العقيد عبد الله يوسف... رئيس في الانتظار

TT

العقيد عبد الله يوسف أحمد أقسم اليمين الدستورية رئيساً للصومال في الاول من الشهر الجاري بعد 33 سنة من القتال، من بينها 13 سنة أمضاها في السجون بين الصومال واثيوبيا قبل وصوله الى هذا المنصب. لكن القسم الذي أداه عبد الله يوسف تم على أرض اجنبية (في العاصمة الكينية نيروبي) حيث جرى ايضاً اختيار اعضاء البرلمان الصومالي الـ275 الشهر الماضي، وكذلك تكليف البروفسور علي محمد جيدي تشكيل حكومة حُجبت عنها الثقة في التاسع من الشهر الجاري، واستعادتها أمس بعد مشاورات قادها الرئيس المنتخب مع النواب خلال الايام العشرة الماضية.

إذاً، كل هذه العمليات السياسية الديمقراطية على الطريقة الصومالية تجري خارج الصومال وباعتراف عربي ودولي بانتظار عودة الرئيس والنواب واعضاء الحكومة الى عاصمتهم مقديشو. ويقول قريبون الى عبد الله يوسف إنه لن يعود الى مقديشو إلا بعد ضمان وجود قوات حفظ سلام افريقية تنزع سلاح الميليشات الذين يتجاوز عددهم 60 الفاً، وتضمن له حكم البلد بكل معنى الكلمة. فهو الذي انتظر 33 سنة كي يسمع الناس من حوله تناديه بـ«سيدي الرئيس» لا يريد ان يكرر ما حصل لسلفه الرئيس الانتقالي السابق عبدي قاسم صلاد حسن، الذي أقام في احد احياء مقديشو، لكنه لم يكن يسيطر سوى على شارع واحد من هذا الحي طوال السنوات الاربع الماضية.

الحياة السياسية والعسكرية للرئيس العقيد عبد الله يوسف تشير الى انه رجل محارب شجاع وطموح لا يستكين، يقبل الهزيمة الى حين، لكنه كان يؤمن دائماً بأنه سيحكم الصومال يوماً، حتى ولو صار في سن السبعين (عمره اليوم). وسألته يوماً بعد خضوعه لعملية زرع كبد في لندن العام 1998 : هل تتخلى عن السياسة ؟ فأجاب «ليس قبل ان اصبح رئيساً للصومال». ثم التقيته مطلع السنة الجارية في لندن وكان مؤتمر المصالحة الصومالية متعثرا في نيروبي، وقال يومها «يريدون استبعادي من المؤتمر لإعادة انتخاب صلاد حسن رئيساً... واقنعوا الحكومة الكينية بمنعي وقادة الفصائل المتحالفة معي من الدخول الى كينيا التي اقتنعت حكومتها اخيراً بعدم امكان انتخاب رئيس من دوننا... سأعود الى نيروبي وأنا مرشح للرئاسة». ولد عبد الله يوسف في مدينة غالكعيو شمال شرقي الصومال، وينتمي الى واحدة من القبائل الصومالية الرئيسية الاربع، وهي الدارود ويتحدر من احد فروعها حارتي واحد فخوذها ماجيرتين. وهو متزوج من السيدة حواء ولديه اربعة ابناء، لا يدخن او يتعاطى الخمور، ويجيد اللغات الايطالية والروسية والانكليزية اضافة الى الصومالية، ويفهم العربية لكنه لا يجيدها. لكن كيف ومتى بدأ يتبلور طموحه الى الحكم؟ كان العقيد عبد الله يوسف احد ثلاثة من كبار ضباط الجيش الصومالي عندما تأسست دولتهم المستقلة حديثاً في الاول من يوليو (تموز) 1960 باتحاد اقليم «ارض الصومال البريطاني» المعروف بـ«صومالي لاند» (شمال غربي البلاد) مع اقليم «الصومال الايطالي» المعروف آنذاك بـ«صوماليا» (جنوب ووسط الصومال حتى الشمال الشرقي). والضابطان الآخران كانا مثله يطمحان الى الرئاسة، وهما قائد الجيش آنذاك اللواء محمد سياد بري، والعقيد محمد فارح حسن الملقب بـ«عيديد». التقيته للمرة الاولى في أديس ابابا في العام 1991، بعد اسابيع قليلة من فراره من احد سجون العاصمة الاثيوبية حيث روى قصة اعتقاله وفراره، وكذلك علاقته بسياد بري وبعيديد. وتتقاطع روايته مع أخرى رواها عيديد الذي صار جنرالاً ونصب نفسه رئيساً على الصومال بين 1995 و 1996 . وملخص الروايتين يبدأ في 15 اكتوبر (تشرين الاول) 1969 يوم اغتيل الرئيس الصومالي عبد الرشيد علي شارماركي على ايدي أحد مرافقيه، وفي اليوم نفسه فرضت حكومة محمد ابراهيم عقّال حظراً على كل النشاطات السياسية، ودعت الجمعية الوطنية (البرلمان) الى اجتماع في 21 اكتوبر (تشرين الاول) لانتخاب رئيس جديد. وبين تاريخ الاغتيال وموعد الاجتماع، كان سياد بري يعمل لتنفيذ انقلاب عسكري، فطلب من عبد الله يوسف وعيديد كلا على حدة المشاركة معه، لكنهما رفضا بدبلوماسية. فنفذ سياد بري انقلابه العسكري فجر 12 اكتوبر ورفع رتبته العسكرية الى كولونيل واعتقل كل الوزراء بمن في ذلك رئيسهم عقال، ولم ينس زج عبد الله يوسف وعيديد في السجن. وبعد شهرين من سجنهما عرض سياد بري على عيديد منصباً دبلوماسياً في تنزانيا فخرج من السجن، كما عرض على عبد الله يوسف تولي منصب سفير في المانيا لكنه رفض فأبقاه في السجن حتى العام 1976 حين اطلقه ليعينه مديراً عاماً في إحدى المؤسسات الحكومية.

ويضيف العقيد عبد الله يوسف «عدت الى الجيش مطلع العام 1977 مع بداية التوتر العسكري بين الصومال واثيوبيا في النزاع على اقليم الصومال الغربي المعروف باوغادين والذي تحتله اثيوبيا، ومع اندلاع الحرب بين البلدين في يوليو (تموز) من السنة نفسها، كنت اقود القوات الصومالية في منطقة دولو جنوب غربي البلاد واستطعت استرجاع اجزاء واسعة من اوغادين، لكن الاتحاد السوفياتي (سابقاً) قرر التخلي عن احد حليفيه سياد بري ودعم الحليف الثاني الرئيس الاثيوبي آنذاك الكولونيل منغيستو هيلا مريام مما اضطررنا الى الانسحاب من اوغادين في 1978.. وفي التاسع من ابريل (نيسان) نفذت مع بعض زملائي من الضباط محاولة انقلاب ضد سياد بري لكننا لم ننجح، فهربت الى كينيا مع بعض الضباط الناجين ثم توجهنا الى اثيوبيا حيث طلبت من منغيستو المساعدة لاطاحة سياد بري ومنحنا حرية عبور الاراضي الاثيوبية لتنفيذ عمليات عسكرية في المناطق الصومالية، وأسست آنذاك اول تنظيم سياسي وعسكري داخل الاراضي الصومالية».

لكن كيف تتفق مع الرجل الذي كنت تحاربه قبل شهور معدودة واحتل جزءاً من بلادك وهزم جيشك؟. يجيب عبد الله يوسف «كانت الاولوية اطاحة نظام سياد بري، وكان ذلك هدف منغيستو ايضاً... أنشأنا قاعدة عسكرية واستطعنا احتلال مدينتين حدوديتين هما غالدوغب التابعة لاقليم مدق وبالالبالي في اقليم جلجدود وتبعدان عن الحدود 30 كيلومتراً في اتجاه المنطقة الوسطى».

بعد ذلك اختلف عبد الله يوسف مع الاثيوبيين، وهو يقول ان السبب كان محاولة منغيستو دعم حركة مسلحة في شمال الصومال لفصله عن البلاد. ويعزو احد القريبين اليه الخلاف الى سبب اضافي هو اصرار الجيش الاثيوبي على رفع علم اثيوبيا في المدينتين الصوماليتين اللتين احتلهما عبد الله يوسف. وايا كانت الاسباب، اعتقل منغيستو عبد الله يوسف في 12 اكتوبر (تشرين الاول) 1985 وزجه في احد سجون اديس ابابا حتى اطاحة النظام الاثيوبي على ايدي «الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب اثيوبيا» بقيادة ملس زيناوي (رئيس الوزراء الحالي) في مايو (ايار) 1991، ففر من السجن في يوليو (تموز) من العام نفسه مع سجناء آخرين مستغلين تغير النظام. وعاد عبد الله يوسف الى الصومال ليشارك في الحرب الاهلية التي كانت اندلعت في 1991 بعدما اطاح زميله عيديد الرئيس سياد بري، كما شارك في العمليات السياسية المتمثلة في مؤتمرات المصالحة الكثيرة والتي لم تؤت ثمارها. فقرر في اغسطس (آب) 1998 إعلان منطقته في شمال شرقي الصومال منطقة حكم ذاتي باسم «بونت لاند» او «بلاد بونت» وترأسها حتى العام 2002، ثم خاض صراعاً مريراً على السلطة في تلك السنة مع خصمه جامع علي جامع الذي اقصاه عن رئاسة «بونت لاند» لفترة وجيزة. ولاحقا استرجع العقيد رئاسة الحكم الذاتي في السنة ذاتها، وشارك في مؤتمر المصالحة الصومالية الاخير في نيروبي حيث وضع المؤتمرون من زعماء القبائل واعيان البلاد دستوراً جديداً للصومال، واختاروا اعضاء البرلمان الذين انتخبوا عبد الله يوسف رئيساً في 14 اكتوبر (تشرين اول) الماضي.

لكن متى يعود الرئيس المنتخب الى مقديشو؟ والى متى سيظل حاكماً للصومال من فنادق نيروبي ؟. ربما يكون الجواب لدى الاتحاد الافريقي الذي سيعقد قمته السنوية العادية مطلع السنة الجديدة في ابوجا حيث سيكون موضوع تثبيت حكم الرئيس المنتخب عبر ارسال قوات افريقية لحفظ السلام ونزع اسلحة الميليشيات على جدول اعمال القمة .. والى ذلك الحين فهو بالانتظار.