات الاصابة بالسرطان في الاراضي الفلسطينية عبر تلويث المياه الفلسطينية عمدا. واضطر مسؤول فلسطيني بارز من الاعتذار لدى واشنطن، عندما قالت مصادر مقربة من سهى انها قصدت بالاساس تلويث المصانع الاسرائيلية لمياه الشرب الفلسطينية. وبعد سنوات باريس ومرض ثم موت عرفات، بدت سهى اكثر ميلا للشك واكثر حنقا وغضبا. وحتى وهى تسير وراء نعش زوجها امس فى باريس بدت غاضبة بقدر ما هي حزينة. وربما مصدر غضبها الاكبر هو انها أسيء فهمها منذ زواجها من ابو عمار.