حسن روحاني.. الثعلب المبتسم

TT

«لانه جذاب، ولانه من المقربين من خامنئي ورفسنجاني، فمن المرجح التوصل الى اتفاق». هذا ما قاله دبلوماسي غربي الاسبوع الماضي، معربا عن تفاؤله بتوصل الوفد الايراني برئاسة رئيس مجلس الامن القومي ومسؤول الملف النووي حسن روحاني لاتفاق مع الاوربيين خلال المباحثات المهمة المقررة الاثنين المقبل، حول وقف تجميد اليورانيوم، مقابل مساعدات اقتصادية وتقنية اوروبية كبيرة لايران. هذا التفاؤل لا يقف على ارض هشة، بالرغم من ان المفاجآت دائما واردة في ما يتعلق بايران، اذ ان روحاني مثله مثل بلاده، يقف جغرافيا وسياسيا على ارض تموج بتناقضات يبدو من الصعب المواءمة بينها، غير ان روحاني وبلاده برهنا في مناسبات كثيرة على ان المواءمة بين التناقضات هي اختصاص اصيل للايرانيين. ولد حسن روحانى عام 1948 والحرب العالمية الثانية تلفظ انفاسها الاخيرة، غير ان الحرب التى انتهت على الجبهة العالمية لم تنته على الجبهة الايرانية، اذ وقعت ايران صريعة التنافس الاميركي السوفياتي المحموم على منطقة الشرق الاوسط، خاصة بعدما ظهر واضحا ان تحالف السوفيات والاميركيين خلال الحرب لدحر دول المحور، لن يحول دون اندلاع ما سيسمى لاحقا بالحرب البادرة. وخلال الخمسينات والستينات وقع المجتمع الايراني نفسه فريسة الحرب الباردة. فاحتدام الصراع بين السوفيات والاميركيين على منطقة اسيا الوسطى وايران، أطلق يد الشاه في ايران بسبب دعم اميركا غير المحدود له. هذا الوضع شكل مع الوقت النواة الاولى للنزعة الدينية الثورية الاحتجاجية في البلاد، التي قادت الى قيام الثورة الاسلامية 1979 .

وفي مدينة قم نال روحاني شهادة في علوم الدين، غير ان تعليمه لم يكن دينيا صرفا، اذ انه لاحقا حصل على الدكتوراه في القانون. وطوال حياته كان مثالا للتعليم الديني المحافظ، والتعليم المدني المنفتح. ولا بد ان دراسة القانون اثرت في شخصية روحاني، اذ انه اظهر ميلا للكتابة والخطابة. وكان من قادة الطلبة المفوهين المشتعلين نشاطا وتدفقا. وهي ميزة لم يفقد اي قدر منها حتى الان. وخلال حكم الشاه اعتقل مرتين، الاولى عام 1964، والثانية عام 1977 وذلك بسبب نشاطاته السياسية، ولا يتمتع ذلك الدبلوماسي الايراني الذي يلقبه البعض بـ«الثعلب» بالخبرة في المجال القانونى والسياسى فقط، اذ انه كان خلال الحرب العراقية ـ الايرانية (1980 ـ 1988) احد القادة البارزين للجيش الايراني، كما كان رئيسا لمركز الدفاع الجوي، ورئيسا لاحد السجون. ولان التخرج من المدارس الدينية في قم لم يخبو تأثيره في روحاني، ظل كأغلب رجال الدين والتجار في قم، مؤيدا عنيدا لتحرير الاقتصاد وتحسين علاقات ايران بالعالم الخارجى، فيما ظل محافظا جدا اجتماعيا وثقافيا. وخلال المظاهرات الطلابية العنيفة التى شهدتها الجامعات الايرانية 1999 احتجاجا على تشديد الخناق حول تنظيمات الطلبة الاصلاحيين، والاجراءات ضد الصحف والمثقفين الاصلاحيين، ايد روحاني، الذي كان ساعتها نائبا لرئيس البرلمان الايراني، اتخاذ اشد الاجراءات بحق الطلبة مثيري الاضطرابات، بما في ذلك الاعدام. كما انه من المؤيدين للتشدد في لباس النساء ومنع التبرج في الاماكن العامة. وعلى النقيض من هذه المحافظة الاجتماعية الصارمة، يعد روحاني «ليبراليا براغماتيا» على الصعيد الاقتصادي. فهو من اوائل المسؤولين الايرانيين الذين عملوا على تحرير الاقتصاد الوطني وتعزيز علاقة بلاده بمحيطها الاسيوي، اضافة الى اوروبا والشرق الاوسط. وفي عام 2001 توجه الى جورجيا وارمينيا واذربيجان للترويج للتعاون الاقليمي بين دول بحر قزوين، بالرغم من خلافاتهم على اقتسام ثروات البحر. وفي مايو (ايار) 2004، عين روحاني رئيسا لمجلس الامن القومي الايراني الذي انشئ عام 1989 من اجل حماية المصالح والامن الايراني. ويرأس المرشد الاعلى لايران اية الله علي خامنئي المجلس بشكل شرفي.

وبالرغم من أن المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي يرأس المجلس بشكل شرفي، غير ان له اليد الطولى في تحديد سياسات المجلس. ولا تقتصر المناصب التي يشغلها روحاني على هذا المنصب الحساس فهو ايضا رئيس المركز الايراني للدراسات الاستراتيجية، وعضو بمجلس الخبراء، الذي هو من أهم مؤسسات الحكم في ايران، ويتمتع بسلطات واسعة، من بينها سلطة اقالة المرشد الاعلى للجمهورية. ويقال ان الرئيس الايراني محمد خاتمي اختار روحاني لشغل منصب رئيس مجلس الامن القومي، وذلك لقرب روحاني من المؤسسة العسكرية والامنية، الامر الذي يجعله بالنسبة لخاتمي بمثابة «العين»، اذ ان الرئيس لا يتمتع بعلاقات وثيقة بالمؤسسة العسكرية الايرانية. وخلال نظر الملف الايراني في وكالة الطاقة الذرية كون الدبلوماسيون الغربيون عن روحاني صورة الرجل المعتدل البراغماتي المحافظ. وقال احد الدبلوماسيين عنه ان روحانى قد لا يتمتع بعلاقات صداقة كبيرة داخل الوكالة، غير انه يتمتع باحترام كبير. ان روحاني «الدبلوماسي» لا يكون كذلك فى جلسات وكالة الطاقة الذرية حول الملف النووي الايراني. فهو اكثر المسؤولين الايرانيين ترديدا للعبارات النارية، وتجسيدا لحالة المحافظين الايرانيين الغاضبين من تعامل الوكالة مع بلادهم. وكان نقل عنه قبل نحو اسبوع بعد تعهد ايران بوقف تخصيب اليورانيوم «لقد قلنا بكل وضوح ان اي قرار يهدف الى تحويل تعهد طهران الطوعي بوقف تخصيب اليورانيوم الى التزام قانوني لن يكون مقبولا». كما قال موجها كلامه للاميركيين «الطريقة الوحيدة امام المجتمع الدولي لحل المشكلة النووية الايرانية هي الحوار، وليس بوضع الضغوط او تهديد بلادنا». وروحاني الطموح، من ابرز المرشحين لتمثيل المحافظين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويدعم اسهمه كثيرا قربه من المحافظين والاصلاحيين معا، وعلاقته القوية بخامنئي.

غير ان الرجل كثير الابتسام ليس كثير الشعبية بين الشباب والمعتدلين الايرانيين، مما يشكل عقبة امام أي مرشح اصلاحي، له شعبية في الشارع الايراني. لكن الافتراض، مجرد الافتراض، بفشل المعتدليين في طرح مرشح ذي جاذبية للشباب، وهو امر ليس بمستبعد في ظل ازمة الثقة المتفاقمة بين الاصلاحيين والشارع، يفتح الباب امام واسعا امام روحاني، إذ انه، من دون كل المحافظين، يتمتع بشعبية بين الاصلاحيين.