الناطق باسم الأمن السعودي

العميد التركي... المتحدث في الزمن الصعب «أنا مؤتمر صحافي مفتوح»

TT

مهندس مدني برتبة عميد عسكري. يحاول منذ نحو 120 يوما أن يرفع قواعد لجسور متينة بين المهنة الموصومة بالبحث عن المتاعب وبين الجهاز الأمني الذي يتولى إخماد أعمدة الدخان الصادرة عنها. يصفه الصحافيون ورجال الإعلام بأنه أول نبع تفجرت ماؤه ليروي عطشهم للمعلومة الموثقة والرسمية. يقولون إنهم كانوا قبله يهيمون في صحراء تيه حيث لا أحد يرد على صدى صوتهم الوحيد عندما يبلغ بهم القلق غايته قبل أن تدور مكائن الطباعة أو تتحرك ماكينة آلات التصوير. العميد مهندس منصور بن سلطان التركي يصف عمله كمتحدث رسمي لوزارة الداخلية السعودية بقوله «أشعر أنني مؤتمر صحافي مفتوح وعبر الهاتف بدل أن ينحصر في زمان أو مكان محدد». يضيف «المشكلة أن الصحافة تتابع الحدث الأمني بكافة أنواعه. وبالتالي أتلقى استفساراتها على مدار الساعة والتي تشمل كل شيء للبحث عن الإيضاح. لكن ما يقلقني في بعض الصحافيين والمراسلين عدم الدقة في إعادة صياغة ما يدور معهم بالهاتف على النحو الذي يحافظ على إطار التعليق الذي أدلي به لهم. وأحيانا تكون الصياغة غير دقيقة أو مناسبة»، مشيرا الى تسرع الصحافيين وإصرارهم على الحصول على المعلومات عن قضايا أمنية خلال تنفيذها و«هذا أمر صعب للغاية».

وقبل أن يتبوأ منصبه كانت المعلومة وخصوصا في القضايا الأمنية محدودة ووفق نص. ويقول الكاتب الصحافي السعودي صالح الشيحي إن العميد منصور التركي «نافذة مشرعة لرجال الإعلام ويجب علينا أن نحافظ عليها ولا نخسرها»، مطالبا «أن نحسن التعامل مع الفرص، وأن علينا كصحافيين أن نتذكر بأنه على الأقل كنا نعاني قبل سنوات قريبة من شح في المعلومة».

ويقول الصحافي دومينيك إيفنس مراسل وكالة «رويترز» للأنباء المقيم في السعودية «هناك تحسن كبير في الحصول على المعلومة عما كان عليه الأمر في السابق. ورقم هاتفه الجوال هو أول ما يخطر على الذهن عندما أحتاج الى معلومة في القضايا الأمنية. الاتصال به سهل, ومتيسر دائما. وهو رجل محترف يقوم بعمله بكفاءة، وتفاعل. فعندما لا تحضره المعلومة المطلوبة, لا يتواني عن إعادة الاتصال وإبلاغنا بالرأي الرسمي لما حدث». العميد منصور يعلق بأنه يحاول أن يساهم في «تنظيم وتوحيد القنوات, كونك تمثل قناة تربط فيما بين الإعلام والأجهزة الأمنية وبالتالي هذا يمكنك من أن تقوم بالمساهمة بالسيطرة على صياغة الصورة العامة للوضع الأمني في المملكة بشكل عام, وبالتالي نقوم بعمل وضع معايير للأداء وبالتالي الوصول بهذا الأداء كجسر يعكس حقيقة الصورة الأمنية في المملكة». وبالعودة الى إيفنس وهو صحافي مقيم في العاصمة السعودية الرياض منذ نحو سنة يضيف «العميد منصور هو أول خطوة للطريق الصحيح في التعامل مع الصحافة. وأتمنى أن تتبنى الوزارات والإدارات الحكومية السعودية مثل هذا النموذج ليكون لديهم متحدث رسمي يمد وسائل الإعلام بالمعلومات الرسمية عندما يحتاجونها». في المقابل يرى الصحافي العربي علي الخليل مراسل وكالة الأنباء الفرنسية في السعودية أن «العميد مهندس منصور التركي المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السعودية رجل صريح, ويحب عمله. وأنه يشعر خلال تعامله معه بأن الحصول على المعلومة ميسرة ومن غير تعقيد». يضيف أنه يشعر بأنه صحافي إعلامي محظوظ عندما تزامن تسلمه لمهام عمله في الوكالة مراسلا لها في الرياض مع تعيين العميد التركي».

لكن دومينيك إيفنس وعلي الخليل لم يترددا في إعلان رغبتهما بتفاعل أكبر من العميد منصور خصوصا عند وقوع أحداث كبيرة مثل الهجوم الإرهابي الأخير على القنصلية الأميركية في مدينة جدة. يقول إيفنس «حاولت الاتصال به نحو 60 مرة عبر هاتفه الجوال. كانت المرة الأولى التي يتخلف في الرد على اتصالي». ويضيف الخليل «رغم أنه رجل يحب تقديم الخدمة للآخرين, الا أنه في حالات الطوارئ يجد صعوبة في ملاقاته, وأحيانا يتردد في الرد على صحة بعض المعلومات, ولا يعطي فيها جوابا الا بعد التأكد والحصول على تصريح في إعلانها. وهو ما يؤخر بث معلوماتنا المزودة بالرأي الرسمي». العميد منصور التركي يرد بأن الصحافيين يعملون على مدار الساعة «ويتصلون طوال ساعات اليوم وحتى ساعات متأخرة في الليل. وهي مستمرة بلا انقطاع على مدار أيام الأسبوع. أتقبل هذه الاتصالات بكل رحابة, لكن أحيانا تستفزني بعض الاتصالات التي لا يكون موضوعها عاجل, ويمكن أن ينتظر بحيث أكون أكثر قدرة واستعدادا للتجاوب معها». وهو يرى, في المقابل, أن الصحافيات أكثر تركيزا في الأسئلة وأقل بنفس الوقت من نظرائهن من الرجال. يقول في هذا الصدد «المرأة أكثر دقة من الرجل فيما يتعلق بفن الكلام. لذلك أجد أن التعامل معهن أكثر صعوبة. لذلك أحاول ضبط أعصابي والتركيز أكثر في تزويدهن بالمعلومات التي تعكس الوضع القائم. لكنهن جيدات في قدرة رفع وتيرة الحوار ووضعك في حالة حرجة للحصول على معلومات لا ترغب في الحديث عنها». ويضيف حول تعامل الصحافيين مع العملية الأخيرة التي استهدفت القنصلية الأميركية بجدة «للأسف الشديد كان هناك تسرع من قبل عدة جهات سواء من الصحافة أو القنوات الفضائية في استنتاج ما كان يتم في محيط القنصلية الأميركية من دون التريث للحصول على معلومة صحيحة ومؤكدة, مثل تطرقهم الى وجود قتلى بين رجال الأمن, ووجود سيارة مفخخة, وحدوث تفجير وكلها كانت انطباعات غير صحيحة»، مشيرا الى أنه من المعروف أن الصحافة المحلية والعربية والدولية تأخذ معلوماتها من خلال الصحافة المحلية كنقطة انطلاق «ولا شك في أن المعلومة الخاطئة يمكن أن تتضخم ويتكرر ظهورها حتى تصبح متسيدة في وسائل الإعلام المختلفة. وهذه أكبر ملاحظة في هذا الموضوع». وينفي العميد منصور التركي الاتهامات التي تقول بأنه يقوم بتجميل المعلومات قبل تمريرها الى وسائل الإعلام. ويقول «على الإطلاق. العمل الأمني لا يمكن تجميله بأي شكل من الأشكال. فهو يظل يفرض نفسه لكوننا نتعامل مع مجتمع ونتعامل مع بشر تخصهم المعلومة بأكثر منا كرجال أمن. لا يمكن أن نخفي أي حقيقة في العمل الأمني لأنه إذا حاولنا أن نخفيها فإنها ستظهر. ولأن العناصر التي تكون مرتبطة بأي عملية أمنية هي عناصر محلية في الغالب. وإن أخفينا ما يتعلق فيهم فلن يخفيها أقاربهم أو أسرهم وأصدقائهم». ويوضح بقوله «نحن نتعامل مع قضايا أمنية. وهي ذات أبعاد تتعلق بحقوق الأشخاص وحرياتهم, وبالتالي لا يمكن أن نتسرع في أن نوجه اتهامات غير دقيقة لأي شخص لأننا جهة رسمية, ومتى ما اتهمنا شخصا أو حددنا أو ذكرنا معلومة فإننا ننطلق من أدلة ومعلومات موثقة. وبالتالي هذا يحتم علينا دائما التريث حتى نحصل على هذا الدليل أو تلك المعلومة التي يمكن الانطلاق منها للقول عن حقيقة ما حصل أو ما يحدث. في المقابل وسائل الإعلام يهمها السبق, ونقل الخبر بأسرع ما يمكن وهذا ما يجعلهم في بداية الأمر يجتهدون كثيرا بالذات في استنتاج ما يحصل». وتابع «أحب أن أقول للأخوة الصحافيين لا تتعجلوا النتائج, ولكم الحق في نقل الصورة الظاهرة, لكن من دون التسرع في الحكم. لأن ذلك يؤثر على العمل الصحافي في نقل القضايا الساخنة فور وقوعها أو أثناء حدوثها».

والعميد منصور حاصل على إجازة في الهندسة الكهربائية من جامعة سياتل في ولاية واشنطن العام 1980. يقول «إن العلوم الهندسية من متطلباتها التنظيم والدقة والقدرة على التخيل, وبالذات في تخصص الهندسة الكهربائية». له ثلاثة أبناء سلطان (14 سنة) ومشاعل (11 سنة) وهيفا (8 سنوات). ويشعر أنه يفتقد الى الأوقات الجميلة التي يمضيها مع أسرته. ويقول «للأسف الشديد لم أعد أتحكم الآن في أوقات الراحة. أصبح الوضع الميداني العام هو الذي يتحكم في الوقت الذي أختاره للإجازة او الراحة. ولا شك أن المهمة تستحق التضحية خاصة أنها تخدم أهدافا إنسانية سامية وأعتقد أنه يشرفني أن أكون الشخص الأول الذي يتولى هذه المهمة وهذا يلقي على عاتقي مسؤولية ضمان نجاحها واستمراريتها وأيضا وضع البنية المناسبة لتطورها حتى يستطيع الزملاء فيما بعد للمضي بها الى الأمام».

الدكتور أسامة البار عميد معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج يقول «زاملت العميد منصور نحو عشر سنوات في منصبه كمدير لأمن الحج بوزارة الداخلية. وكنت دائما ما أعتبره ممثل المعهد في الأمن العام. وميزة الصديق منصور أنه يجيد التخطيط والتنظيم, والاستفادة من دروس العمل. ويكشف جوانب من حياة التركي بقوله «لن يعرف أحد هذا الرجل إلا إذا سافر معه. فهو رفيق مثالي في السفر». مضيفا «عرفت فيه محبا للرياضة من غير تعصب, وهو مخطط جيد في حياته العملية والعادية, فهو يخطط بشكل مسبق ودقيق لإجازاته بكل تفاصيلها اليومية. أيضا هو كثيرا ما كان يحدثني عن أسرته وأبنائه وهذا يدل أنه ليس عسكريا منضبطا فقط بل هو أب حنون».

وربما لا يعرف كثيرون أن العميد منصور له اهتمامات علمية خاصة في علوم الفضاء والفلك وهو يحب قراءة الكتب ذات العلاقة بها. كما يهتم أيضا في متابعة التطور العلمي والتقني. ويقول «أحاول أن أستفيد من خلفياتي العلمية في قراءة وتطوير التطبيقات التقنية التي يمكن أن تخدم العمل الأمني على وجه التحديد في المملكة, وهذا ما نسعى له الآن». وهو يتشدد في كونه جزءا من المجتمع وعضوا فاعلا فيه خصوصا فيما يتعلق بالجزء التربوي. ويقول «احاول دائما قراءة السلوكيات والتعرف على الأسباب التربوية التي أدت الى تطور أسلوب معين بشكل إيجابي أو بشكل سلبي. ودائما ما أجد أن هناك جوانب تربوية افتقدناها مع الزمن, كانت موجودة وكنا نعايش انعكاساتها الإيجابية على الحياة العامة. ولا أبالغ عندما أقول إنني استفدت من كل ذلك في حياتي العملية».

وعن مدى تأثير أعباء منصبه على شخصيته خلال الأشهر الأربعة الماضية يقول «أولا أشعر بأنني أصبحت كثير الكلام على عكس ما كنت عليه في السابق. ولعلي أيضا افتقدت الوقت الذي كنت أقضيه مع أسرتي. لكن في المقابل أصبحت أكثر تواصلا مع زملائي في الأجهزة الأمنية المختلفة بحكم طبيعة مهنتي التي تتطلب مني رفع مستوى الاتصال ووتيرته».