كيم جونغ إيل... من شابه أباه

TT

معروف عنه البذخ، وعدم الأمانة، وإدمان الكحول، قبل أن يصل للسلطة، وبعد أن وصل للسلطة أصبحت الصورة أكثر تعقيدا، فهو لم يعد الابن المدلل لزعيم كوريا الشمالية، بل أصبح رئيسا لدولة تواجه المجاعة والعزلة الدولية والاحتقان الاقتصادي، غير أنها مع ذلك تمتلك ترسانة أسلحة عملاقة من بينها أسلحة نووية. هذا هو كيم جونغ إيل الذي ولد في 16 فبراير (شباط) 1942، وتولى زعامة كوريا الشمالية خلفا لوالده كيم إيل سونغ عام 1994. وكان والده يحكم البلاد بدوره منذ 1948 .

وطبقا لمصادر غربية وكورية جنوبية، فإن كيم ولد في قرية صغيرة تسمي فياتسك بالقرب من منطقة خاباروفسك بالاتحاد السوفياتي السابق، عندما كان والده فى منفاه السوفياتي، عضوا بارزا بين الشيوعيين الكوريين، وضابطا في وحدة عسكرية سوفياتية. وعندما ولد كيم أطلق عليه «يورى كيم»، ربما للتمويه من الأعداء السياسيين لوالده.

غير أنه فى السيرة الذاتية الرسمية لكيم، جاء أنه ولد فى شمال كوريا الشمالية وليس في الاتحاد السوفياتي السابق. وبالرغم من تطابق شهر وعام مولده بين سيرته الرسمية وبين بعض المصادر الغربية، إلا أن بعض المصادر المستقلة تشكك في عام مولده، وتقول إنه أكبر عمرا مما يدعي. ولدى نهاية الحرب العالمية الثانية كان كيم لا يزال طفلا صغيرا، وبعد ذلك عاد والده الى بيونغ يانغ في سبتمبر (أيلول) 1945، وبعد ذلك بفترة قصيرة مات شقيقه غرقا في حمام السباحة، ثم توفيت والدته 1949 خلال انجابها.

وبحسب مؤرخي حياة كيم، فإن هذين الحدثين أضافا كثيرا من العزلة والانطواء عليه. كما أن إرساله وحيدا ليتم تعليمه في مدرسة لأبناء القادة الشيوعيين في الصين بعيدا عن مخاطر الحرب الكورية خلال الخمسينات، عمق ميول العزلة لديه. وعندما عاد من الصين أكمل تعليمه فى مدرسة «نام سان» في بيونغ يانغ، وهي أيضا مدرسة مخصصة لأبناء المسؤولين في الحزب الشيوعي الكوري الشمالي. وبحسب كيم ذاته، فإنه بعد ذلك تخرج من جامعة «كيم ايل سونغ»، في تخصص الاقتصاد السياسي 1964، وبحلول هذا التاريخ كان والده كيم ايل سونغ قد أحكم سيطرته على البلاد عبر السيطرة على الحزب الشيوعي والحكومة والجيش والمؤسسات الأمنية.

وسط هذا الأجواء تشكلت الثقافة السياسية لكيم جونغ ايل، فهو اعتاد الحوار والتعلم والاختلاط بالشيوعيين في حزب العمال الحاكم في كوريا الشمالية، وأغلب الظن انه وعلى الرغم من تخصصه في الاقتصاد السياسي، إلا أن وجوده الدائم وسط أوساط حزب العمال دفعه للسير في طريق الحزب الواحد والأفكار المغلقة.

ولم يضع كيم وقتا للسير على خطى والده، إذ قام بعد تخرجه مباشرة بالانضمام إلى حزب العمال الكوري الشيوعي الحاكم. عمل أولا في فرع النخبة بالحزب، ثم في المكتب السياسي. وفي عام 1969 تم تعيينه نائب مدير قسم الدعاية السياسية بالحزب. وخلال عمله بالحزب أطاح كيم كل منافسيه المحتملين بمن فيهم شقيقه الذي كان يخشى من أن ينافسه يوما ما على الحكم. وطوال السبعينات عرف كيم بوصفه «قلب» حزب العمال الشيوعي بسبب تغلغله في الحزب وأفرعه المختلفة.

وبحلول المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي 1980، كان كيم قد أضحى المسيطر الفعلي على الحزب، فيما كان والده المسيطر الفعلي على باقي مؤسسات الدولة والأمن. وفى إطار حمله للترويج له كي يحل محل والده على رأس الحزب الحاكم، بدأت وسائل الإعلام الحكومية تطلق عليه الأسماء والتوصيفات، ومن بينها «القائد العزيز»، فيما كان والده يكنى «القائد العظيم». وباعتلال صحة والده تدريجيا تقرر تعيين كيم 1991، قائدا أعلى للقوات المسلحة بالرغم من قلة خبرته العسكرية. وبما أن القوات المسلحة هي المؤسسة الحاكمة، أصبح كيم بالتالي الرجل الأقوى في البلاد، ووالده على قيد الحياة. وفي عام 1992، أعلن كيم سونغ ايل، أن ابنه كيم جونغ، سيكون مسؤولا عن تسيير كل الأمور الداخلية للدولة.

وبسبب الحلقة الضيقة التي كانت تحيط بهما، كان الرجلان يتبعان سياسة العزلة. وبالرغم من المجاعة التي عانت منها البلاد، إلا أنهما فضلا عدم إقامة علاقات تجارية مع الدول الأخرى، حتى مع شركاء كوريا الشمالية التقليديين مثل الصين والاتحاد السوفياتي السابق. وفي هذه الأجواء، وبسبب الحاجة الشديدة للعملة الصعبة، ترددت أنباء قيام جانب من القوات المسلحة بعمليات اختطاف لمواطنين من اليابان، والإتجار في المخدرات عبر السفارات. وفي عام 1994 توفي كيم ايل سونغ عن عمر يناهز 82 عاما، وبعده تولى ابنه مقاليد السلطة، وأحكم سيطرته على الحزب الشيوعي وعلى القوات المسلحة. وبالرغم من أن حقبة التسعينات إجمالا كانت حقبة التغييرات في آسيا وأوروبا الشرقية، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق، وانطلاق الموجة الثانية من الحرية الاقتصادية والسياسية، إلا أن كيم جونغ لم يغير سياسات الانغلاق والعزلة، حتى عندما بدأت الآثار السلبية العكسية لانهيار الاتحاد السوفياتي تظهر على الاقتصاد الكوري.

كما انه واصل تعزيز قدراته العسكرية وتخصيص جزء كبير من الموازنة العامة لأغراض التسليح، حتى ليمكن القول إن نسبة الإنفاق العسكري مقارنة بحجم الاقتصاد الوطني، يمكن أن يعد الأعلى على مستوى العالم.

والآن تنصب أعين العالم مجددا على كوريا اشمالية، وعلى كيم جونغ ايل الذي قال قبل ايام انه سيعاود استئناف المفاوضات مع اوروبا والصين وأميركا المتعلقة بالملف النووي لبلاده، ففي حالات سابقة اعتقد المراقبون بأن الخطوة تعني انفتاحا، ولو متدرجا، على العالم، إلا ان ما حدث كان جد مخالف. والآن يعتقد البعض، ويأمل البعض الآخر في أن يكون بدء المباحثات بداية لتغيير محتمل.