فرنسا: الجيل الثالث للمهاجرين العرب غير الصورة.. والاندماج يظل مشكلة

الكثير منهم يعيش في «غيتو»

TT

اسمه حكيم القروي، وظيفته الرسمية في ديوان رئيس الوزارة الفرنسي جان بيار رافاران هي كتابة خطابات الأخير الذي اختاره لهذه الوظيفة الحساسة لكفاءاته الكتابية وقدرته على إيصال الرسالة التي يريد رافاران أن تصل الى مواطنيه بكفاءة رغم صغر سنه. وحكيم القروي، البالغ من العمر 33 عاما والذي يتحدر من أب تونسي وأم فرنسية بروتستانتية من شرق فرنسا، يحمل شهادات عالية، والى جانب عمله ككاتب لخطابات رئيس وزراء فرنسا، يرأس القروي «نادي القرن الحادي والعشرين» أحد نوادي النخبة المقصورة على الفرنسيين المتحدرين من أصول أجنبية وخصوصا عربية ومغاربية. وهو شبيه بنوادي الـ «روتاري كلوب». وقد رأى النادي النور منذ ما يزيد على العام بفضل تعاون مجموعة من الشبان الذين وصلوا الى مستويات عليا في القطاعين العام والخاص الفرنسيين، ويريدون فتح الباب أمام شبان آخرين للاحتذاء بحذوه. ومن بين الذين يضمهم النادي رشيدة داتي وهي مستشارة نيكولا سركوزي، وزير الاقتصاد السابق ورئيس حزب التجمع من أجل الحركة الشعبية وهو حزب الأكثرية اليميني الحاكم، ايضا هناك بشير المنا وهو مستشار للرئيس الفرنسي جاك شيراك، وبريزة خياري النائبة في البرلمان الأوروبي، وفيصل دوهان وهو عضو في المجلس الوطني للحزب الاشتراكي وآخرون غيرهم. وحكيم القروي ورفاقه ليسوا حالات معزولة في المجتمع الفرنسي فإليهم يضاف المئات من الأطباء والمهندسين ورجال الأعمال والموظفين الذين نجحوا أو أتيحت لهم الفرصة في اختراق حاجز الأصل العرقي، خصوصا الأصل العربي والمغاربي.

هؤلاء كسروا الصورة التقليدية العالقة في أذهان عامة الناس عن المهاجرين العرب الى فرنسا أو المواطنين الفرنسيين من أصول عربية. فالعربي، في صورته النمطية التي ظلت مسيطرة لفترة طويلة كان الشخص الذي يقبل الأعمال الوضيعة التي لا يقبلها الفرنسي والذي كان يؤتى به إما من الريف المغربي أو من البقاع الجزائرية والتونسية بسبب نقص اليد العاملة. أما صورة من يسمون بـ«الجيل الثاني» الساكنين في ضواحي المدن الكبرى فيغلب عليها طابع العنف والتوجهات الأصولية الإسلامية وهو ما أكده الجدل الخاص بالحجاب في فرنسا العام الماضي. وبالنظر الى معاناة العائلات العربية من معاملة تمييزية سواء في المدارس أو لجهة المسكن والعمل وخلافه، فقد اختار بعضها إخفاء اسمه العربي واللجوء لاسماء فرنسية بحتة. ورغم ذلك، فإن الذين اخترقوا جدار العرق والجنسية واللغة والدين ليسوا كثيرين قياسا لعدد الفرنسيين المتحدرين من أصول عربية أو العرب المهاجرين. ومن الأمثلة على المعاملة التمييزية التي تصل في بعض الأحوال الى العنصرية المعادية للعرب أن شابا اسمه علي مروان من أصل جزائري، يحمل شهادة عالية في الهندسة الميكانيكية وشهادة أخرى في إدارة الأعمال، بعث حتى الآن بـ 350 رسالة الى شركات، غير أن الأجوبة التي تلقاها كانت كلها سلبية. وتفيد الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المعهد الفرنسي للإحصائيات أن عدد سكان البلاد وفق احصاء العام الماضي يبلغ 62.4 مليون نسمة، غير أن المعهد المذكور لم يكشف بعد عن تفاصيل الإحصاء ومنها تطور أعداد المهاجرين الأجانب على الأرض الفرنسية خلال السنوات الماضية، وتحديدا المتحدرين من أصول عربية. وللتذكير فإن غالبية المهاجرين العرب وصلوا ويصلون الى فرنسا من بلدان شمال أفريقيا الأربعة وهي الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا، وهي البلدان التي كانت بشكل أو بآخر خاضعة للهيمنة الفرنسية. لكن الإحصاء ما قبل الأخير الذي يعود الى عام 1999 يعطي تفاصيل رقمية تظهر أن إجمالي الأجانب في فرنسا يبلغ 4.306 مليون، 45 % منهم من أوروبا و 34% من أفريقيا والمتبقون من آسيا. ويشكل الجزائريون أول جالية أجنبية في فرنسا إذ يبلغ عددها 574 ألف نسمة، أي نسبة 13.4%، تليها بين الجاليات العربية الجالية المغاربية مقدار 522 ألف نسمة أي 12%، ثم الجالية التونسية التي يبلغ عددها 202 ألف نسمة او4.7 %. ولا تملك السلطات الفرنسية إحصائيات بخصوص المقيمين غير الشرعيين بل مجرد تقديرات، ويظن أن ثمة عدة مئات من آلاف المهاجرين غير الشرعيين، بعضهم يعمل في قطاع البناء أو في القطاع الزراعي والخدمات. ورغم أن السلطات الفرنسية تؤكد أن باب الهجرة الى فرنسا قد أقفل وأن الأبواب الوحيدة المتاحة للاستقرار على الأراضي الفرنسية تتمثل في تدبير تجمع عائلات المهاجرين، فإن تقديرات المعهد الفرنسي للإحصائيات تفيد أن فائض الهجرة الى فرنسا (أي الفارق بين الواصلين والمغادرين) لعام 2003 يبلغ 107 آلاف نسمة، بينهم 25 ألف نسمة وصلوا الى البلاد وهم يحملون في جيوبهم عقود عمل تؤهلهم للحصول على بطاقة إقامة شرعية لمدد مختلفة، ومن هؤلاء 14500 عامل موسمي للزراعة و 6500 عامل بعقد لمدة عام او أكثر.

ويدور الجدل في فرنسا، في الوقت الحاضر، حول فكرة طرحها نيكولا سركوزي تقول بإقامة «نظام حصص» أي «كوتا» على الطريقة الأميركية كوسيلة للسيطرة على ظاهرة الهجرة وإقامة تعاون بين البلد المضيف فرنسا وبلد المنشأ. وينطلق سركوزي من مبدأ أن فرنسا تحتاج الى عمال أجانب رغم زيادتها السكانية ورغم وجود أقل من 10% من سكانها القادرين على العمل في حالة البطالة، غير أن فكرة سركوزي المدعوم من أوساط أرباب العمل لا تلاقي استحسان الرئيس الفرنسي جاك شيراك ولا وزير داخليته دومينيك دوفيلبان الذي يفضل اقامة مرصد يحدد حاجات القطاعات الاقتصادية كل فرع بفرعه بما يسهل النقاش مع دول المنشأ، والجدل مرشح للاستمرار في الأيام المقبلة في البرلمان بمناسبة تقديم رئيس الحكومة تقريرا سنويا عن الهجرة الى النواب.

ويؤكد كتاب «المغاربيون في فرنسا» الصادر في خريف العام الماضي أن 20% من المهاجرين المغاربيين يعملون في القطاع الصناعي، و15 في المائة في قطاع البناء، و 60% في قطاع الخدمات. وتظهر هذه النسب تطورا كبيرا في نوعية عمل المهاجرين قياسا لما كانت عليه في الستينات أو السبعينات، غير أن هذه الفئة من السكان تعاني من البطالة التي تضرب صفوفها حوالي عشرين في المائة من الشباب (وهي ضعف البطالة المعروفة في الأوساط الفرنسية) ما يفتح الباب لكل أنواع المشاكل الاجتماعية والأمنية.

وبسبب ارتفاع اثمان المساكن والشقق والعقارات، فإن الكثير من هذه العائلات وجدت نفسها مضطرة للخروج من باريس والانتقال الى ضواحي المدن التي غدا بعضها أشبع بـ «الغيتو» حيث الأغلبية الساحقة من السكان هي من الأجانب المنعزلين عن السكان الفرنسيين، مع ما يولده هذا من الشعور بالغبن والقهر والإهمال من قبل الدولة. وبالرغم من الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها أغلبية المهاجرين، الا ان الصعوبة الاكبر تكمن فعليا في الاندماج الاجتماعي.