حقوق المرأة في الكويت: تاريخ طويل من الجدل

TT

تنشغل الساحة الكويتية منذ فترة بتطورات ملف حقوق المرأة السياسية على اثر تقديم عدد من النواب في البرلمان طلبا لإحالة قانون الانتخاب إلى المحكمة الدستورية للبت في دستورية مادته الأولى التي تمنع المرأة الكويتية من ممارسة حقوقها السياسية، والمتوقع أن يكون لها توابع سياسية خلال الأيام القليلة المقبلة في جلسة البرلمان في السابع من شهر مارس (آذار) المقبل.

ولقضية حقوق المرأة السياسية في الكويت تاريخ طويل بدأ منذ إقرار دستور الكويت عام 1962. غير ان الجدل الداخلي حولها بدأ فعليا في منتصف السبعينات بمحاولات خجولة من عدد محدود من النواب، غير ان هذه المحاولات لم تأخذ حقها من الدعم والتأييد بسبب التركيز على قضية ترسيخ الحياة الديمقراطية وتثبيت الدستور في الوقت الذي كان يتعرض فيه الي محاولات لتغييره أو حتى إلغائه، بالإضافة للدعاوى التي كانت تقول بأن المجتمع بصورة عامة والمرأة بصورة خاصة لم ينضج بعد لتقبل مشاركة المرأة في العملية السياسية.

وبعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في فبراير (شباط) 1991 شهد ملف حقوق المرأة السياسية نقلة نوعية وزخماً كبيراً حيث أدرج ضمن أولويات كتل سياسية رئيسية تمثل بصفة خاصة القوى الليبرالية والشيعية، بالإضافة لمطالب متكررة من الدول الحليفة التي شاركت في حرب تحرير البلاد لمنح المرأة الكويتية حقها السياسي ترشيحاً وانتخاباً. وقد توجت التفاعلات الداخلية والخارجية بالمرسوم الأميري لمنح المرأة حقوقها السياسية في مايو (أيار) 1999 . غير ان البرلمان أسقط القانون بعد ستة أشهر بعد التصويت عليه بفارق صوت واحد. سقوط التشريع فى البرلمان لم يؤد الى اي انتقاص من اهتمام الشارع والنخبة والمسؤولين بالموضوع، بل على العكس اعاد فتح الجدل السياسي بحساباته المختلفة، وبالبعد الاجتماعي بتفريعاته العشائرية القبلية، بالإضافة للبعد الديني الشرعي الذي تتقاطع خيوطه أو تستخدم لأغراض سياسية اجتماعية وأحياناً حسابات انتخابية تخص تركيبة دوائر انتخابية معينة. ويرى الخبير الدستوري د. محمد الفيلي ان الحكم بعدم دستورية المادة الأولى من قانون الانتخاب على أساس قصر حق الانتخاب على المواطنين الذكور من دون الإناث أمر غير مجد وأن الحكومة ستقوم بحل المجلس فور صدور الحكم لأن ذلك يلزمها بالدعوة للانتخاب خلال شهرين هو اعتقاد غير صحيح في مجمله، موضحا انه حتى لو اختارت الحكومة حل البرلمان فإن تعديل قانون الانتخاب بمرسوم قانوني يقضي بفتح باب التسجيل في جداول الناخبين يبقى أمراً ممكناً من الناحيتين القانونية والمادية.

غير ان الحكومة لها صلاحيات أبعد من ذلك حيث أن بإمكانها أن تنشر قوائم بأسماء السيدات اللواتي تنطبق عليهن شروط الناخبين ثم تفتح باب المراجعة والطعن وليس هناك أي مانع في ذلك من الناحية الدستورية.

وعن توقيت تقديم الطلب النيابي، يقول النائب الليبرالي علي الراشد إن هذا الاقتراح موقع عليه منذ دور الانعقاد السابق لمجلس الأمة، ولكن عندما أعلنت الحكومة عزمها تقديمه في نهاية دور الانعقاد «تمهلت وقالت لعل وعسى أن يكون عن طريق المجلس». ويتابع «عندما وضعت أولويات المجلس أخيرا وكانت خالية من هذا القانون وعدم الإشارة إليه مثل بعض القوانين التي لا تزال تدرس في اللجان ذكرت في الأولويات ولكن هذا الموضوع لم يذكر وعليه أصبح طريقنا الوحيد هو اللجوء إلى المحكمة الدستورية». ويرى النائب المستقل أحمد المليفي انه في ظل الجدل القائم فإن ما يحدث من إثارة لموضوع منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية هو مجرد مناورة سياسية لا تنم عن الرغبة في ترسيخ المزيد من الديمقراطية الحقيقية في الكويت. وأضاف «إن الدليل على عدم وجود الرغبة هو عدم تقديم الحكومة مشروع قانون متكاملا مرتبطا بحقوق المرأة السياسية وبين الناخب والعسكريين والدوائر الانتخابية».

ويقول النائب السلفي د. فهد الخنة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن المرأة ليس لها حقوق أصلاً في موضوع الولاية العامة والمتمثلة في هذه الحالة بالترشيح والانتخاب لأن هناك العديد من المحظورات الشرعية التي تحول دون ذلك، أهمها بحسب قوله كون انشغال المرأة بأمور السياسية قد يصرفها عن دورها الأساسي داخل أسرتها ومجتمعها إضافة إلى ما ستحتمه هذه المشاركة عليها من اختلاطها بالرجال والسفر إلى الخارج وغير ذلك من الأمور. ويتابع «لكننا للأسف نتأثر بالتجارب الغربية ونحاول تقمصها في مجتمعاتنا وإذا اقتصر القانون على منح المرأة حق الانتخاب فقط سيكون الأمر أكثر قبولاً لا سيما وأن بعض العلماء يجيز ذلك باعتباره نوعاً من المشورة في الأمر». وتتفق حركة سلفية منشقة عن تيار السلف الأم وهي الحركة السلفية العلمية مع هذا الرأي وترى في بيان أصدرته يرجع البعض أسبابه إلى حالة الحرج التي أثارتها موافقة حزب الأمة الذي شكله أخيرا بعض المنشقين عن الحركة السلفية العلمية ذاتها في بيانها أنها لا ترى مانعاً من إعطاء المرأة حق التصويت من دون الترشيح كونها ولاية عامة مناطة بالرجل شرعاً، كما تؤكد على وجوب الدفع بعجلة الإصلاح السياسي الشامل لا الانتقائي وعدم إشغال الشارع الكويتي بمناورات سياسية هدفها تحقيق مصالح آنية على حساب المصلحة العامة.

وعلى جانب المرأة الكويتية المعنية أساسا في هذه القضية والتي يقول المعارضون لمنحها حقوقها السياسية إنها غير معنية بالقضية وان الحركة النسائية الكويتية هي حركة نخبوية ولا تمثل شريحة واسعة في المجتمع تعلق الناشطة السياسية وأمينة سر الجمعية الثقافية النسائية الكويتية لولوة الملا لـ«الشرق الأوسط» «لقد أصابتني الدهشة لموقف من هم ألد أعداء المرأة. فالمرأة الكويتية عبر الأجيال عانت كثيرا من تعنت ومحاربة هؤلاء في شتى الميادين مما ساهم في إفراز شريحة واسعة من النساء اللواتي يحاربون أنفسهن في هذا الحق وينقدن وراء الرجل بحجة الولاء والطاعة وباسم العادات والتقاليد، أما الوصول إلى حقنا المشروع في المشاركة السياسية فهو أمر محتوم سواء شاء البعض أم أبى. فهو حق دستوري كفله لنا الدستور الكويتي في مادته التاسعة والعشرين أما قانون الانتخاب الحالي فهو غير قانوني ومن السهل تغييره».

وتضيف الملا «المرأة الكويتية تشكل نصف المجتمع ونسبة المتفوقات في الجامعة هي الأعلى ولقد تمتعت الكويتية بحق التعليم العالي وتمارس أعمالها في شتى الميادين وبجدارة وبالتالي فان قدراتها في إدارة الدفة السياسية لا تقل عن أي رجل لا سيما ان المرأة الكويتية غير بعيدة عن ملامح الحياة الديمقراطية فهي تمارس هذا الحق أثناء انتخاب الروابط الطلابية وفي الجمعيات التعاونية ومختلف الهيئات التي تتواجد فيها المرأة». بينما ترى الأديبة والناشطة السياسية في مجال حقوق المرأة السيدة فاطمة العلي أن حق المرأة السياسي هو موضوع لا جدال فيه لا سيما أن هناك مرسوما أميريا سابقا يعطي المرأة كافة حقوقها السياسية كما أن حضارة أي مجتمع وعملية التنمية المستدامة فيه لا تنجز بالشكل الكامل إلا بالمشاركة السياسية من قطبيه الرجل والمرأة. وعن إقرار قانون مشاركة المرأة في حقي الترشيح والانتخاب في القريب العاجل، أعربت العلي عن تفاؤلها نظراً لكون بوادر التغيرات في المجتمع الكويتي واضحة، وان قراءة الواقع تؤكد أن هناك جملة تحركات تدعم التوجه نحو الإصلاح السياسي والاجتماعي مثل القضاء على الفساد المؤسسي وإتاحة المزيد أمام حرية الصحافة والانفتاح على الآخر في مختلف المجالات.

وعن احتمال لجوء الحكومة إلى فرض الكوته النسائية في الدستور الكويتي خاصة إذا حالت بعض الضغوط الاجتماعية دون وصولها إلى مقعد البرلمان بالانتخاب المباشر، أكدت العلي «ان الكوته في الدستور الكويتي غير جائزة وإذا حصل اختراق من الحكومة وأجيزت فأتمنى ألا تصل أي امرأة إلى هذا المكان من خلال اعتمادها على الإرث الاجتماعي أو العشائري، وأن تفكر الحكومة في اختياراتها على الأقل في المرحلة الأولى كي لا تصاب بخيبة أمل وكي لا تعطي الفرصة للمحاور الأخرى أن تتصيد بغية الحيلولة دون تقدم المرأة على هذا الصعيد لا سيما وأن المجتمع المحلي والعالمي يتابع ويرصد تحركاتنا الأولية والتي نتمنى أن لا تتخبط في جدران العشوائية». وعبرت فاطمة العلي عن ارتياحها بشأن التحرك الإيجابي الأخير من قبل حزب الأمة الاسلامي مرحبة بأي توجه سياسي يدعم المرأة في الحصول على حقها السياسي. وتبقى الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة لقضية الحقوق السياسية للمرأة الكويتية في ظل ملامح الجدية والإرادة التي تبديها الحكومة لإقرار هذه الحقوق.