الجماعات المسلحة في العراق من «كتائب العشرين» إلى «جيش الكرار»

ص ج . تحسن وضعه المالي لأنه كان يخبئ السلاح والمقاتلين في بيته

TT

الولوج داخل الجماعات المسلحة في العراق، ينبه للوهلة الاولى الى «الخطر». لكن الخطر يتنحى امام ضرورة المعرفة، واهمية الفهم. فهذا البلد تحول فى غضون اشهر قليلة الى «ملجأ مثالي للسلاح والمسلحين». ومن عدد محدود من الجماعات المسلحة التي ظهرت بالتدريج بعد سقوط صدام حسين، تزايد العدد على نحو لم يبد انه ممكن. جماعات مسلحة من فلول صدام، وجماعات مرتزقة، وأخرى قادمة من الخارج، واخرى نائمة بانتظار اشارة للانطلاق. من هنا بدأ البحث عن تفاصيل الجماعات المسلحة وعذراً للقارئ لاننا لن نذكر اسماء هؤلاء الذين التقينا بهم من المسلحين في مدن العراق وشوارعه المفخخة بالموت.

جولتنا المحظورة امتدت لأكثر من عشرة أيام اكتشفنا فيها ان الجماعات المسلحة ذات التسميات المتعددة تتزايد بسرعة مذهلة، فيما تبدو أهدافها مضطربة ومشوشة حتى لاعضائها الذين يحملون الاسلحة كل يوم معرضين انفسهم للموت. كيف يعرض الانسان نفسه للموت لغرض لا يعرفه على وجه التحديد؟. لم يعرف أحد ممن التقينا بهم كونى أعمل صحافيا. وكانت «الثقة» وحدها هي سلاح الطرفين الذي تبارينا فيه محاولين الوصول الى «حقيقة ما» حول الجماعات المسلحة في العراق.

* خلايا نائمة

* أول محطة كانت مع «قوات الشهيد الصدر» وهو الجناح العسكري لحزب الدعوة.

ويبدو ان أفراد هذه الجماعة متكتمة جداً على تفاصيلها الداخلية، وأن عدد أعضائها غير معروف على وجه الدقة. وقد قال لي (ع.ل) من أعضاء «حزب الدعوة» ان هذه الجماعة المسلحة تأسست عام 1979 بعد إعلان الرئيس المخلوع صدام حسين أن الانتماء الى «حزب الدعوة» يؤدي الى عقوبة الإعدام. وبالرغم من ان هذه القوات لا تبدو ناشطة الآن، الا انها مشكلة وجاهزة للعمل.

أما الجناح المسلح لـ «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية» فيدعى فيلق «قوات بدر»، وقد أنشئ عام 1983. ويقال ان الفيلق ينقسم الى وحدات المشاة والمدرعات والمدفعية والدفاع الجوي والكوماندوز. وقد استخدم ضباط من الجيش السابق لتدريب عناصره الجديدة في أغسطس (آب) عام 2003 . وعلى الرغم من تأكيد قائد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم ان الفيلق سيتخلى عن سلاحه، إلا أن أحد الضباط الذين قاموا بتدريب عناصره، قال لنا ان الفيلق يعمل الآن مع وزارة الداخلية لملاحقة العناصر الإرهابية. ويبدو ان القرار اتخذ خصوصا بعد طلب الحكومة والقوات الأميركية في الثالث من مارس (آذار) عام 2004 حل الميليشيات العسكرية.

هناك ايضا جماعة تدعى «سعد بن أبي وقاص». قال لنا أحد المقربين منها ويدعى (ل.ج) إن هذه المجموعة على صلة بمجموعة «أنصار الإسلام»، وهي القوة المهاجمة لآليات القوات الأميركية في بغداد.

اما في مدينة الفلوجة، فقد أكد لنا أحد المقاتلين ان أغلب المسلحين في تلك المدينة هم من هذه الكتائب. كذلك تتواجد هذه الكتائب في الرمادي والخالدية. وقد أصدرت هذه الجماعة عدة بيانات، طالب اخرها، والذي اطلعنا عليه، العراقيين بتجنب السير في الأسواق، ودعوة سكان بغداد لتجنب الذهاب إلى المدارس والجامعات. كما دعا الى اغلاق المحال التجارية لأن المجموعة تنوي نقل (المقاومة) إلى العاصمة بغداد. ويقال ان هذه المجموعة لها اتصالات واسعة مع «جيش المهدي» التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر.

وبعد ان قمنا بجولة سرية في منطقة الباب الشرقي في بغداد، حصلنا على مجموعة كبيرة من الأقراص المدمجة ( (C.D) تصور العمليات العسكرية لبعض الجماعات المسلحة التي تطلق على نفسها «جيش الإسلام كتائب شهداء الطف». وهى تشير الى المعركة التي قتل فيها الإمام الحسين، وتقوم «كتائب شهداء الطف» بإرسال بعض هذه الاقراص المدمجة إلى بعض القنوات الفضائية العربية. وهناك ايضا بعض الكتائب التي تعلن أن لها ارتباطا بأبي مصعب الزرقاوي مثل كتائب «جند الشام» و«المجاهدين» و«صلاح الدين» و«الزلزال» و«المجاهدة».

وقد أكد لنا (س.س) ان هناك جيشا يدعى «جيش أنصار السنة» فيه عدد كبير من «العناصر المجاهدة» بحسب تعبيره. وأضاف انهم من ذوي المعرفة والمراس العسكري. كما ذكر ان هذه الجماعة لديها مقاتلون في كل أنحاء العراق ينفذون هجمات «ضد الاحتلال ووفق الشريعة الإسلامية». وخلال بحثنا عن هذه الجماعة، عثرنا على العديد من البيانات التى تعلن فيها مسؤوليتها عن تفجيرات مقرات الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، والسفارة التركية في بغداد، وتفجيرات أخرى ضد القوات المتعددة الجنسيات. وأكد لنا بعض المهتمين أن شخصاً يدعى «أبو عبد الله» هو من يترأس هذه الجماعة.

وقالت مصادرنا ان هناك الكثير من الجماعات المسلحة الأخرى تحت مظلة «جيش أنصار السنة»، ومنها مجموعة «الشهيد عزيز طه» و«كتيبة التوحيد» و«سعد بن أبي وقاص» و«أسد الإسلام» و«ابو حنيفة النعمان» و«عبدالله بن الزبير» و«معاذ بن جبل» و«فوج ياسين البحر».

أما «أنصار الإسلام» فهي جماعة كردية تأسست منتصف الثمانينات، ويزعم بعض أفرادها ان لهم ارتباطا بتنظيم «القاعدة»، وهي تتفرع عن «جند الاسلام»، المعروف أيضاً باسم «اللواء الاسلامي»، قد دخلت في قتال مع الاتحاد الكردستاني منذ سبتمبر (ايلول) عام 2001 ويقودها الملا كريكار المعروف باسم نجم الدين فرج أحمد وهو القائد العسكري لانصار الإسلام. ونفى كريكار علاقته بابن لادن، كما حاول بعض قياديي الجماعة تغيير اسمها ولكن لم يحدث ذلك حتى الآن. ايضا هناك «الحركة الاسلامية» في كردستان التي تأسست 2001 .

اما الجماعات التي تنسب نفسها الى تيار الصدر، فهي «جيش الإمام المهدي»، و«عصبة الهدى» و«بنت الهدى»، وهذه الأخيرة تتكون من جماعة من النساء تعهدن بالولاء لمقتدى الصدر وهددن بعمليات انتحارية ضد القوات الأميركية، ولكن لم يحصل ان نفذن عملية واحدة حتى الان. وفي مدينة النجف ألتقينا بامرأة قالت لنا إنها من جماعة «بنت الهدى»، وقد وضعت النقاب على وجهها وقالت إنها ستقوم بتفجير نفسها في حالة مساس الزعيم الشيعي الصدر بأي أذى.

* جماعات خفية أو وهمية

* وفي جولتنا التي اتسمت بالخطورة لم نستطع الوصول الى بعض الجماعات التي سمعنا بأسمائها. ومن هذه الجماعات «جبهة المقاومة» وهذه الجماعة كما وردنا تقاوم الاحتلال وتعارض القوانين الصادرة من الحكومة العراقية المؤقتة وتنتقد الإعلام. ايضا من هذه الجماعات «منظمة التحرير العراقية»، وقد تبادر الى أسماعنا ان هذه المنظمة قد عرضت مليوني دولار لكل شخص يقتل أو يأسر اي عضو من أعضاء مجلس الحكم العراقي السابق او احد اعضاء الحكومة المؤقتة الحالية. ويقول بعض المطلعين في العراق ان هذه الجماعة «وهمية» ولا وجود لها. ومثلها أيضاً «الجبهة الوطنية لتحرير العراق» التي لم نعرف بها إلا عبر الكلام الذي يدور حول هذه الجبهة المتعددة الأطراف، وفيها مجموعة من المسلحين الذين يعارضون الحكومة وينتقدون أداءها، ويسعون كما يقولون الى تحرير العراق.

وقد تمددت الجماعات المسلحة في العراق لتشمل كل مناطقه. فهناك جماعة تدعى «ثأر الله» تتواجد بين بغداد ومدينة تكريت ولا يعرف حتى الآن عدد عناصرها. وقال أحد المنتسبين لها ان أهدافهم تتمثل فى «عودة العراق الى اهله». كما ان هناك «مجاهدي الله أكبر». ويرتبط ببعض الكتائب المسلحة ما يدعى «المقاومة الإسلامية الوطنية»، ويقال ان فيها عربا متطوعين. وأغلب المتطوعين العرب ينتمون الى «جماعة أنصار السنة» و«المجاهدين».

وقد أكد لنا بعض السكان العرب من غير العراقيين، الذين يعيشون في العراق، انهم تسلموا جثث أبنائهم الذين قتلوا خلال مواجهات مع الجيش الاميركي, وأكد اغلب هؤلاء السكان العرب أن غالبيتهم لم يعرفوا انتماء ابنائهم الى هذه الجماعات إلا بعد مقتلهم. وقال لنا مواطن فلسطيني يسكن العراق منذ ثلاثين عاماً ان ابنه الوحيد قال له ان عليه الذهاب الى عمّان لعمل مهم، ولكنه فوجئ بجثته تعود اليه بعد أحداث الفلوجة ولا يدري متى وكيف انضم الى تلك الجماعات وقطع حديثه بالبكاء. بعض الشباب الذين التقيناهم في مدينة بغداد تحسنت أوضاعهم المادية بشكل كبير بعد عملهم مع الجماعات المسلحة. وكانوا كما يقولون يتسلمون رواتب «ضخمة» لقاء انتمائهم للمجاهدين. وقد تزوج (ص.ح) بعدما تمكن من شراء بيت وسيارة وكانت مهمته ان يخبئ السلاح والمجاهدين في بيته ويتقاضى لقاء ذلك أجراً كبيرا. وقال (ص.ح) انه لا يعرف من يمول الجماعة التي ينتمي اليها والمهم لديه هو ان يتسلم نهاية كل شهر مبلغا من المال، اضافة الى مبالغ بعد كل عملية.

زوجات المنتمين الى الكثير من تلك الجماعات لا يعرفن على الاغلب ما يحصل لازواجهم. ولكن الغياب المستمر جعل الكثير من اولئك الزوجات يطلبن الطلاق مما يضطر المسلحين الى الكشف عن حقيقة عملهم لتفادي المشاكل العائلية، غير ان الانضمام للجماعات المسلحة لا يثني بعض الزوجات عن طلب الطلاق.

ويقول ابو احمد الذي ينتمي الى «سرايا مجاهدي الفلوجة» ان الاحتقان السياسي الذي ولدته قوات الاحتلال لا يمكن ان يعالج بالعنف لان العنف لا يولد الا العنف، «ليس في الفلوجة وحدها وإنما في كل مناطق العراق الاخرى». وحول التباين بين قدرات قوات الاحتلال واسلحة المقاتلين فى العراق، قال «نعلم ان امكانياتنا محدودة مقارنة بامكانيات المحتل، لكننا اصحاب هدف مشروع يتمثل في مقاومة الاحتلال والمهم نحن نبدأ وهناك من يكمل الطريق». اغلب المنتمين الى تلك الجماعات المسلحة لا يعرفون الممول الرئيسي لهم ومن يقوم بجلب السلاح لهم ولكن يتسلم البعض منهم المال ليودعه في بعض البنوك لضمان مستقبل افضل!. أسماء الجماعات المسلحة لا تشمل ما ذكرناه فقد، بل تشمل ايضا «كتائب ثورة العشرين» و«كتيبة علي بن أبي طالب» و«الجهاد والتوحيد» و«خالد بن الوليد» و«جيش الكرار». ولا يمتلئ العراق بالاسلحة فقط بسبب كثرة الجماعات المسلحة، فهناك الاف المسلحين الذين يسيرون فى شوارع البلاد مدججين بأسلحتهم لحماية الشخصيات المعروفة في العاصمة بغداد، او المقرات الحكومية، ومقرات الأحزاب. هذه الصورة المدججة بالسلاح من كل صوب وحدب تكشف حقائق كثيرة، أكثرها مرارة هي ان الخروج من عنق هذه الزجاجة قد لا يتم الا «بتفجيرها» بحالة سلام سريعة ودائمة على أمل الا ندخل جديد في عنق زجاجة اخرى.

* 4 لقطات من موقع خطر

* ونحن نسير في بعض مناطق العراق لاحظنا ان الاطفال يلعبون لعبة «المقاومة» كما اسموها. وعندما توقفنا عند احدهم، قال لنا ان والده قد اوصاه بأن يحمل السلاح بعد موته!.

* احد الاشخاص الذين التقينا بهم قال لنا انه قد ترك عمله في احدى مؤسسات الدولة وانتمى الى احدى الجماعات المسلحة لأن راتبه الشهري لا يكفي لسد رمق عائلته الكبيرة، فيما راتبه مع الجماعة المسلحة «يكفي ويفيض».

* لأن احدا لا يعرف هويتنا الصحافية فقد طلب احد المسلحين منا الانتماء اليهم وكان عذرنا، الذي لم يقنعهم، هو العمل في «الاعمال الحرة» التي يعيش من ورائها الكثيرون في العراق الان.

* الهدف العام المعلن للجماعات المسلحة في العراق هو محاربة الاحتلال، غير ان بعض الجماعات تتخذ هذا الهدف ذريعة لتسيير امورها، وقضاء مصالح بعض الاشخاص.