الأوروبيون والأميركيون في مواجهة الإرهاب: اختلافات وتقاربات

TT

كما في مناسبات اخرى عديدة، ظهر في مؤتمر مدريد حول «الإرهاب والديمقراطية» الذي جرى في اسبانيا لاحياء الذكرى السنوية الاولى للهجوم الإرهابي في مدريد والذي تسبب في قتل 192 شخصا، ظهرت الخلافات الاميركية الاوروبية حول موضوع مكافحة الارهاب، وهي اختلافات يمكن تلخيصها ببساطة في «الأساليب الانفرادية» مقابل «الأساليب الجماعية».

ففيما شدد «مؤتمر مدريد حول الإرهاب والديمقراطية» على الرد الجماعي على الإرهاب، باستخدام الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الدينية لتحقيق إجماع عام وعملية سياسية لعزل وهزم الإرهاب، كان رد فعل الولايات المتحدة تجاه الارهاب منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 وحتى الان، مختلفا. فالأميركيون شعروا بأنهم هوجموا بدون أن يقوموا باستفزاز احد، وكان جواب الرئيس جورج بوش على الهجمات بإعلانه عن أنه سيدافع عن أميركا في هذه الحرب ضد الشر. ولم يكن هناك سوى عدد قليل من المشاركين في مؤتمر مدريد الذين اعتبروا التحدي الأميركي هو حرب ضد الإرهاب، بل اعتبروه صيغة استخدمها الرئيس بوش كي يحشد الجمهور الأميركي من أجل صراع طويل ضد عدو جديد حل محل عدو سابق خاضت الولايات المتحدة ضده حربا باردة استمرت عقودا، وكان هذا هو الاتحاد السوفياتي والشيوعية.

* الرد السياسي مقابل الرد العسكري

* ركزت الولايات المتحدة وإسبانيا على المقاربة بين ضحايا هجمات 11 سبتمبر (ايلول) و11 مارس (اذار). لكن رد فعل أميركا كان يتحدد بجلب الحرب إلى العدو نفسه، وابتدأ هذا الموقف بإجراء عسكري في أفغانستان أدى إلى إقصاء القاعدة من كل مخابئها الآمنة ووضع أفرادها في حالة دفاع عن النفس وفي موقع المطارَد. سيوافق الرئيس بوش على ما ذكره خوزيه لويس رودريغو ثباتيرو رئيس الوزراء الإسباني، حينما أدان الإرهاب بكل أشكاله وأدان المفهوم المغلوط حول صدام الحضارات الذي جعل كل الديانات والمجتمعات مشتبها فيها. لكن ثباتيرو وصل إلى استنتاج بعيد عن استنتاج بوش حينما قال إن العمل السياسي قادر على حل النزاعات. والحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق توحي بأن الحل العسكري من وجهة النظر الأميركية قادر على حل النزاعات أيضا. والأكثر من ذلك، هو أن الحرب في العراق التي أعقبت الحرب في أفغانستان بعد مرور فترة قصيرة جدا على الأولى خلقت قناعة لدى الكثير من المسلمين في العالم بأن الولايات المتحدة في حالة حرب لا ضد الإرهاب بل ضد الإسلام.

هناك فارق مهم آخر بين الأسلوبين الأوروبي والأميركي في التعامل مع الإرهاب، يتمثل في دور حقوق الإنسان. إذ حذر مؤتمر مدريد من أي انتقاص لحقوق الإنسان تحت طائلة محاربة الإرهاب. ومثلما قال الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان في مدريد فإن انتقاصا من هذا النوع سيؤول إلى التخلي عن الأرضية الأخلاقية القوية لصالح الإرهابيين، خصوصا في تلك المناطق التي يكسب الإرهابيون منها أنصارا جددا.

ويمكن القول ان الأسلوب الأميركي يعتمد أكثر من أي شيء آخر على الردع، معاقبة المشتبه في تورطهم بأعمال إرهابية بطريقة مذلة وعلنية، مثلما حدث بالنسبة للمعتقلين الأعداء في معسكر غوانتانامو بملابسهم البرتقالية وبوجوههم المغطاة، من أجل ردع أولئك الذين يجلسون على السياج من الالتحاق بالقاعدة أو بمنظمات إرهابية أخرى. كان دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي يردد أثناء الحرب في أفغانستان أن على الإرهابيين أن يختاروا خطا آخر من العمل. لكن بتطبيق حجة كوفي أنان التي ذكرها في خطابه، فإن مقابل كل شخص بريء اعتقل خطأً بتهمة الإرهاب، سيدفع ذلك ابن عم له أو أحد أصدقائه للكف عن البقاء جالسا فوق السياج والانضمام للإرهابيين.

أما الأسلوب الأوروبي فيتلخص في فهم الدوافع التي تقف وراء الإرهابيين لا أن يصبح المرء مثلهم. فالأوروبيون سيقبلون بكلمات الدبلوماسي الأميركي الراحل جورج كينان الذي قال في تقريره الشهير عام 1946، الذي وفر الأرضية لاحتواء عقلاني للحرب الباردة «يجب أن تكون لدينا الشجاعة والثقة بالنفس كي نلتزم بأساليبنا ومبادئنا الخاصة بمجتمع إنساني. الخطر الأكبر الذي يمكن أن يلحق بنا في التعامل مع مشكلة الشيوعية السوفياتية هو أن نسمح لأنفسنا كي نصبح شبيهين بأولئك الذين نتعامل معهم».

الفارق الرابع هو التشديد الأوروبي على تحليل الأسباب الجذرية التي تسمح للتطرف بالانتشار، هناك الفقر والنبذ الاجتماعي والإذلال وغياب التعليم والدول الفاشلة في تحقيق واجباتها تجاه رعاياها. كذلك ذكرت فلسطين من وقت إلى آخر باعتبارها أحد الأسباب الجذرية، وخصوصا الاحتلال الذي مضى عليه 37 عاما للضفة الغربية وغزة، على الرغم من أن الخطباء أضافوا أنه حتى لو تم حل النزاع فإن الكثير من مشاكل العالم الإسلامي ما زالت بحاجة للمعالجة.

وأحد هذه المشاكل التي ذكرت في المؤتمر، هي الحاجة لانفتاح وشفافية أكبر للحكومات. مع سيادة القانون بطريقة قوية تحقق إصلاحا لأنظمة القضاء، كما ان التعليم سيكون المضاد الحيوي الذي يوفر للمجتمعات مناعة من أن تصبح أرضا خصبة للإرهاب. وشدد مؤتمر مدريد على حل النزاعات المحلية وعلى نشر الديمقراطية باعتبارهما استراتيجية طويلة الأمد لمكافحة الإرهاب.

ومن ناحيتها، ترى إدارة بوش أن الديمقراطية هي المفتاح لحل النزاعات في المنطقة ولا توافق على وجهة النظر السائدة في المنطقة، فيما ترى اوروبا أن المشكلة الفلسطينية يجب حلها قبل تحقيق الديمقراطية والإصلاح في الشرق الأوسط. وتشارك الولايات المتحدة الجانب الاوروبي الاعتقاد في ان استهداف الارهابيين من دون حل الاسباب التي تقف وراء الارهاب لا يشكل بأية حال استراتيجية فاعلة على المدى الطويل، إلا ان الجانبين يختلفان اكثر حول أي الاسباب تأتي في مقدمة الاولويات: إنهاء احتلال في فلسطين والعراق أم نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

* التقارب

* بدأ الاصلاحيون العرب والاوروبيون الإقبال على الخيار الديمقراطي في المنطقة، فالاسم الرسمي لمؤتمر مدريد كان «الديمقراطية والأمن والارهاب». التطور الذي كان اكثر إثارة للاهتمام عقب أحداث لبنان هو توحد موقفي فرنسا والولايات المتحدة الى جانب قادة المعارضة اللبنانية، مثل وليد جنبلاط، الذي قال في الآونة الاخيرة ان نجاح الانتخابات العراقية يمثل «بداية لعالم عربي جديد». هذه المواقف المؤيدة للديمقراطية من الجانب الاوروبي في المنطقة قابلتها تغييرات مهمة في جانب سياسة الولايات المتحدة خلال الولاية الثانية للرئيس جورج بوش، ابتداء من تركيز وزيرة الخارجية الاميركية الجديدة كوندوليزا رايس على المنهج المعتمد على مشاركة اكثر من طرف في حل النزاعات، مثل مسألة البرنامج النووي لإيران وكوريا الشمالية ومشاركة الادارة الاميركية في عملية السلام في الشرق الاوسط، اذ من المقرر ان يزور الرئيس محمود عباس (ابو مازن) البيت الابيض ربيع العام الجاري. وبعد مرور ما يزيد على ثلاثة أعوام ونصف العام على هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، بدا المسؤولون في دوائر صناعة القرار في واشنطن اكثر استيعابا للجوانب المتعلقة بمكافحة الارهاب وباتوا يدركون، كما تدرك اجهزة استخباراتهم ايضا، ان افضل السبل لمنع وقوع 11 سبتمبر اخرى يتمثل في تعاون جيد وتبادل للمعلومات مع نظرائهم في اوروبا ودول اخرى. يذكرنا مؤتمر مدريد بأنه لا توجد دولة يمكن ان تهزم تكتيكات الارهاب بمفردها. فلكل من الهجمات التي وقعت في بالي وبغداد وبيسلان وتل ابيب والرياض والدوحة ومدريد ومدينة نيويورك، منطقها الداخلي ودوافعها الخاصة، ولكن من الضروري التعاون من اجل الرد بالطريقة الملائمة. وبهذا المعنى، تكرر مدريد رسالة مؤتمر مكافحة الارهاب، الذي استضافه ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز بالرياض في وقت سابق من هذا العام.

* استاذ بكلية سان آنتوني بجامعة اوكسفورد البريطانية خاص بـ«الشرق الأوسط»