قانون التحريض على الكراهية الدينية: أداة حماية أم حاجز يعزل مسلمي بريطانيا؟

TT

القرار الذي اتخذته الحكومة البريطانية قبل ايام ببدء العملية الفعلية لإصدار تشريعات تجعل «التحريض على الكراهية لأسباب دينية» جريمة يعاقب عليها القانون، لا يزال يثير جدلاً، الارجح انه لن يهدأ سريعاًً. فقد هب معارضو هذا التشريع لشن حملة ضده. وتكاد الحكومة تقف وحيدة في وجه الحملة المناهضة ، لولا تأييد بعض الدوائر الاسلامية ، التي وضعّ القانون لحمايتها من الموجة العنصرية المتعاظمة ومتشددين يمينيين مسيحيين. والمفارقة ان بعض الناشطين الاسلاميين يذهبون في تحفظهم الى حد الوقوف علناً ضد هذه القوانين التي قد لا تجد طريقها الى التطبيق قبل ان تُعدل وتخفف كثيراً. لكن ما هي الخطوط العريضة لهذه التشريعات التي اقامت الدنيا في بريطانيا ولم تقعدها بعد؟ تقول وزارة الداخلية إن الهدف منها توسيع نطاق قوانين «النظام العام»، المعمول بها منذ 1986 والتي تنص على معاقبة من يقوم بالتحريض على كراهية آخرين لاسباب عرقية، كي تشمل «المحرضين على الكراهية ضد آخرين لانهم يعتنقون ديناً مختلفاً». وتشير الى ان «الاقتراحات المطروحة تنص على تجريم الاستخدام عن سابق معرفة لكلمات او سلوك ينم عن التهديد او الاساءة او الاهانة، التي تؤدي او ترمي الى التحريض على كراهية مجموعة من الناس استهدفوا بسبب معتقداتهم الدينية». وتذكر الوزارة ان القوانين الجديدة ستؤدي الى معاملة هؤلاء الذين يعانون من التحريض على الكراهية لاسباب دينية، معاملة لا تختلف عن ضحايا الاساءة ذاتها التي تتم لاسباب عرقية. وتوضح ان التشريعات تشترط موافقة المدعي العام على طلبات مقاضاة متهمين بالتحريض على كراهية المسلمين أو المسيحيين، قبل السماح برفع الدعاوى ضدهم. وقد تصل عقوبة من تثبت ادانته الى السجن 7 سنوات. ويُذكر ان اتباع الكنيسة الانغليكانية الرسمية يتمتعون بحماية القانون، فيما لا يتمتع المسيحيين الكاثوليك او المسلمين بأى حماية قانونية ضد التحريض على الكراهية الدينية. وتعزي الوزارة مبرر اقتراحها للتشريعات الجديدة الى «الحاجة للتصدي لنشاطات المتشددين الذين يثيرون الكراهية ضد آخرين بسبب مذاهبهم الدينية». وتلفت الى ان «المجموعات الدينية التي تنتمي الى عرق واحد كاليهود والسيخ» يتمتعون سلفاً بالحماية من التحريض على البغض، وذلك بموجب تشريعات «النظام العام». وتوضح ان قوانين «النظام العام» لا تحمي المسلمين والمسيحيين وغيرهم من الاقليات الدينية التي لا ينتمي افرادها الى عرق واحد، الامر الذي جعل التشريعات الجديدة ضرورية لسد هذه الثغرة. وتدل أمثلة تسوقها الوزراة الى ان التشريعات قابلة للتطبيق على أصوليين اسلاميين او متشددين من اتباع مذاهب اخرى، إذا سعوا الى تشجيع أحد بالاساءة الى المختلفين عنهم فى الملة. كما تفيد الامثلة ذاتها الى انها ستطبق ايضاً على انصار «الحزب القومي البريطاني»، الذين تردد قبل اشهر انهم بثوا مزاعم ضد الاسلام بذريعة ان معتنقيه «يملثون تهديداً للبريطانيين وينبغي طردهم من البلاد على وجه السرعة».

لكن تبدو التصرفات التي يعاقب عليها هذا القانون غائمة الى درجة ما. فمثلاً لا ضير، بموجب القانون، فى ان يطلق شخص النكات او يوجه الانتقادات القاسية حول «تعاليم ومعتقدات وشعائر» دين معين ويزعم ان هذه التعاليم «كاذبة أو مؤذية». كما يمكن لشخص ان يعرب عن نفوره التام من مذهب معين ومن معتنقيه. هذه الممارسات كلها مشروعة حسب التشريعات المقترحة، ما لم تقترن بالتهديد أو إثارة الكراهية على نحو متعمد وصريح. والحق ان كثيراً من هذه التصرفات قد تُفسر من قبل «الضحية» على انها تؤجج العداء له وتؤذيه، غير ان القانون «الزئبقي» لا يعترف بذلك. ويقول خبراء قانونيون ان افتقار التشريعات الجديدة الى الوضوح يجعلها عاجزة عن تأمين الحماية اللازمة للمسلمين. كما يشيرون الى انه بوسع فرق دينية متطرفة ان تستغل هذه التشريعات للنجاة من المساءلة. واعتراض هؤلاء الاساسي على القوانين المطروحة يتركز على تقييدها المفترض لحريات الرأي والتعبير. ويتساءلون عن مبرر إصدارها، لا سيما ان هناك قوانين سارية سلفاً توفر الحماية للمسلمين كابناء أعراق معينة ، مؤكدين انه لا ضرورة لوضعهم جميعاً في خانة واحدة بوصفهم اتباع دين محدد. وجدير بالذكر ان النجم الكوميدي روان آتكنسون، المعروف باسم السيد «بين»، انضم الى صف معارضي التشريعات بحجة انها ستصادر حريته الفنية في انتقاد دين بعينه.

وتشاطر «الجمعية الاسلامية في بريطانيا» هؤلاء المعارضين بعض آرائهم. أنس التكريتي، وهو من قادة الجمعية التي كانت في طليعة المنظمات التي حركت الشارع البريطاني في العامين الماضيين احتجاجاً على الحرب على العراق، يقر بادئ الامر أنه «معترف تماماً بحق المسلمين في السعي الى نيل الحماية القانونية». بيد انه يسارع الى القول «لكن هذا القانون ليس الوسيلة المناسبة لمساعدتنا على اتقاء شرور العنصرية، لا سيما انه يرفع الحواجز بيننا وبين بقية المجتمع فيعطل الحوار ويعزلنا، مهيئاً المناخ للبعض لتوجيه مزيد من الاساءات لنا». ويشدد على ان بيت الداء في مشروع القانون الحالي هو «تغييب المسلمين عن عملية المشاورات إذ لم تتصل الحكومة بالجميع كما لم تطلب آراء شخصيات اسلامية تتمتع بالمصداقية، بل اكتفت بالتحدث الى حفنة من الاشخاص ومع المجلس الاسلامي البريطاني». ويضيف الناشط ، العراقي الاصل، إن المسلمين ليسوا بحاجة الى هذه التشريعات حالياً بل إلى «تعديل قوانين مكافحة الارهاب التي باتت تسيء الى كل مسجد في طول البلاد وعرضها». وفي المقابل، يعرب «المجلس الاسلامي البريطاني»، وهو مظلة لاكثر من 300 منظمة اسلامية، عن اعتقاده بان التشريعات «ضرورية للغاية بسبب ارتفاع وتيرة الاعتداءات ضدنا ورواج نزعة الاسلاموفوبيا». ويوضح المسؤول الاعلامي عنايات بونغوالا ان المجلس «لا يريد للمسلمين معاملة خاصة، بل جل ما نطلبه هو مساواتنا بالآخرين». ويعتبر ان «الغالبية الساحقة من المسلمين يؤيدون القانون بلا تحفظ ، باستثناء منظمة حقوق الانسان الاسلامية برئاسة مسعود شاجري». ويلفت الى ان اهمية التشريعات تكمن في انها ستكون «رادعاً يدفع الناس الى مراقبة انفسهم وعدم الوقوع في خطأ اثارة الكراهية ضد المسلمين والمسيحيين»، موضحاً ان القوانين الموجودة سلفاً لمكافحة التحريض العرقي «نادراً ما استعلمت، خصوصاً ان المدعي العام وافق فقط على اربع طلبات للمقاضاة من اصل 80 رفعت اليه في الاعوام الاربع الماضية». ويذكر ان المجلس يشارك عن كثب في المشاورات المتعلقة بقوانين مكافحة التمييز الديني. واللافت ان النائب العمالي جون أوستن، وهو الرئيس المشارك لـ«مجلس تعزيز التفاهم العربي ـ البريطاني» (كابو)، كان سباقاً الى طرح مشروع برلماني في 1998 لسن قوانين من هذا النوع. وفي يناير (كانون الثاني) 2002، اجري تعديل على قانون «الأمن والجريمة ومكافحة الإرهاب» البريطاني بحيث صار يتضمن عقوبات على تسع مخالفات جديدة «لها اسباب دينية»، مع الاشارة الى ان التعديلات تهدف الى توفير مزيد من الحماية للمسلمين وغيرهم من الاقليات الدينية. وتشرف حالياً وزيرة التجارة والصناعة باتريشيا هيويت على مشاورات موسعة بغرض اصدار صيغة اولية لتشريعات جديدة تحمي المسلمين من التمييز ضدهم لأسباب دينية.

ولئن كان مضمون مشروع القانون المطروح حالياً ليس جديداً تماماً، فإن سياق تقديمه والتوقيت الذي تم فيه يكاد يكون اشد اهمية من محتواه نفسه. وثمة اسباب تعزز الانطباع بأنه يرمي الى خطب ود الناخب المسلم. فرئيس الوزراء البريطانى تونى بلير لمس الصعود «الصاروخي» لحزب «ريسبكت» (احترام)، وذلك بفضل الدعم الذي لقيه من الناخبين المسلمين. ومن الخطأ الاستهانة بحظوظ الحزب الذي اسسه قبل نحو عام النائب المستقل جورج غالاواي بعدما طرد من حزب العمال الحاكم بفترة قصيرة ، في كسب تأييد المسلمين في الانتخابات العامة المقبلة لا سيما أن ابرز شعاراته تتمثل في معارضة الحرب على العراق والمطالبة بإنصاف الفلسطينيين. والمنافسة على اصوات المسلمين تأتي ايضاً من احزاب قديمة، خصوصاً الديمقراطيين الاحرار. فثالث اكبر الاحزاب البريطانية تمكن من انتزاع مقعد في مجلس العموم من الحزب الحاكم أخيراً في انتخابات استثنائية، وهدده بقوة في عقر داره بثاني اكبر مدن انجلترا، برمنغهام، في انتخابات مماثلة. وهذان النجاحان يعودان الى معارضة الاحرار للحرب على العراق.

لكن أياً كانت «الارباح» التي يطمح رئيس الوزراء الى جنيها من التشريعات المقترحة، هل يملك المرء ان يتجاهل الحاجة الماسة لحماية المسلمين في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (ايلول)؟ فالاسلاموفوبيا (نزعة العداء المرضي للمسلمين) تتفاقم، وتتزايد معها ايضاً الاعتداءات على المسلمين الذين وجدوا أنفسهم في مناسبات كثيرة عرضة للتحرش والاهانة والضرب المبرح في هجمات كادت تودي بحياة البعض. والمتطرفون، على رغم ضآلة نفوذهم كقوة سياسية، باتوا اشد شراسة في التعبير عن عدائهم للاسلام. ويشن اليمينيون البريطانيون، سواء كانت عنصريتهم «مقنعة»، او كانوا لا يخشون الحديث عن ايديولوجيتهم الهدامة علناً، مثل «الحزب القومي البريطاني»، حملة ضد الاسلام والمسلمين. يُشار الى ان تضمين القانون المقترح، في تشريعات وردت بخطاب الملكة اواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الذي يشتمل عادة على القوانين التي ترغب الحكومة بسنها خلال عام كامل، لا يعني انه سيصبح ساري المفعول خلال اشهر. فأجندة الحكومة البرلمانية مكتظة عادة بمشاريع قوانين واجراءات لا يمكن تأخيرها لسبب أو آخر. وإذا صدقت التكهنات الرائجة بقوة ، بان بلير سيعمد الى اجراء الانتخابات في وقت مبكر، فهذا سيؤدي الى عدم توفر الوقت البرلماني الكافي لمناقشة عدد كبير من مشاريع القوانين.

والارجح ان تكون تشريعات التحريض على العداء الديني في طليعة ضحايا تقديم موعد الانتخابات المفترض، خصوصاً ان الحكومة لن تغامر بتبديد الوقت البرلماني القصير اكثر من المعتاد، على مناقشة مشروع لا بد ان يستغرق البت فيه زمناً طويلاً لان مجلس اللوردات مصمم كما يبدو على عرقلته قدر الممكن. فالمجلس الذي يتمتع حزب المحافظين المعارض فيه بالاغلبية، مصمم على اسقاط المشروع بطريقة تنم عن التشفي ، لا سيما أنه وجه الطلقة القاتلة قبل ما يزيد عن سنتين لمشروع مشابه اخفقت وزارة الداخلية في تمريره. بيد ان البعض يرى ان مجرد الاعلان عن وضع مسودة القانون على قائمة المشاريع التي تصطف بالدور امام منبر المناقشة البرلماني، قد يكفي لتأكيد رغبة حزب العمال المعلنة بحماية المسلمين البريطانيين. الا انه من السابق لاوانه الحديث عن ان الناخبين المسلمين سيقابلون هذا «المعروف» بالمثل حين يتوجهون الى صناديق الاقتراع.